ميقاتي باقٍ وفرنجية فتح باب الاستقالة لقرداحي

مدة القراءة 6 د

مَن يعرف نجيب ميقاتي يعرف أنّ الرجل لن يستقيل. يدرك جيّداً الرئيس “الذي يتوكّل دائماً على الله” أنّ مهمّته صعبة، وأنّه يسير في حقل ألغام، لكن لم يكن أحد يدرك أنّ المشهد الداخلي سيتطوّر إلى ما يشبه حرباً أهليّة متشابكة مع حرب إقليمية وتصفية حسابات سياسية بعدما أصبحت الساحة اللبنانية ساحة مصغّرة بلاعبيها وظروفها للساحة الإقليمية وصراعها الخليجي، وتحديداً صراع المملكة العربية السعودية، مع حزب الله.

بدأ الانفجار الحكومي في ملفّ التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، وهو يبلغ مستوياته القصوى مع قرار عدد من الدول الخليجية، وعلى رأسهم السعودية، سحب سفرائها من لبنان على خلفيّة تصريح لوزير الإعلام جورج قرداحي عن حرب اليمن. فهل يؤدّي انفجار الأزمة مع المملكة إلى استقالة الحكومة؟

تشير المعلومات إلى أنّ قرداحي ذهب إلى حلفائه لكي يتشاور معهم ويعود بجواب إلى البطريرك. فهل يُسهّل حزب الله عليه المهمّة؟

الأبرز في المواقف الخليجيّة هو التحاق الكويت بمركب سحب سفيرها في بيروت والطلب إلى السفير اللبناني في الكويت المغادرة في خطوة هي الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين التي لم تشهد توتّراً منذ عشرات السنوات. وكان حكّام الكويت تاريخيّاً أوّل المتغيّبين عن الأزمات العربية مع لبنان، وأوّل الحاضرين في اللجان العربية لحلّ الأزمات الداخلية اللبنانية. حتى حين اكتشفت أجهزة الأمن الكويتية منذ 5 سنوات مخزناً فيه عشرة آلاف بذلة عسكرية كويتية وأسلحة ومتفجّرات استعداداً للانقلاب على الحكم، واُتُّهِم في هذا الأمر حزب الله، بقيت القيادة الكويتية على هدوء في تعاملها مع الحكومة اللبنانية، وتبادلت رسائل تهدئة غير معلنة مع الحزب.

ما الذي استجدّ على السياسة الخارجية الكويتية؟

لا جواب حتى الآن.

وفيما ينقل عارفو ميقاتي عنه تمسّكه بالحكومة، كان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد يقول إنّه “الآن استفاق مَن استفاق ليشنّ هجمة كلاميّة ودبلوماسية، ويتوعّد بالويل والثبور، ويفتعل أزمة حكومية لا تنتهي لا بإقالة ولا باستقالة وزير، وإنّما بتصدّع وضع الحكومة”، في رسالة واضحة من حزب الله، سبق أن تناقلها المقرّبون منه في الساعات الماضية، بأنّه يرفض استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي على خلفيّة كلامه الأخير عن حرب اليمن.

وللإحاطة بهذه الأزمة، كلّف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزير الخارجية عبدالله بو حبيب إنشاء خليّة أزمة اجتمعت السبت، بمشاركة وزراء ومستشار رئيس الجمهورية أنطوان شقير، والتحق بهم القائم بالأعمال الأميركي. وقد أكّدوا جميعاً ضرورة بقاء الحكومة وعدم استقالتها مقابل السعي إلى حلّ الأزمة مع المملكة أوّلاً، ومع الدول الخليجية ثانياً، للحدّ من الخسائر وعدم انسحاب الموقف السعودي على مواقف دول خليجية أخرى.

يدرك ميقاتي أنّ بيان حكومته المستنكِر لأيّ “تطاول على المملكة” لن يكون كافياً لـ”رأب الصدع”، ولكنّه يدرك أيضاً أنّ الأزمة المستجدّة لها أبعادها التي تتعدّى تصريح قرداحي لتصل إلى مأرب والصراع السعودي الإيراني في اليمن ودور حزب الله فيه.

في المعلومات أنّ لقاء الراعي وفرنجية كان مقرّراً مسبقاً ليوم الأربعاء، إلا أنّ تظاهرة القوات أرجأت الموعد إلى السبت. وفي اللقاء طلب الراعي من فرنجية استقالة قرداحي حرصاً على المصلحة الوطنية ولو اختلفت المقاربات لكلامه

بيد أنّ الأهمّ من هذه الخلية هو ما جاء على لسان رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، بعد لقائه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. فالرجل، الذي حرص على عدم استفزاز دول الخليج طوال سنوات مضت، ولو بموقف معارض لها، تمسّك بوزيره من جهة، قائلاً إنّه لم يخطئ، لكنّه فتح له باب الاستقالة من جهة أخرى بالقول إنّ القرار يعود له. وصف المراقبون كلمة فرنجية بالحالمة لمجموعة من الرسائل السياسية تجاه معراب أوّلاً، ورئاسة الجمهورية ثانياً، وحزب الله ثالثاً، ووزيره جورج قرداحي رابعاً.

