تهدّد تل أبيب وتتوعّد. تقول إنّها “جاهزة” وتتحدث عن سيناريوها لضربات عسكرية ضدّ إيران، وعن ميزانيات رُصدَت، وخطط أُعلِنَت ومناوراتٍ أُنجِزَت. لكن هل هي جاهزة للردّ المتوقّع من محور إيراني يحاصرها من كلّ الجهات؟
ارتفعت أسهم “الخيار العسكري” الإسرائيلي بعد كلام قائد القيادة المركزية الأميركيّة في الشّرق الأوسط، الجنرال كينيث ماكنزي، أخيراً عن أنّ قوّاته “مستعدّة لخيار عسكري محتمل” إذا فشلت المحادثات النووية مع إيران. بدا هذا التصريح “واحة” في صحراء الغزل الأميركي بإيران، وسكوت القوّة الأعظم عن “تحرّشات” إيران بها في مناطق تواجدها، برّاً وبحراً وجوّا، بالصوارخ وخطف السفن والمسيّرات.
ارتفعت أسهم “الخيار العسكري” الإسرائيلي بعد كلام قائد القيادة المركزية الأميركيّة في الشّرق الأوسط، الجنرال كينيث ماكنزي، أخيراً عن أنّ قوّاته “مستعدّة لخيار عسكري محتمل” إذا فشلت المحادثات النووية مع إيران
لكن ماذا عن الرّدّ الإيرانيّ الذي لا يتحدّث عنه أحد؟
بات معلوماً أنّ أيّ ردٍّ إيرانيّ لن يكون محصوراً بالجغرافيا الإيرانيّة الطّبيعيّة، إذ سيكون امتدادها السّياسي والعسكري في كلٍّ من لبنان وسوريا واليمن والعراق.
فهل إسرائيل مُستعدّة لتلقّي “التّخمة الصّاروخيّة” من محور إيران وجبهاتها؟
ليس جديداً التّوجّس القائم في المؤسّسات العسكريّة والسّياسيّة الإسرائيليّة من مُضيّ إيران قدُماً في تطوير قُدراتها النّوويّة المدنيّة والعسكريّة بعد إعلانها تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%. دفع هذا التّوجّس القيادتين السّياسيّة والعسكريّة إلى إعداد العُدّة للانقضاض على البرنامج النّوويّ الإيرانيّ، على الرّغم من الاعتراض الأميركيّ وبعض الدّاخل الإسرائيليّ على خطوة كهذه، أقلّه حتّى السّاعة.
وعلى الرغم من الخلاف بين واشنطن وتل أبيب على كيفيّة التعامل مع الخطر النّوويّ الإيرانيّ، إلّا أنّ لواشنطن ثابتتيْن اتجاه الكيان العبريّ لا تستغني عنهما مهما كان وضع العلاقة بينهما:
1- الالتزام بأمن إسرائيل من أقصاها إلى أقصاها.
2- الالتزام بالتفوّق العسكريّ للجيش الإسرائيلي في منطقة الشّرق الأوسط، وخصوصاً في سلاح الجوّ الذي زوّدته واشنطن خلال السّنوات الأخيرة بسربٍ من طائرات الجيل الخامس من طراز F-35، عدا عن الدّفاع الجّويّ والصّاروخيّ واتفاقات تطويره المُشترَك.
المناورات الكبيرة
خلال الأشهر الماضية، قام الجيش الإسرائيلي بعدّة مناورات تُحاكي تعرُّض الجبهة الدّاخليّة لوابل من الصّواريخ من جبهاتٍ عديدة. إلّا أنّ المواجهة الأخيرة في قطاع غزّة في شهر أيّار 2021 مع حركتيْ حماس والجهاد الإسلاميّ المواليتيْن لإيران كشفَت عن ثغرات عديدة في الجبهة الدّاخليّة الإسرائيليّة.
فمع تصنيف الحركتين بأنّهما الذّراعان الأقلّ قوّةً بين الأذرع الإيرانيّة إذا ما تمّت مُقارنة قُدراتهما بقدرات حزب الله وميليشيات الحوثي أو الميليشيات العراقيّة، تعرّض العُمق الإسرائيلي لقصفٍ صاروخيّ بدءاً من مستوطنة سديروت في غلاف القطاع، وصولاً إلى مشارف مدينة حيفا في الجليل، ومروراً بالقدس وتل أبيب وسهل شارون.
قُدِّرَ عدد الصّواريخ المُطلقة من قطاع غزّة، المُحاصر منذ 2006، في مواجهة الـ11 يوماً بـ4,400 صاروخ.
