تعدّ خطّة تطوير البنية التحتيّة، البالغة قيمتها 1.2 تريليون دولار، من أهمّ الوعود الاقتصاديّة التي وضعها وتعهّد بإقرارها الرئيس الأميركي جو بايدن، لكنّ رياح الديموقراطيين لا تجري بما يريده بايدن، إذ ازدادت العقبات أمام تنفيذه الخطّة، إضافةً إلى تعقيدات الجمهوريين التي يعمل على تجاوز حواجزها.
وكان مجلس الشيوخ قد وافق على مشروع القانون الأول المتعلّق بالبنية التحتية في آب، ووعدت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بتقديمه للتصويت في المجلس. وتوجد ثلاثة مشاريع قوانين حاسمة بالنسبة إلى بايدن هي: خطة البنية التحتية بقيمة 1.2 تريليون دولار، وخطة الإصلاحات الاجتماعية بقيمة 3.5 تريليونات دولار، وقانون تمويل لتجنّب “الإغلاق” وشلّ الخدمات الفدرالية.
أمام التطوّرات المفاجئة في الولايات المتحدة الأميركية، علّق الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس، في مقالٍ أعدّه أثناء وجوده في مدينة البندقيّة: “خلال سفري في الأيام الماضية، سمعت مراقبين سياسيين أجانب يطرحون السؤال ذاته، وهو “ما الذي يحدث للسياسة في الولايات المتحدة؟”، ويحدّدون طرحهم أكثر بالقول: “فيما يسيطر الديموقراطيون على مجلسيْ النواب والشيوخ، أفلا يجدر ببايدن أن يكون أقوى؟”.
وأضاف الكاتب أنّ بإمكانه “شرح بعض الفروق الدقيقة لهؤلاء المتسائلين، مثل التطرّق إلى الأغلبية الديموقراطية الضيّقة، وعرقلة الجمهوريين، والسياسات الداخلية المتصدّعة للحزب الديموقراطي”، لكن بدلاً من الخوض في التفاصيل، يُثار تساؤل مهمّ: “على الرغم من فوز بايدن فهو لا يزال أسير مَن هزمهم في الانتخابات، ناهيك عن أعضاء حزبه، فما السبب؟”.
يبدو بايدن في حالة انكماش الآن، بعد فترة بدا فيها أنّه يكتسب مكانة وقوّة، وتحديداً خلال شهر حزيران، وبعد قيامه بجولة أوروبية ناجحة. حينذاك بدت عبارة “عودة أميركا” أكثر من مجرّد شعار، يقول إغناتيوس. أمّا على الصعيد المحلّي، فقد طوّر بايدن سياسته، وساهم في إعداد مشروع قانون للبنية التحتية لينفّذ الوعد الذي حاز الكثير من الأصوات في صناديق الاقتراع بسببه. وبدا في تلك الفترة الوجيزة أنّه “لا يزال من الممكن حكم الولايات المتحدة عبر سياسات توحِّد جناحَيْ اليسار واليمين”.
لكنّ المدّة لم تطُل طويلاً، وبدأت العثرات. ومع أنّ الرئيس الأميركي قال إنّ قيمة مشروع البنية التحتية لن تكون رهينة خطّة الإنفاق الاجتماعي، إلا أنّ هذا ما حدث، إذ عادت التوتّرات، التي كُبِحت خلال الصيف داخل الحزب، إلى الواجهة في الخريف، وتلاشى وعد بيلوسي بطرح مشروع القانون للتصويت في مجلس النواب في أيلول، بحسب إغناتيوس الذي أضاف أنّ السيناتور التقدّمي المستقلّ بيرني ساندرز والبرلمانية براميلا جايابال، وهي النائبة عن الحزب الديموقراطي في واشنطن، برزا وكأنّهما يتمتّعان بنفوذ أكثر من بايدن وبيلوسي.
ورأى إغناتيوس أنّ الزخم والنشاط أساسيّان في عالم السياسة، وكان يجدر ببايدن أن يُدرك ذلك، لكنّه “وقع في المأزق السياسي الأميركي، وظهر وكأنّه أسير لحزبه، عدا عمّا يواجهه من قبل الجمهوريين”. وهنا لم يستغرب الكاتب أنّ الأرقام التي تكشفها استطلاعات الرأي المتعلّقة ببايدن في حالة سقوط حرّ منذ الصيف.
من جهتها، علّقت رئيسة لجنة الميزانية الفيدرالية مايا ماكغينيس متوقّعةً أنّ “الأمر كان سينجح لو تمّ تمرير مشروع البنية التحتيّة، قبل الانتقال إلى مشروع بثلاثة مليارات دولار، أي مشروع الإصلاحات الاجتماعيّة، بتفاصيل ضئيلة، والسقوط بهذا المستنقع”.
في هذا السياق، أوضح إغناتيوس أنّ “بايدن اُنتُخب وسطيّاً، لكن تمّ جرّه إلى اليسار بعد تنصيبه بفعل القوّة والجاذبية والجانب التشريعي للتقدّميين. ويلقي البيت الأبيض باللوم على السيناتور جو مانشين باعتباره معرقلاً، وأنّه قَبِل بشروط متعلّقة بالإنفاق الاجتماعي، إلا أنّ النواب التقدّميين لم يوافقوا على تخفيضات في سلّة الإصلاحات الاجتماعيّة”.
وفي هذا الإطار، علّق إغناتيوس قائلاً: “حان الوقت لتقديم تنازلات وتفعيل حزمة إنفاق اجتماعي بقيمة 1.5 إلى 2 تريليون دولار عبر القانون، قبل أن يخسر بايدن المزيد”.
من جهتها، أوضحت بيلوسي هذه المسألة الاثنين، إذ رأت أنّه “يجب اتخاذ قرارات صعبة في وقت قريب جدّاً”، وحثّت التقدّميين على تقليص مطالبهم و”القيام بأشياء أقلّ بشكل جيّد”.
وتابع إغناتيوس: “ينبغي أن يتمتّع بايدن بصوت في الوسط، ويَعِد البيت الأبيض بالتصويت بحلول نهاية تشرين الأوّل، لكنّ الواقع يشير إلى أنّه لن يتمّ تمرير أيّ شيء في مجلس الشيوخ ما لم يصوّت كلّ من ساندرز ومانشين لمصلحته. كذلك الأمر في مجلس النواب، حيثُ لن يمرّ أيّ شيء بدون أن يحظى بدعم عضو مجلس النواب عن ولاية نيو جيرسي، جوش جوتهايمر، وزميلته جايابال”.
إقرأ أيضاً: نهاية 2021: توقّعات “ستراتفور” السياسية
وأشار إغناتيوس في هذا الصدد إلى أنّ الأمور السيّئة يمكن أن تحدث في الدول الجيّدة، وقال: “هذا ما يخطر ببالك عندما تسافر إلى بلدان مثل إيطاليا، التي احتضنت الفاشية في الثلاثينيّات. عندما لا يستطيع القادة الأقوياء السيطرة على الوسط، يتكاثر المتطرّفون والمتشدّدون في اليسار واليمين. يعتقد التقدّميون بأنّ زمن الوسط والتسوية قد ولّى، لكن ليس هذا القرار الذي اتّخذه الديموقراطيون ومَن صوّتوا لبايدن”.
وختم إغناتيوس مقاله بالقول إنّ بيلوسي قضت عطلة نهاية الأسبوع في إيطاليا أيضاً، وأخبرت زملاءها أنّها التقت بالبابا فرانسيس، وطلبت منه “الدعاء من أجلنا” مع اقتراب التصويت الحاسم.