خلّفت الحرب الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة أكثر من 240 قتيلاً، من بينهم أكثر من 60 طفلاً، بالإضافة إلى 47 ألف مهجّر، وجد معظمهم ملاذاً في مدارس “الأونروا” في غزّة.
إلا أنّ الوكالة، التي أسّستها الأمم المتحدة في عام 1949، تعاني نقطة ضعف تأسيسية تتمثّل في التمويل الطوعي للدول. وعلى الرغم من إلغاء الرئيس جو بايدن قرار سلفه دونالد ترامب تجميد الولايات المتحدة الأميركية تمويلها للوكالة، إلا أنّ بلاده لم تسدّد حتى اليوم سوى مبلغ 150 مليون دولار من أصل 360 مليون دولار تقع على عاتقها طوعياً سنوياً، من ضمن موازنة عامّة يبلغ حجمها 1,5 مليار دولار تتحكّم بمصائر 5,7 ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في الشتات. أمّا تمويل الدول العربية فقد تراجع بشكل ملموس منذ عام 2018، وخصوصاً بعد اتفاقات أبراهام في العام الفائت، إذ قلّصت إحدى الدول الخليجية مساهمتها من 50 مليون دولار في عام 2018 إلى مليون هذا العام.
يرأس الإيطالي كلاوديو كوردوني فرع المنظمة الدولية في لبنان منذ عام 2017، وهو أحد 5 مديرين في سوريا والأردن وغزّة والضفة الغربية، بينما يتولّى رئاسة الأونروا في الأردن المفوّض العام السويسري فيليب لازاريني.
رسم كوردوني لـ”أساس” خطوط عمل الأونروا في الأراضي المحتلّة ولبنان. وهو ليس بغريب عن المنطقة، فقد ولد في مصر وعاش في لبنان 5 أعوام في بداية السبعينيات حتى اندلاع الحرب الأهلية، حيث درس في مدرسة إيطالية في فردان، ثمّ انتقل إلى إيطاليا، حيث تابع تحصيله الجامعي، ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية. بدأ حياته العملية في منظمات دولية، واستمرّ 26 عاماً، ثم انضمّ إلى الأمم المتحدة فعمل في البوسنة، فليبيا، ثمّ تسلّم مباشرة منصب مدير “الأونروا” في لبنان. ولذا لديه مزيج من الخبرة في مجاليْ حقوق الإنسان والإغاثة.
في حرب الـ11 يوماً، التي خاضتها غزّة وأجزاء واسعة من فلسطين المحتلة مع إسرائيل، لعبت “الأونروا” دوراً هائلاً في تخفيف معاناة الفلسطينيين. وإذ يرحّب كوردوني بقرار وقف إطلاق النار، يقول لـ”أساس”: “أقلّه لن يموت أحد بعد الآن بسبب هذا الصراع، إلا أنّه لتجنّب ما حصل نحتاج إلى حلّ عادل ومستدام للقضية الفلسطينية بأسرع وقت ممكن”. لا يشعر كوردوني بالطمأنينة حتى بعد وقف إطلاق النيران الذي يعتبره هشّاً، لذا يدعو إلى “أن يواجه المجتمع الدولي مسبّبات هذا الصراع الأخير، وهي تُختصر بخرق القانون الدولي والتعرّض لحقوق الإنسان”.
ويشير كوردوني إلى “أنّ هذه الحرب قابلة للاشتعال مجدّداً في غضون أشهر قليلة. وما شهدناه في غزّة والضفة الغربية وإسرائيل يدلّ على أنّه لا يمكن الاستمرار بسياسة التمييز العنصري وبانتهاكات حقوق الإنسان، والتوقّع في الوقت نفسه أن يبقى الوضع هادئاً. في مرحلة ما سيحدث انفجار جديد، وبالتأكيد نحن ضدّ أيّة هجومات على المدنيين، ولا نريد رؤية أطفال يموتون من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وعلى هذه الحرب أن تتوقّف نهائياً وليس مرحلياً”.
يرأس الإيطالي كلاوديو كوردوني فرع المنظمة الدولية في لبنان منذ عام 2017، وهو أحد 5 مديرين في سوريا والأردن وغزّة والضفة الغربية، بينما يتولّى رئاسة الأونروا في الأردن المفوّض العام السويسري فيليب لازاريني
ضمّت “الأونروا” صوتها إلى كيانات الأمم المتحدة أخيراً في دقّ ناقوس الخطر بشأن عائلات الشيخ جراح الثماني، التي يقارب مجموع أفرادها 75 شخصاً، والتي تقيم في الحي الذي يحمل هذا الاسم في القدس الشرقية، وكانت عرضة لخطر الإخلاء القسري الوشيك والترحيل القسري.
