بات بحكم المؤكّد، وفق العارفين، أنّ المهلة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية ثمّ الرئاسية لن تشهد تعيينات من العيار الثقيل في حاكميّة مصرف لبنان أو في القضاء.
تجزم شخصيّة سياسية بارزة لـ”أساس”: “تعيينات بهذا الثقل لا تكون في نهاية العهود، بل في بدايتها أو خلال الولاية الرئاسية. والأهمّ أنّ الحكومة، حتى لو استأنفت جلساتها، فهي في وضعيّة عجزٍ وقصور ويتحكّم بها الخلاف الحادّ بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي. ويَحدُث ذلك في ظلّ مرحلة انهيار وفوضى لا أحد قادر على الإحاطة بتداعياتهما”.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة باقٍ في موقعه، وإرادة الرئيس ميشال عون الإطاحة به لن تتحقّق، حتى في ظلّ “الكلام الكبير” الذي يتردّد في أروقة القصر الجمهوري “عن ضرورة ليس فقط وضع حدّ لولاية سلامة المُمدَّد له، بل وضعه خلف قضبان السجن”. لكنّ الواقعيّة تغلب في بعبدا التي اقتنعت بأنّ إزاحة سلامة لم تعد ممكنة في الوقت الراهن.
يؤكّد مطّلعون أنّ ربط مسألة تنحية القاضي طارق البيطار عن تحقيقات المرفأ بإجراء تعيينات جديدة في الجسم القضائي ليس دقيقاً
سيخرج “فخامته” من قصر بعبدا قبل أن يخرج “الحاكم” نهائيّاً من مكتبه في الحمرا. هذا ما تريده الدول المؤثّرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بعكس الفرنسيين الطامحين إلى “قبع” رياض من موقعه، وأيضاً هي إرادة سعد الحريري (سابقاً)، وحالياً الرئيس ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري و”المنظومة” إيّاها التي نَمَت وتَرَعرَعت “تحت جناحيْ الحاكم وعطاءاته المفتوحة وهندساته الربحيّة”.
مناسبة هذا الكلام أنّ الأمور في بعبدا وَصَلت “إلى حدّها مع رياض سلامة” في ظلّ اتّهام رئاسي مُعلن للحاكم وقوى سياسية بارزة، وعلى رأسها برّي، بالعمل على إسقاط التدقيق الجنائي في مصرف لبنان والمماطلة في تقديم المستندات المطلوبة لشركة “ألفاريز ومارسال”، وذلك إلى حين انتهاء ولاية عون في 31 تشرين الأول من العام المقبل.
سَكَت “التيار الوطني الحر” عام 2017 عن رياض سلامة و”ارتكاباته” حين قَبل التجديد له تحت رايةِ “الحفاظ على أفضل استقرارٍ نقديٍّ وماليٍّ اتّقاءً لعاصفةٍ ممكنة من دونالد ترامب”، وفق تبرير العونيين آنذاك. يومئذٍ كان الرئيس الأميركي عائداً من زيارةٍ تاريخيةٍ غير مسبوقةٍ للرياض، محمَّلاً بصفقاتٍ مُعلنة وأخرى غير مُعلنةٍ.
بعد ذلك، وعلى مدى أعوام الولاية الرئاسية، حاول عون نسج توافق سياسي للإطاحة برياض، لكنّه لم ينجح. وفي حال أكمَلَ ولايته الممدَّدة للمرّة الخامسة، التي تنتهي في أيار 2023، فسيكون سلامة، المُحاصر بكمّ من الدعاوى القضائية في دول أوروبية و”المُخوَّن” شعبيّاً، الشاهد على خروجِ ميشال عون من قصر بعبدا بعد أن يكون قد أمضى ثلاثة عقودٍ حاكماً بأمرِ المالِ والعهودِ. وهي المدّة الأطول لأيّ حاكم ماليّ في لبنان والمنطقة والعالم.
