فازت الأنروا بجولة من الحرب السياسية والمالية المعلنة عليها. جولة وليس الحرب. فعلى الرغم من من تعهّدات جديدة من المانحين في مؤتمر بروكسل الأخير، الذي نظّمه الأردن والسويد، وحضرته عشرات الدول ومؤسسات دولية، بتقديم 38 مليون دولار، إلا أنّ العجز لا يزال يفوق 100 مليون دولار.
لم تتمكّن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من سدّ فجوة في ميزانيّتها لهذا العام والحصول على تمويل كامل طويل الأجل. لكنّ المسؤولين الأممين انتبهوا ونبّهوا من أنّ هذه الحرب “سياسية” ذات وجه مالي، وليست مشكلة تمويلية وحسب.
بعد اضمحلال التقديمات المالية، التي كانت توفّرها الفصائل الفلسطينية المختلفة، تحوّلت “الأونروا” من خلال خدماتها الإغاثية والتعليمية والصحّية إلى جزء مهمّ من منظومة الأمن الاجتماعي للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والشتات
فقد حذّر المفوّض العام للأونروا فيليب لازاريني في مؤتمر بروكسل من أنّ فجوات التمويل والهجمات السياسية الشرسة التي تتعرّض لها الأونروا، تشكّل تهديداً “له طبيعة وجودية للأونروا التي تقدّم رعاية اجتماعية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وإن لم نجد حلّاً حقيقيّاً فإنّ الوكالة ستكون على حافّة الانهيار”.
وحثّت الأونروا المجتمع الدولي على الالتزام بتمويل أكثر استقراراً، وشدّدت على أنها تحتاج مستقبلاً إلى 800 مليون دولار سنوياً على الأقلّ لمساعدة أكثر من خمسة ملايين فلسطيني مسجّلين لديها في مناطق عمليّاتها الخمس، وهي الضفة الغربية، وقطاع غزة، والأردن، وسوريا، ولبنان.
للتذكير، فإنّ أحدث أزمة واجهتها “الأونروا” كانت في تموز الماضي حين صدر تقرير عن مكتب الأخلاقيات في الوكالة يتّهم أعضاء في إدارتها العليا بإساءة استغلال سلطتهم. تقرير يخدم رؤية تل أبيب الساعية إلى إغلاق أبواب “الأونروا” باعتبارها الشاهد الدولي والسياسي على القضية الفلسطينية، وعلى قضية اللاجئين، الذين طردتهم العصابات الصهيونية من قراهم ومدنهم عاميْ 1948 و1949، وتضرب صدقيّة الرواية الإسرائيلية، وتؤثّر على الكيان الوجودي لإسرائيل.
وفي اليوم التالي لنشر التقرير، قرّرت هولندا تعليق مساهمتها المالية التي تقدّمها للوكالة، واتّخذت سويسرا خطوة مماثلة.
وبالتأكيد لا تخفي تل أبيب رغبتها في إلغاء الوكالة الأممية، حيث دعا قادة إسرائيل إلى “تفكيك الأونروا، ودمج أجزائها في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين”، للتخلّص من أيّ هيكل قانوني وسياسي يتحدّث عن حقّ العودة، فيما تسعى إسرائيل إلى الإبقاء على المساعدات للّاجئين الفلسطينيين، باعتبارها بعداً خدماتياً فقط. وهذا لا يخرج عن الإطار العام الذي رسمته تل أبيب، ولا عن تصوّرها لحلّ القضية الفلسطينية الذي يتضمّن البعد الخدماتي والتشغيلي والاقتصادي، من دون التطرّق إلى أيّ حلول سياسية مستدامة.
حذّر المفوّض العام للأونروا فيليب لازاريني في مؤتمر بروكسل من أنّ فجوات التمويل والهجمات السياسية الشرسة التي تتعرّض لها الأونروا، تشكّل تهديداً “له طبيعة وجودية للأونروا التي تقدّم رعاية اجتماعية لملايين اللاجئين الفلسطينيين..”
الحماية الاجتماعية والسياسية
من المعلوم أنّه بعد اضمحلال التقديمات المالية، التي كانت توفّرها الفصائل الفلسطينية المختلفة، تحوّلت “الأونروا” من خلال خدماتها الإغاثية والتعليمية والصحّية إلى جزء مهمّ من منظومة الأمن الاجتماعي للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والشتات.
لكن لم يكن التطوّر الأهمّ في المؤتمر يتعلّق فقط بالتمويل المالي وبما تعهّدت ثماني دول بتقديمه من تبرّعات تبلغ قيمتها 614 مليون دولار لميزانية أونروا في فترة تراوح بين سنتين وخمس سنوات، بل كان يرتبط أيضاً بتأكيد المؤتمر على الشقّ السياسي لقضية اللاجئين، وضرورة الحفاظ على الإطار السياسي والأممي الذي يحمي اللاجئين الفلسطينيين، أي منظمة الأونروا التي ذهبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعيداً في ضربها من أجل تفكيكها وتقويض عملها. وتحدّث مؤتمر بروكسل على أهميّة استمرار الأونروا عاملاً أساسيّاً في رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم. وقد شدّد وزير الخارجية الأردني على أنّه “يجب أن تستمرّ الوكالة في تقديم خدماتها إلى حين حلّ قضية اللاجئين وفق القانون الدولي، وفي سياق حلٍّ شاملٍ على أساس حلّ الدولتين”.
إقرأ أيضاً: مدير أونروا – لبنان: حرب غزّة قد تشتعل خلال أشهر
لقد أعاد مؤتمر بروكسل تأكيد الدور الحيويّ للأونروا في حياة أجيالٍ من اللاجئين الفلسطينيين، ودورها المحوري في تعزيز الاستقرار الإقليمي، وأنّ حقوق أكثر من 500 ألف طفل فلسطيني في التعليم، وحقوق اللاجئين في الخدمات الصحّيّة، هي حقوق غير قابلة للتصرّف. وجاء حديث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في هذا السياق، إذ قال إنّ الاستثمار في الأونروا هو استثمار في السلام والأمل، مؤكّداً أنّ دور الوكالة لا غنى عنه وعامل استقرار في المنطقة.