في الأيام المقبلة قد تتكرّر بروفا “يوم الغضب” الذي شهدته بعض المناطق أمس، فيتحوّل الشارع إلى مسرحٍ لفوضى شاملة يغذّيها التقصير السياسي الفاضح في تلمّس طريق الحلّ للأزمات المتناسلة والآيلة إلى مزيد من التعقيد.
وتُقابِل الشارع المهدّد بالانفجار في أيّ لحظة، تحت وطأة كارثة لم يعرفها لبنان في تاريخه الحديث، نماذجُ في “السياحة السياسية” المُنفصمة تماماً عن الواقع: “شجرة عائلة” نجيب ميقاتي في ضيافة البابا فرنسيس، ورئيس جمهورية يشارك في فعّاليات حدث رياضي في قطر!
يقول مطّلعون إنّ لقاء رئيس الجمهورية مع أمير قطر لا يتعدّى الإطار البروتوكولي، وتبادل الكلام الدبلوماسي، وإعلان التعاون في بعض القطاعات
أمّا التعويل على استغلال المناسبة للقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي عَدَل سابقاً عن إرسال موفده إلى بيروت للتوسّط لحلّ الأزمة مع دول الخليج، ثمّ حمّل ضيفه وعداً بقدوم وزير الخارجية القطري “قريباً”، فلن يُحدِث الفرق في المشهد الداخلي السوداوي. هذا ويراهن الفريق المحيط بعون على مبادرة كويتية أيضاً لإحداث خرق في جدار الأزمة مع الخليج.
يقول مطّلعون إنّ “لقاء رئيس الجمهورية مع أمير قطر لا يتعدّى الإطار البروتوكولي، وتبادل الكلام الدبلوماسي، وإعلان التعاون في بعض القطاعات، بعيداً عن أيّ التزام من جانب الدوحة يمكن أن يقود إلى حلّ الأزمة بكلّ تشعّباتها. فليس من وساطة قطرية بغطاء خليجي، والسعودية ليست بوارد تعديل أجندتها حيال لبنان. وحاليّاً الأزمة الكبرى هي قضية المحقّق العدلي في قصية مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وحلّها بيد أفرقاء الداخل، وليس الخارج، من خلال تصويب مسار التحقيق”.
ويشير هؤلاء إلى أنّ “الأشهر الفاصلة عن نهاية العهد قد تكون الأكثر كلفةً على اللبنانيين منذ التسعينيّات، إذ تتداخل الأزمة الماليّة والاقتصادية والمعيشية مع حكومة معطّلة، حتى لو استأنفت اجتماعاتها، ومع انتخابات نيابية ورئاسية لا تزال في علم الغيب، لكنّها تتحكّم بمواقف كلّ القوى السياسية وتموضعاتها”.
وأمس أعاد ميشال عون من الدوحة التذكير بمواصفات الرئيس المقبل الذي يجب أن يتمتّع بـ”التمثيل الصحيح”. وهي إشارة رئاسية “تحور وتدور” حول اسم جبران باسيل، وتوسِّع بيكار التباعد بين بعبدا ومختلف القوى السياسية. لكن في الوقت نفسه عزّز عون الشبهات حول سعيه للتمديد حين أشار صراحة، وللمرة الأولى، إلى بقائه في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته الرئاسية إذا طلب مجلس النواب ذلك، مناقضًا كل تصريحاته السابقة حول رفضه التمديد.
لم يعد بالإمكان فصل تعاطي رئاسة الجمهورية مع الاستحقاق المقبل عن كلّ الملفّات العالقة، ومن بينها مصير الحكومة. وتقول أوساط التيار الوطني الحر لـ”أساس”: “لن نقبل الخضوع لمعادلة البيطار مقابل الحكومة”، وتضيف: “كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ البيطار لن يزيح عن ملاحقة المدّعى عليهم باعتباره صاحب اختصاص، والقرار الظنّيّ قد لا يصدر قبل نهاية العام، فهل نبقى من دون حكومة؟”، مؤكِّدة أنّه “يجب فصل المسارين واستئناف الحكومة جلساتها فوراً، بالتزامن مع دعوة الرئيس نبيه بري إلى جلسة لإقرار قوانين أساسيّة إصلاحية، ولا مانع من أن يدرج على جدول أعمالها التصويت على العريضة النيابية الاتّهامية، وموقفنا منها معروف”.
وبينما لا تزال كلّ المسالك مقفلة باتجاه تفعيل جلسات الحكومة، وحلّ أزمة القاضي البيطار، وعقد جلسة نيابية لنقل ملفّ ملاحقة السياسيين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لم تتوافر معطيات عن تحقيق أيّ تقدّم أو خرق خلال اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة والرئيس برّي في عين التينة أمس. والذي خرج على أثره ميقاتي من دون الإدلاء بأيّ تصريح.
يراهن الفريق المحيط بعون على مبادرة كويتية أيضاً لإحداث خرق في جدار الأزمة مع الخليج
وثبّت بيان المكتب السياسي لحركة أمل أمس مساحة الخلاف مع باسيل وعدم تلقف دعوة الأخير لحلّ قضية البيطار في مجلس النواب بالتأكيد إنّ “كل حديث عن مسؤولية المجلس النيابي في تصحيح المسار القضائي يتطلّب من مطلقيه أن يلتزموا الحضور والتصويت إلتزاماً بهذا الأمر بما يؤمّن انتظام عمل المؤسسات الدستورية، وبهذا وحده تستقيم الامور وتأخذ مسارها الصحيح إلى جانب إلزام القاضي المعني في التزام حدود صلاحياته والنصوص الدستورية”، نافيًا “وجود أي مقايضات في الشأن القضائي”.
وَوَصف البيان “القرارات الاخيرة الصادرة (عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز) بغبّ الطلب عن المتحكّمين بهذا الملف والتي لا تستقيم مع كل المعايير القانونية والدستورية، وتشكل فضيحةً بكل معنى الكلمة في وقتٍ نرى الانفصام الفاضح لبعض القيادات التي تتحّدث عن استقلالية القضاء وهي التي ساهمت وتساهم في الحمايات القضائية لقيادات حكومية وأمنية وإدارية وتنظّر علناً لمنطق الاستنسابية والتسييس”.
وهذا يعني رفض “أمل” حضور نواب التيار جلسة للتصويت على عريضة الاتهام النيابية من دون منح أصواتهم لصالح الإحالة إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
إقرأ أيضاً: لا تعيينات قبل نهاية العهد
ووفق المعلومات، يربط الثنائي الشيعي إحالة ملف ملاحقة رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء عبر مجلس النواب
بكفّ يد القاضي البيطار نهائيًا عن ملاحقة هؤلاء “كي لا نكون أمام مسارين للملف نفسه واحد في القضاء العدلي وآخر في مجلس النواب”.