شهدت نهاية الأسبوع الماضي أزمة دبلوماسيّة بين أنقرة والدول الغربيّة، وصلت إلى حدّ تهديد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بطرد 10 سفراء غربيين دعوا للإفراج عن رجل الأعمال التركي عثمان كافالا الذي يقبع في سجن سيليفري بإسطنبول منذ عام 2017، بعد اتّهامه بالانخراط في محاولة الانقلاب الفاشل الذي وقعَ في 15 تموز 2016.
لكنّ إردوغان تراجع عن تكليفه وزارة الخارجية التركية بإعلام السفراء بأنّهم “غير مرغوب فيهم”، إثر تأكيد البعثات الدبلوماسية عزمها على احترام قوانين وأنظمة الدولة المضيفة، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لتركيا. وقال إردوغان في كلمة ألقاها بعد رئاسته اجتماعاً لمجلس الوزراء وبثّها التلفزيون: “لم يكن هدفنا خلق أزمات”، مضيفاً أنّ ما حدث كان “لحماية حقوق وقوانين وكرامة وسيادة تركيا”. ورأى أنّ “السفراء سيكونون أكثر حذراً في بياناتهم في ما يتعلّق بحقوق تركيا السياديّة”.
رأى المسؤول عن مكتب “واشنطن بوست” في إسطنبول كريم فهيم أنّ “أزمة كافالا كشفت عن قلق إردوغان من تراجع شعبيّته ورغبته في صرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية التي يصعب حلّها”
اعتبرت مسوؤلة مكتب صحيفة “نيويورك تايمز” في تركيا كارلوتا غول أنّ تراجع إردوغان عن قراره كان “من أجل تجنّب عاصفة دبلوماسية حذّر محلّلون ودبلوماسيون من أنّها ستؤدّي إلى انزلاق تركيا في كارثة اقتصادية وقطيعة دائمة مع حلف شمال الأطلسي”. ولفتت الكاتبة إلى أنّ السفارات أقدمت على خطوةٍ محسوبة جيّداً رحّب بها إردوغان، حيثُ أكّدت الالتزام بـ”اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية”. وهكذا نجت تركيا من شرخ كبير مع حلفاء غربيين يخشون أن تؤثّر الاضطرابات على الوضع الاقتصادي مجدّداً، وأن تهدّد الاستقرار السياسي في بلد يضمّ 80 مليون نسمة، ويعاني من تضخّم بنسبة 20%، إضافةً إلى خسارة الليرة التركية ربع قيمتها هذا العام، مع تسجيلها 9.75 مقابل الدولار الواحد، وفقاً لِما كتبته غول.
وأوضحت الكاتبة أنّ مبعوثي الدول الغربيّة كانوا قد حثّوا الحكومة التركية على الالتزام بحكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وإطلاق سراح كافالا، في الذكرى الرابعة لاعتقاله. ولمّحوا إلى وجود مخالفات في قضيّته “تُلقي بظلالها على احترام الديموقراطية وسيادة القانون والشفافيّة في نظام القضاء التركي”. وقد ذُيّل هذا البيان بتوقيع سفراء ألمانيا وفرنسا وفنلندا والدنمارك وهولندا والنرويج والسويد وكندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة.
وأشارت غول إلى أنّ الإدارة الأميركية تشكّل القوة الدافعة وراء هذا البيان، تماشياً مع وصف مساعدي الرئيس جو بايدن سياسته بأنّها “تتمثّل في مناشدة الدول بشكلٍ علنيٍّ في ما يتعلّق بانتهاكات حقوق الإنسان”.
لكنّ إردوغان ردّ بطريقة مناسبة، وقرأ البيان على أنّه تدخّل في الشؤون الداخلية لتركيا، ودليل على أنّ المسؤولين الغربيين لم يُدركوا قيمة تركيا ومكانتها. وهذا ما نبّه إليه أيضاً الكاتب عبد القادر سلفي، المعروف بعلاقاته الوثيقة بإردوغان، فدعا إلى “توخّي الحذر”، ضمن مقال نشرته صحيفة “حرييت” التركية. وبالفعل مع دخول إردوغان اجتماع مجلس الوزراء، كان السفراء قد أصدروا بيانات جديدة رحّب بها الرئيس التركي.
رأى المحلّل في معهد واشنطن للأبحاث سونر كاجابتاي أنّ “بايدن لم يكن متحمّساً للتعامل مع إردوغان”
من جهته، علّق مدير “برنامج الأبحاث التركية” في “معهد واشنطن”، سونر كاجابتاي، معتبراً أنّ “قبول إردوغان بالقرار الدبلوماسي يعدّ نادراً، لكنّ الرئيس يُدرك الخطر على الاقتصاد، ولا سيّما أنّ بعض الدول التي اندلع فتيل الأزمة معها هي من أكبر شركاء تركيا التجاريين، ولهذا مارس إردوغان هذا الضغط، ونجحت خطّته مع صدور ردود منسّقة من السفارات الغربيّة في بلاده”.
وبينما استبعدت الكاتبة غول الإفراج عن كافالا بعد الخلاف الدبلوماسي، أكّدت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أصلي أيدينتاسباس أنّ “انتهاء هذه الأزمة لا يعني أنّ قضية عثمان كافالا قد انتهت، بل ستتواصل باعتبارها مشكلة في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.”
في السياق نفسه، رأى المسؤول عن مكتب “واشنطن بوست” في إسطنبول كريم فهيم في مقال أنّ “أزمة كافالا كشفت عن قلق إردوغان من تراجع شعبيّته ورغبته في صرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية التي يصعب حلّها”.
أمّا الكاتب توماس غروف في صحيفة “وول ستريت جورنال“، فاعتبر أنّه “لو جرى تنفيذ خطوة طرد الدبلوماسيّين، لتدهورت العلاقات بين تركيا والغرب”، موضحاً أنّ “العلاقات ساءت خلال السنوات الأخيرة في أعقاب تقارب إردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين وشراء تركيا نظاماً مضادّاً للطائرات من موسكو”.
وأوضح الكاتب أنّ “العلاقات بين أنقرة وواشنطن لم تشهد تحسّناً في ظلّ إدارة بايدن، إضافةً إلى أنّ إردوغان غضب لأنّ الرئيس بايدن لم يلتقِ به على هامش اجتماعات الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة. فقام بعدها بلقاء بوتين على ساحل البحر الأسود الروسي”، مضيفاً: “الرئيس التركي قلق أيضاً من دعم أميركا للقوات الكردية التي لا تزال تسيطر على قسم كبير من شمال شرق سوريا، وبعض هذه القوات متّهم بعلاقات مع حزب العمّال الكردستاني”.
إقرأ أيضاً: تركيا: عثمان كفالا.. لماذا كلّ هذا الضجيج؟
أمّا صحيفة “فايننشال تايمز” فذكّرت بأنّه “من المقرّر أن يلتقي إردوغان وبايدن على هامش القمّة الرسمية لزعماء مجموعة العشرين التي ستُعقَد يومي 30 و31 تشرين الأول في روما”.
على خطٍّ موازٍ، رأى المحلّل في معهد واشنطن للأبحاث سونر كاجابتاي أنّ “بايدن لم يكن متحمّساً للتعامل مع إردوغان”.
في الخلاصة، خرج إردوغان رابحاً في الداخل والخارج، من معركة لعلّ “الدول الـ10” لم تدرك أبعادها ولم تحسب نتائجها.