بسرعة قياسيّة زُنِّرت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بألغام مانعة لالتئامها في المدى القريب، فيما تحوّلت تصريحات الوزير جورج قرداحي إلى الصاعق الأخطر الذي قد يهدّد قدرتها على الاجتماع حول طاولة واحدة، وربّما تطييرها بضربة خليجيّة.
وفي هذا الإطار، تجزم مصادر مطّلعة لـ”أساس” أنّ “ردّة فعل السعودية والإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي غير المسبوقة في تاريخ العلاقات اللبنانية-الخليجية تستهدف رئيس الحكومة نفسه أكثر بكثير من الفريق السياسي الداعم لوزير الإعلام، وبات من الصعب على ميقاتي التغاضي عن هذه الأزمة الدبلوماسية”.
وكانت المواقف التصعيديّة من قبل السعودية بطلب مغادرة السفير اللبناني المملكة واستدعاء السفير السعودي في بيروت للتشاور، مع توقّع سحب جميع دول مجلس التعاون الخليجي سفراءها من لبنان، قد شكّلت إنذاراً خطيراً بات يضع لبنان في عين عاصفة العزلة العربية والحصار الكامل.
يشير مطّلعون إلى دخول الدعاوى بحقّ البيطار مفترقاً حاسماً بعد وصول الدعاوى إلى الهيئة العليا لمحكمة التمييز التي يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود
فهل تكون تنحية المحقّق العدليّ طارق البيطار الذي بات في سجلّه 11 دعوى و3 إخبارات، في سابقة لا مثيل لها في تاريخ القضاء، وإقالة الوزير قرداحي، الممرّ الإلزامي والمُتلازم لاستئناف جلسات الحكومة؟
عمليّاً الجامع المشترك الأساسيّ بين “المَطلبيْن” هو تشدّد الفريق الشيعيّ، وتحديداً حزب الله. ولم يظهر جديد في شأن كفّ يد البيطار عن ملفّ تحقيقات المرفأ أو تسليمه بأنّه ليس صاحب الاختصاص في ملاحقة رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء السابقين، أو في شأن تشدّد حزب الله في رفض أيّ احتمال لإقالة قرداحي من منصبه.
وفي الحالتين، لم تقُد المساعي السياسية إلى أيّ مخرج. وقد أتى النزاع حول “عدّاد” النصاب في جلسة تثبيت التعديلات على قانون الانتخاب بعد ردّه من رئيس الجمهورية ليصبّ الزيت على نار الخلاف بين فريق عون وجبران باسيل بوجه كلّ القوى السياسية.
هذه الرواية العونية
تقول أوساط التيار الوطني الحر إنّ “الطعن في القانون حتميّ، ونحن بحكم المتيقّنين من قبوله إذا توافر شرطان: عدم حصول مقاطعة من قبل الأعضاء المحسوبين على الفريق الخصم في الطعن، وهناك تجارب في هذا السياق، والتصويت لمصلحة الطعن في ظلّ مخالفة دستورية فاضحة لجهة النصاب تشهد لها معظم المرجعيّات في القانون والدستور”.
وتضيف الأوساط: “أظهرت هذه المخالفة الرئيس بري منقلباً على نفسه، إذ أخذ في جلسة إقرار التعديلات يوم الخميس بالاجتهاد في جلستيْ انتخاب بشير الجميّل ورينيه معوّض القائم على نصاب العدد الفعليّ للنواب (المقاعد المملوءة)، فيما اعتمد في جلسة انتخاب ميشال عون نصّ الدستور لجهة نصاب العدد القانونيّ للنواب أي 65، ويومذاك كان عدد النواب الفعليّ 127 بسبب استقالة النائب روبير فاضل”.
يُذكر أنّ رئيس المجلس الدستوريّ القاضي طنّوس مشلب محسوب على رئيس الجمهورية، لكنّ مصادر قضائية تشهد على مناقبيّته وشفافيّته وابتعاده عن زواريب السياسية.
وقد أثار وقوف حزب الله على الحياد في النزاع الدستوري الذي نشب حول نصاب التصويت بحجّة “الحاجة إلى درس الأمر دستوريّاً لإبداء الرأي”، استياء الفريق العوني الذي اكتمل بتبنّي الحزب لخيار تقريب موعد الانتخابات النياببة إلى 27 آذار.
ويَحدث هذا التخبّط في ظلّ إقرار رئاسي من جهة بعبدا بأنّ السقوف العالية من تحقيقات المرفأ، وأحداث الطيّونة، وصولاً إلى “أزمة قرداحي”، وجامعها المشترك أيضاً الفريق الشيعيّ، تؤدّي إلى رفع المتاريس أمام الحكومة قاطعةً الطريق أمام استفادة رئيس الجمهورية من المدّة المتبقّية من عهده لتعويض ما يمكن تعويضه من مرحلة تعتبر مصادر بعبدا أنّ “الرئيس ميشال عون استُنفِد خلالها في ردّ المعارك التي شُنّت ضدّه من قبل رموز المنظومة بدلاً من البدء بالتأسيس لمرحلة “التنظيف” من موبقات حكم العهود السابقة”.