تتكوّن هذه العائلات من لاجئين فلسطينيين فقدوا منازلهم الأصلية وسبل كسب العيش نتيجة صراع عام 1948. بعد نزوحها، انتقلت هذه العائلات اللاجئة الى حي الشيخ جراح في عام 1956، بدعم من الحكومة الأردنية ومساعدة مادية من الأونروا، وأقامت في هذه المنازل لقرابة 70 عاماً.
إنّ الحالة في الشيخ جراح ليست بالحادثة المعزولة. فحسب المعلومات المتاحة للجمهور، التي نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ثمة ما يقارب ألف فلسطيني، نصفهم تقريباً من الأطفال، معرّضون لخطر الإخلاء القسري في جميع أنحاء القدس الشرقية. الى ذلك، يجري الإخلاء القسري للفلسطينيين في سياق بناء المستوطنات الإسرائيلية وتوسيعها بصورة غير قانونية تخالف القانون الإنساني الدولي.
تستند بعض هذه الإجراءات إلى ادّعاءات تعود إلى ما قبل عام 1948، في حين يحظر على اللاجئين الفلسطينيين بشكل تمييزي استعادة ممتلكاتهم ومنازلهم التي فقدوها في القدس الغربية في عام 1948. مع ذلك، يفرض القانون الدولي على سلطة الاحتلال احترام القوانين المعمول بها في بداية الاحتلال إلا في بعض الحالات القصوى التي تمنع ذلك.
تضع الأونروا نصب عينيها، في غزّة، في المدى المتوسط، كيفية توفير المساعدة للعائلات التي تأثّرت بفعل الحرب. لدى الأونروا قرابة 42 ألف مهجّر لجأوا إلى 50 من مدارس “الأونروا”، (عدد المدارس في قطاع غزة يتعدى مئتين)، وهؤلاء بحاجة ماسّة إلى المساعدة. وبطبيعة الحال، زادت هذه الحرب من حالات الإصابة بكورونا. إلى ذلك، لدى الأونروا، اليوم، استحقاق إعادة الإعمار، وإسعاف الجرحى ومن أصيبوا بصدمات نفسية، وخصوصاً بين الأطفال، ولهذا تقدّمت بطلب مبلغ 38 مليون دولار إضافية للاستجابة لهذا الوضع الطارئ.
يقول كوردوني: “إنّ ما نحتاج إليه في غزّة، إلى جانب المساعدات الإنسانية، هو بدء مسار حلّ سياسي للصراع، لكن هذا الحلّ لا يتعلّق بالأونروا، بل يقع على عاتقها تذكير المجتمع الدولي والأطراف وإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس، وحلفاء هؤلاء أيضاً، والولايات المتحدة الأميركية وسواها، بأنّه لا يترتّب عليهم فقط التفرّج على ما يحصل أو إدارة الصراع في أفضل الأحوال، بل عليهم محاولة حلّ هذا الصراع”.
تستند بعض هذه الإجراءات إلى ادّعاءات تعود إلى ما قبل عام 1948، في حين يحظر على اللاجئين الفلسطينيين بشكل تمييزي استعادة ممتلكاتهم ومنازلهم التي فقدوها في القدس الغربية في عام 1948
في لبنان الأونروا تبحث عن مُحاوِر تتحدث إليه
في لبنان، أنشأت الأونروا لوبي واسع النطاق، ولا سيّما مع الأحزاب والسلطات اللبنانية، وبالتعاون مع هيئة الحوار اللبنانية الفلسطينية، من أجل تخفيف قيود العمل عن الفلسطينيين. يقول كوردوني: “يكمن هدفنا الرئيس في “الأونروا” بلبنان في التأكّد من تمكين الفلسطينيين أن يعيشوا حياة كريمة في انتظار حلّ عادل لقضيّتهم، من خلال إزالة عدد من القيود التي تطاول حقّ العمل، فيتمكّن الفلسطينيون من العيش والعمل في هذا البلد، وتكون حقوقهم محترمة، وهذا عمل طويل الأمد”.
إقرأ أيضاً: هل يكون لبنان التالي بعد غزّة؟
وثيقة وحيدة تدعم هذا الهدف في لبنان وتحمل عنوان “الرؤية الموحّدة”، وافقت عليها مجمل الأحزاب اللبنانية في إطار عمل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، ونشرت عام 2017. وهي تشير إلى اتفاق هذه الأحزاب على عدد من النقاط المتعلّقة باللاجئين الفلسطينيين. وإحداها إزالة القيود عن حقّ العمل. لكنّ هذه الوثيقة لم تطبّق البتّة. “تسعى “الأونروا” إلى البناء على اتفاقات مماثلة، للتأكّد من أنّ الفلسطينيين يتمتّعون بحقوقهم كافة في لبنان من دون تقويض حقّهم بالعودة. فنحن لا نسعى إلى منح الفلسطينيين الجنسية أو توطينهم”، يقول كوردوني.