ويردّد الرئيس عون في مجالسه الخاصة قائلاً: “بعد معركة قانون الانتخاب، التدقيق الجنائي هو معركة حياة أو موت بالنسبة إليّ، ولن أترك قصر بعبدا إلا ونتائج التدقيق في حسابات مصرف لبنان باتت مكشوفة للرأي العام، و”غسيل” رياض سلامة و”الفرقة” منشور أمام الجميع”.
يتوقّع مراقبون توسّع بيكار المواجهة السياسية مع محور عبود-البيطار، خصوصاً في ظلّ إقفال كلّ المسالك لردّ المحقّق العدلي
على جبهة القضاء، يؤكّد مطّلعون أنّ ربط مسألة تنحية القاضي طارق البيطار عن تحقيقات المرفأ بإجراء تعيينات جديدة في الجسم القضائي ليس دقيقاً.
ويوضح المطّلعون أنّ “التفتيش عن مخرجٍ لإعادة التحقيق إلى سكّته القانونية وفصل ملاحقة السياسيين عن صلاحيّات المحقّق العدلي يتمّ بمعزل عن إجراء تعيينات جديدة قد تطول رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ومدّعي عامّ التمييز القاضي غسان عويدات ورئيس التفتيش القضائي بركان سعد والمدّعي العامّ المالي القاضي علي إبراهيم”.
ويجزم المطّلعون في هذا السياق أنّ “برّي يرفض بشكل تامّ تنحية المدّعي العامّ المالي، وسبق في الفترة الماضية أن تمّ التداول في الكواليس بتعيينات شاملة تشمل هذه المواقع بالتزامن مع محاولة تنحية القاضي البيطار، لكنّها لم تصل إلى مكان”.
وأعادت قرارات الهيئة العامّة لمحكمة التمييز برئاسة القاضي سهيل عبود تسليط الضوء على الأخير بعدما جاهر فريق سياسي كبير بالعمل على تنحيته وتعيين رئيس مجلس قضاء آخر مكانه لـ”الارتياب المشروع” بأدائه. فقد أوحَت القرارات الصادرة عن أعلى سلطة قضائية، والتي وفّرت الغطاء الكامل لكلّ مسار عمل المحقّق العدلي، بوجود غطاء مماثل لرئيس مجلس القضاء الأعلى مكّنه من الذهاب بعيداً في استصدار قرارات شكّلت تحدّياً مباشراً للسلطة السياسية الساعية إلى إيجاد مخرج، عبر القضاء أو الحكومة، لإبقاء البيطار بعيداً عن ملعب ملاحقة المدّعى عليهم من السياسيين التزاماً بمقتضيات الدستور.
وبدا لافتاً وصف مُقدّمة “المنار” لقرارات الهيئة العامّة بـ”المجزرة القضائية وشنق للعدالة على مقصلة التسييس، في وقت تتكدّس فيه الوثائق التي تؤكّد بالدليل الممهور مكمن الخلل الأساس الذي أدّى إلى انفجار مرفأ بيروت، وفي صدارته تقصير القضاء”، متسائلة “هل هذا أوّل الردّ الذي أصاب لقاء الاستقلال الرئاسي؟ وما هي تداعيات الإصرار على الاستنسابية والسير بالقضية بلغة القاضي الواحد المطلق الذي لا يقبل مراجعة أو طعناً أو حتى سؤالاً؟”.
ويتوقّع مراقبون توسّع بيكار المواجهة السياسية مع محور عبود-البيطار، خصوصاً في ظلّ إقفال كلّ المسالك لردّ المحقّق العدلي.
إقرأ أيضاً: عبود ينتصر على الحكومة… بالإجماع
ويشار في هذا السياق إلى أنّ رئيس الغرفة الأولى في محكمة التميييز القاضي ناجي عيد، الذي كلّفته الهيئة العامة في محكمة التمييز بتّ طلب ردّ القاضي طارق البيطار، سبق أن قرّر في 14 تشرين الأول الماضي عدم قبول طلب الردّ الثاني الذي قدّمه وكيلا النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر بحقّ البيطار، باعتبار المحقّق العدلي ليس قاضياً في “التمييز”، فيما خالفت القاضية ليليان سعد قرار الأكثرية.