شرّعت جلسة الأونيسكو رسميّاً الأبواب على عصف الانتخابات النيابية بعد تثبيت موعدها في 27 آذار المقبل، وبات كل تفصيل سياسي مرتبطاً بحسابات تقريشه في صناديق الاقتراع.
يبدأ الأمر بأداء حكومة نجيب ميقاتي الذي يستعدّ لخوض الاستحقاق النيابي “المحظور” على كل أعضاء حكومته، وصولاً إلى السقوف العالية وتموضعات القوى السياسية وبازار البيع والشراء في ملفات حياتية ومصيرية تطول عموم اللبنانيين.
قانونيّاً، لا شيء يمنع جميع المدّعى عليهم من خوض الانتخابات، وخصوصاً مَن طالته مذكّرات التوقيف الغيابية، طالما لم يجرِ تعميمها على الأجهزة المعنيّة. والسبب الأهمّ أنّ التحقيق بات مشوباً بعيوب كثيرة
لكنّ غير المألوف في تاريخ الانتخابات أن يكون ثلاثة من النواب والمرشّحين “الطبيعيين” لخوض الاستحقاق النيابي اليوم مدّعى عليهم في قضية انفجار المرفأ، ومن بينهم مَن صدرت بحقّه مذكّرة توقيف غيابية، إضافةً إلى رئيس جهاز أمنيّ هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي تتقاطع المعطيات عند توجّهه إلى إعلان ترشّحه للانتخابات.
وإبراهيم هو من الذين شملتهم ادّعاءات المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، لكنّ وزارة الداخلية لم تمنح الإذن بملاحقته، فيما النواب الثلاثة علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق يخوضون مواجهة كبيرة مع المحقّق العدلي رَسَت حتى الآن على طرح ملفّ تجاوزاته للقوانين وأدائه الاستنسابي داخل مجلس الوزراء وصولاً إلى طاولة مجلس القضاء الأعلى، وما بينهما دعاوى بالجملة على القاضي البيطار أقفلت محاكم الاستئناف والتمييز أبوابها بوجهها بعد رفضها بالشكل.
لا مانع قانونيّاً لترشّح المدّعى عليهم
قانونيّاً، لا شيء يمنع جميع المدّعى عليهم من خوض الانتخابات، وخصوصاً مَن طالته مذكّرات التوقيف الغيابية، طالما لم يجرِ تعميمها على الأجهزة المعنيّة. والسبب الأهمّ أنّ التحقيق بات مشوباً بعيوب كثيرة، أخطرها “توظيفه” في الانتخابات المقبلة واستثماره ضمن حسابات تتخطّى الداخل اللبناني. وقد تسقط الادّعاءات نفسها والملاحقات بتصويب التحقيق نحو مساره القانوني والدستوري الصرف بعيداً عن التسييس.
ويجزم مطّلعون أنّ “التحقيق بمساره الشاذّ الحالي لن يُكمل، فيما الحذر من أن يُصدر البيطار قراره الاتّهاميّ، واضعاً الكرة في مرمى المجلس العدلي على قاعدة أنّه قام بواجباته حيال مَن ادّعى عليهم”.
وأبعد من لائحة المدّعى عليهم، يمكن قاضي التحقيق في أيّ لحظة أن يستمع إلى إفادة رئيس الجمهورية، وليس رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، المرشّح للانتخابات والموجود خارج لبنان حاليّاً، وقبله الرئيس تمام سلام والرئيس السابق ميشال سليمان، بعيداً عن دائرة الاستجواب إذا ما قرّر البيطار الأخذ بالمسار الطبيعي والبديهي في الاستدعاءات بحكم المسؤوليات والمسار الزمني للقضية.
طلب لتنحية البيطار
وقد دخل على خط التحقيق تطوّران أساسيّان أمس: الأول تقديم المشنوق دعوى أمام محكمة التمييز لنقل التحقيق العدلي إلى قاضِ آخر للارتياب المشروع بعمل القاضي طارق البيطار. والثاني تقديم قسم من عوائل شهداء المرفأ طلب تنحية البيطار الذي أحيل إلى مجلس القضاء الأعلى عبر وزير العدل. وكرّست هذه الخطوة التشرذم في صفوف “الأهالي”، وهو ما يعزّز أكثر فأكثر المسار المرتبك للتحقيق.