وتطرح أوساط بعبدا تساؤلات “عن سبب عدم أخذ مجلس النواب المبادرة الجدّيّة، وليس فقط الكلاميّة، في فصل مسار التحقيق مع رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء السابقين، وهو حلّ دستوريّ يوافق عليه رئيس الجمهورية، ولا يرتبط بأيّ مقايضة، وكان يُفترض أن يُعمل عليه حتّى قبل المسعى البطريركيّ، فيما فضّل فريق حركة أمل وحزب الله محاربة القاضي.
تجزم مصادر مطّلعة لـ”أساس” أنّ “ردّة فعل السعودية والإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي، التي لم تكن بالحدّة نفسها إبّان أزمة وزير الخارجية السابق شربل وهبة، تتوجّه إلى رئيس الحكومة نفسه أكثر بكثير من الفريق السياسي الداعم لوزير الإعلام”
حظوظ التسوية؟
أما في الوقائع، فقد فُرمِلت مؤقّتاً تداعيات المشهد القضائي – السياسي الصاخب على خطّين:
1- سحب فتيل استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أمام فرع التحقيق في الجيش ليصبح الملفّ بكامله اليوم أمام قاضي التحقيق الأوّل العسكري القاضي فادي صوّان. وتقول مصادر قضائية في هذا الصدد إنّ “صلاحيات صوّان تسمح له أن يأخذ بمطلب مفوّض الحكومة القاضي فادي عقيقي بالاستماع إلى جعجع، وفي هذه الحال يمكن أن ينتقل بنفسه إلى معراب، أو أن يتجاهل المطلب”.
وتُلفت المصادر في هذا السياق إلى أنّ “دعوى طلب ردّ القاضي عقيقي أمام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت من قبل موقوفي عين الرمّانة في أحداث الطيّونة لم تُقبَل شكلاً كما تردّد، بل هي في مرحلة تبليغ القاضي المعنيّ من أجل إبداء ملاحظاته”. وباختصار ثمّة من يجزم أنّ المسعى البطريركيّ لم يقُد حتى الآن إلا إلى إبعاد جعجع عن دائرة الاستجواب حتى كشاهد، مع التقدير أنّ تسلّم القاضي صوّان الملفّ سيعزّز أكثر هذا التوجّه.
2- تقديم النائب نهاد المشنوق دعوى “مخاصمة الدولة” أمام الهيئة العامّة لمحكمة التمييز الجزائية، الأمر الذي أدّى فور تبلّغ البيطار يوم الخميس إلى كفّ يده في قضية المشنوق حصراً إلى حين بتّ الدعوى.
3- وقدّم النائب غازي زعيتر دعوى ردّ القاضي البيطار أمام محكمة الاستئناف المدنية برئاسة القاضي نسيب إيليا، الذي طلب نسخاً إضافية من طلب الردّ لإبلاغ الأفرقاء المعنيّين بالدعوى، وطلب مناقشة المادة 303 من أصول المحاكمات المدنية حول حجّيّة القضية، وذلك بعدما كان ردّ دعوى مماثلة في 4 تشرين الأوّل. وهي دعوى كفيلة بتجميد التحقيق برمّته في حال تبلّغ البيطار بها.
وقد حدّد البيطار جلسة لزعيتر في 9 تشرين الثاني بعد قبول الدفوع الشكليّة المقدّمة من قبل وكيله القانوني. وتقدّم زعيتر أيضاً بطلب تعيين مرجع لردّ المحقّق العدلي أمام الهيئة العليا لمحكمة التمييز الجزائية.
إقرأ أيضاً: جورج قرداحي: واجهة أنيقة لمشروع أسود
ويشير مطّلعون إلى دخول الدعاوى بحقّ البيطار مفترقاً حاسماً بعد وصول الدعاوى إلى الهيئة العليا لمحكمة التمييز التي يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود.
ويقول مطّلعون إنّ “قرارات الهيئة العليا لمحكمة التمييز، سواء في ما يتعلّق بدعاوى المخاصمة أو طلب تحديد المرجع لردّ القاضي البيطار، ستكون أساسيّة ومفصليّة بعدما أُثير الكثير من التساؤلات عن وجود نوع من التواطؤ بين رئيس وبعض أعضاء محكمة التمييز وبين القاضي البيطار، وفّر للأخير الحماية”.