بعد حرب غزّة، خرجَ قائد الجبهة الدّاخليّة في الجيش الإسرائيليّ الجنرال أودي غوردين ليكشفَ أنّ حزبَ الله سيُطلِق يوميّاً نحو 2000 صاروخ في أيّ مواجهة مُقبلة مع لبنان. وكشفت تقارير عديدة أنّ ترسانة الحزب الصّاروخيّة نمت من 20 ألف صاروخ في 2006 لتتخطّى 135 ألف صاروخ.
تضمّ هذه الترسانة صواريخ متنوّعة، من بينها صواريخ كاتيوشا القصيرة المدى، وصواريخ متوسّطة وبعيدة المدى مثل صواريخ زلزال 1 و2 وصواريخ سكود B وC وD، والأخطر بينها صاروخ فاتح 110، وهذا ما أكّده الأمين العام للحزب حسن نصر الله غير مرّة.
يكمن سرّ القلق الإسرائيلي من صاروخ فاتح 110 في أنّه يعمل على الوقود الصلب الذي يمنحه سرعة في الإطلاق من دون الحاجة إلى استعدادات مُسبقة، فضلًا عن مداه الذي يبلغ 300 كيلومتر وإمكانية إصابته أهدافاً دقيقة من خلال استخدام أساليب التوجيه الحديثة، ومن دون أيّ انحراف في مساره في جميع الظّروف المناخيّة.
بات معلوماً أنّ أيّ ردٍّ إيرانيّ لن يكون محصوراً بالجغرافيا الإيرانيّة الطّبيعيّة، إذ سيكون امتدادها السّياسي والعسكري في كلٍّ من لبنان وسوريا واليمن والعراق
السلاح الجوّي الإيراني
مع الصّواريخ التي يمتلكها محور إيران، ظهرَ سلاح الطائرات المُسيَّرة. لم تغفل إيران خلال الفترة الماضية استعراض قدرات طائراتها المُسيَّرة من خلال استهداف النّاقلة الإسرائيليّة “ميرسر ستريت” في بحر عُمان انطلاقاً من اليمن، وقاعدة التّنف الأميركيّة جنوب شرق سوريا، ومدخل دارة رئيس الوزراء العراقيّ مُصطفى الكاظمي في العاصمة العراقيّة بغداد.
وما بين هذه الهجمات، كانت الأذرع الإيرانيّة في لبنان وقطاع غزّة تُطلق طائرات مُسيَّرة بين الحين والآخر فوق الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة لهدفين:
1- اختبار قُدرة الدّفاع الجوّي الإسرائيلي على اكتشاف واعتراض هذه المُسيَّرات.
2- التّلويح أنّ هذه الجبهات باتت مُترابطة وستكون على حالٍ واحد في أيّ مواجهة مُقبلة.
إذاً باتَ سلاح المُسيَّرات الإيرانيّة مصدرَ قلقٍ كبيرٍ للقيادة الإسرائيليّة. وعلى الرّغم من محاولاتها إبعاد خطر هذه المُسيَّرات عن حدودها، وخصوصاً في سوريا عبر قصف مطار T4 الذي تُهيمن عليه إيران في البادية السّوريّة، إلّا أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة استطاعت إيصال هذا السّلاح إلى أذرعها المترامية الأطراف. وهو يتميّز بكونه يستطيع تفادي منظومات الرّادار المُتطوّرة، كما حدث في قاعدة التّنف قبل أسابيع.
ما يزيد من القلق الإسرائيلي هو تخلّي الإدارة الأميركيّة بقيادة جو بايدن عن أولويّة إخراج إيران من سوريا، وتوجّهها نحو “الحدّ من نفوذ إيران في بعض المناطق”. ويبدو أنّ هذه المناطق ستُحدّدها إيران، كما هو الحال في مطار T4 وقاعدة الإمام عليّ في البوكمال.
إقرأ أيضاً: إيران تقتلع لبنان من جذوره؟
خلاصة القول أنّ الدّاخل الإسرائيلي سيكون على موعدٍ مع آلاف الصّواريخ ومئات المُسيَّرات التي ستنهمر من لبنان وسوريا وقطاع غزّة والعراق واليمن. وهذا السّيناريو يُحتِّم على القيادة الإسرائيليّة مواجهةً شاملةً مع إيران وحلفائها على امتداد خريطة الشّرق الأوسط.
لن تكون هذه المواجهة محصورةً بسلاح الجوّ الإسرائيليّ الذي كان له الدّور الحاسم في أيّ مواجهة خاضها الجيش الإسرائيليّ حتّى حرب تمّوز 2006. يومذاك تغيّرت المُعادلة، إذ لم يُفلح سلاح الجوّ في حسمِ المعركة بعد 33 يوماً على الرّغم من الدّمار الواسع الذي لحِق بالمناطق والبنى التحتيّة اللبنانيّة جرّاء القصف المُكثّف.
في الحلقة الثانية غداً:
كيف ستردّ إيران على إسرائيل (2/2): اجتياح الجليل