يجزم مطّلعون أنّ “التحقيق بمساره الشاذّ الحالي لن يُكمل، فيما الحذر من أن يُصدر البيطار قراره الاتّهاميّ، واضعاً الكرة في مرمى المجلس العدلي على قاعدة أنّه قام بواجباته حيال مَن ادّعى عليهم”
فصل مسار؟
وكان البارز في اليومين الماضييْن فَصل مسار قضية البيطار عن مصير الحكومة، لكن من دون بروز أيّ مؤشّر حتى الآن إلى استئناف جلسات مجلس الوزراء .
وفي هذا السياق، رُصِدت مواقف لوزير الثقافة محمد مرتضى، المحسوب على الرئيس نبيه بري، والذي أثارت مطالعته الدفاعية في مجلس الوزراء ضجّة كبيرة، بعدما أكّد “عدم صلاحيّة مجلس الوزراء في تنحية القاضي البيطار”، ملقياً بكامل المسؤولية على وزير العدل “الذي يجب أن يتصرّف”، وموضحاً أنّ “في اللحظة التي سيدعو فيها الرئيس ميقاتي إلى جلسة سنحضر”، قاصداً الثنائي الشيعي.
نصرالله و”الديكتاتور“
من جهته، لم يحافظ الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله في خطابه الأخير على وتيرة التصعيد نفسها حيال ارتكابات البيطار، على الرغم من وصفه بـ”الديكتاتور”.
مع ذلك، زنّر نصرالله ملف تحقيقات المرفأ بجملة ثوابت، منها عدم “انكفاء” حزب الله عن الملف مع انتقاد ضمني لصمت فريق رئيس الجمهورية من دون أن يسمّيه، معلناً أنّ “هناك جهات توافقنا على كل ملاحظاتنا، فلماذا الصمت؟”.
وفيما كان لافتاً تأكيد نصرالله أنّ “أكثر من جهة طمأنتنا أن ليس في القرار الظنّي ما يدين حزب الله”، قال: “موقفنا ليس نابعاً من أنّ هناك من يركّب فيلماً لحزب الله، بل من أنّ هناك مساراً لن يؤدّي إلى الحقيقة والعدالة”.
ومع تجنّبه طلب تنحية البيطار بشكل مباشر، أكّد في معرض كشفه لتسييس التحقيق وجود “مسؤولية في جريمة المرفأ للقضاة الذين أذنوا بإنزال النيترات وتخزينها، وهؤلاء لم يَقترب منهم أحد، ولا أحد يعرف أسماءهم ولا صورهم، ولا اقترب المتظاهرون من بيوتهم”.
كأنّ مجزرةً لم تحصل!
هكذا خُفِّضت تدريجاً في المشهد العام السقوف العالية حيال “البيطار .”gate حتى مجلس النواب، وبقرار من رئيسه، وبالتنسيق مع حزب الله وميقاتي، لم يقرب الموضوع إطلاقاً.
لكنّ البيطار أكمل وكأنّ مجزرة لم تحصل ولا فتنة طلّت برأسها من الطيونة، وذلك عبر تحديد موعدٍ لاستجواب المشنوق وزعيتر في 29 الجاري ضمن دورة الانعقاد العادي للبرلمان، بعدما أطاح بواقع وضع مجلس النواب يده على الملف.
يقول القريبون من البيطار إنّه استند في هذا الإجراء “إلى تبلّغه برفض طلب ردّه من الغرفة الأولى في محكمة التمييز الجزائية، وهو ما أبطل مفعول كفّ يده عن الملف، وإلى المادة 97 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تجيز استمرار الملاحقة بحقّ نائب إذا بدأت خارج دورة الانعقاد العادي، ولأنّه صاحب الصلاحيّة أساساً في الملاحقة”.