وفي المعلومات أنّ لقاء الراعي وفرنجية كان مقرّراً مسبقاً ليوم الأربعاء، إلا أنّ تظاهرة القوات أرجأت الموعد إلى السبت. وفي اللقاء طلب الراعي من فرنجية استقالة قرداحي حرصاً على المصلحة الوطنية ولو اختلفت المقاربات لكلامه. فخرج فرنجية، وقال ما قاله، وطلب من قرداحي التوجّه إلى بكركي للقاء الراعي والاستماع إلى وجهة نظره ليُبنى على الشيء مقتضاه. وهكذا حدث. إذ توجّه قرداحي مساء السبت إلى بكركي حيث التقى البطريرك.

تزامناً، كانت الاتصالات المواكبة للأزمة قد بدأت منذ يوم الجمعة، فاتّصل ميقاتي بالراعي طالباً منه المساهمة في حلّ الأزمة والطلب من قرداحي الاستقالة، وإلا فستكون الحكومة أمام احتمال كبير بالسقوط. اتّصل الراعي برئيس الجمهورية، ثمّ عاد عون واتّصل بالراعي في حركة اتصالات مكّوكيّة لمواكبة الأزمة. أثمرت الاتصالات، وأثمر الضغط، على الرغم من موقف حزب الله الواضح والمعارض لاستقالة ميقاتي.

وإن كانت استقالة قرداحي الذي لم يقدم استقالته رغم طلب البطريرك منه ذلك حتمية كما يراها البعض. إلا ان المعلومات تؤكد تمسك الفرنسيين تحديدا بدعم من الاميركيين بالرئيس ميقاتي وسعيهم في الساعات الماضية الى ايجاد مخرج. فالاخير اي ميقاتي، سبق ان وصلته رسالة دولية تدعوه الى عدم الاستقالة تزامنا مع مسعى باريس لتخفيف حدة النزاع. في المقابل، يرى آخرون ان موقف مجلس التعاون الخليجي لن يؤدي الى مزيد من الخسائر للبنان لان الموقف ليس بجديد. 

وبالتالي إن استقالة قرداحي لن تنهي الأزمة. فتصريحه ليس سوى غطاء لأزمة قديمة أكبر تُمثِّل أساس الموقف السعودي ممّا تعتبره سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية، ولا سيما أنّ تطوّرات الساحة اللبنانية الأخيرة زادت من حدّة الموقف السعودي. وفي المعلومات أنّ استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع استفزّ السعودية التي اعتبرته إجراءً يؤكِّد نفوذ حزب الله في الدولة. هذا داخليّاً، أمّا إقليميّاً فإنّ موقف المملكة هو رسالة إلى حزب الله، ويرتبط بتطوّرات المعركة في مأرب ودور الحوثيّين. لذلك أشعل تصريح قرداحي النار من تحت الرماد ليتحوّل لبنان إلى واحد من الملفّات التي تنتظر نضوج التسوية على طاولة المفاوضات. هي أشهر صعبة يجب على اللبنانيّين التأقلم معها لأشهر لا يُعرف عددها حتى الآن، بانتظار” ليالي الأنس” في فيينا.

إقرأ أيضاً: البيطار وقرداحي يفجّران حكومة ميقاتي

[ ] بالانتظار، قال فرنجية من الصرح البطريركي ما معناه أنّه لن يقدّم الاستقالة مجّاناً، وعلى أحد أن يقبض ثمنها في السياسة. ولذلك لا يمكن لقرداحي أن يقدّمها على طبق من ذهب إلى بعبدا التي ستسارع إلى بيعها في حساباتها ولمصلحة فريق رئيس الجمهورية. صحيح أنّ الاستقالة حتميّة، لكنّ عملية بيعها وشرائها لم تنضج بعد. في زحمة المواقف المتصاعدة خليجيّاً، ضوء أخضر عريض يحكم الاتّصالات بين الإمارات وسوريا. فهل تجري الصفقة على ذلك الخطّ؟

تشير المعلومات إلى أنّ قرداحي ذهب إلى حلفائه لكي يتشاور معهم ويعود بجواب إلى البطريرك. فهل يُسهّل حزب الله عليه المهمّة؟

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…