حتى الآن لا ردّة فعل ظاهرة من الثنائي الشيعي الذي بات في صورة أنّ عدم مثول زعيتر سيؤدّي إلى إصدار البيطار مذكّرة توقيف بحقّه.
وقد رَبَطت قناة “إن بي إن”، في اليوم نفسه الذي حدّد البيطار جلسات الاستجواب، بشكل محكم بين “وقوع المجزرة البشعة في الطيونة والتحقيق المسيّس في انفجار مرفأ بيروت”.
وفق معلومات “أساس” لا يزال الخلاف قائماً بين أعضاء المجلس حول صوابيّة الجلوس مع المحقّق العدلي وجدوى اجتماع كهذا، ولذلك لا توافق حتّى الآن على انعقاده
البيطار ومجلس القضاء الأعلى
ويُعوَّل على اجتماع البيطار مع أعضاء مجلس القضاء الأعلى المتوقّع انعقاده اليوم لرصد المسار الذي ستنتهي إليه “الملاحقة” بحقّ البيطار بعد جملة التجاوزات التي ارتكبها.
لكن وفق معلومات “أساس” لا يزال الخلاف قائماً بين أعضاء المجلس حول صوابيّة الجلوس مع المحقّق العدلي وجدوى اجتماع كهذا، ولذلك لا توافق حتّى الآن على انعقاده. ويُسجّل هنا ميل القاضي عبود إلى استدعاء البيطار لعدم تسجيل سابقة في اعتبار المحقّق العدلي فوق كل السلطات القضائية، خصوصاً أمام قضية باتت قضية رأي عامّ بامتياز، وتحتمل ملابساتها وتداعياتها بعد أحداث الطيونة الاستفسار من القاضي المعنيّ عن بعض الإشكاليّات في عمله.
وتضيف المعلومات أنّ آراء رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود تتطابق مع آراء البيطار في عدم صلاحيّة المجلس بسحب الملف منه أو توجيه التحقيق إلا لجهة تمنّي عبود تسريع التحقيقات وعدم إيقاع الظلم بأحد. ولذا لن يرشح عن الاجتماع، إذا حصل، ما يمكن أن يؤدّي إلى نقطة تحوّل في الملف.
ويرفض القاضي عبود، وفق العارفين، تسجيل أيّ مأخذ عليه بالتدخّل، مع علمه بوجود وجهات نظر متضاربة حيال هذا الأمر داخل المجلس. وتأخذ جهات عدّة على “الريّس عبود” إحالة طلبات ردّ القاضي البيطار إلى رؤساء غرف مسيحيين في محكمة التمييز، وهو ما وضع هؤلاء القضاة أمام ضغط كبير، فضلاً عن ارتكابهم أخطاء في إصدار قراراتهم من دون القيام بالتبليغات المطلوبة.
إقرأ أيضاً: أوروبا تدين البيطار… وميقاتي يفكّر بالاستقالة
ويرى عبود، وفق العارفين، أنّ تنحّي البيطار عن الملف يتمّ إمّا بقرار شخصي منه أو بقبول طلبات ردّه أو طلبات الارتياب أو تقديم دعوى مداعاة الدولة عن أخطاء القاضي، أو بعد إصداره القرار الاتّهامي فتنتهي مهمّته.
وثمّة مَن ينقل عن عبود قوله: “أنا لا أعرف ماذا يحتوي ملف التحقيقات، ولا إذا أنهى ادّعاءاته، ولا أسمح لنفسي بالتدخّل، وقد وضعت حاجزاً بيني وبينه من اليوم الأول. وهناك طرق قانونية معروفة للتظلّم من أداء قاضٍ ما. أنا أقف على الحياد لأنّي مصرّ على حريّة القاضي”، مع تسليمه بأن “ليس من قاضٍ معصوم عن الخطأ، فكيف إذا كان يتولّى ملفّاً بهذا الحجم، وكانت عليه ضغوطات هائلة. لكنّي أثق أنّه حرّ وغير مرتهن”.