قدّم البروفسور دومينيك روسّو، أستاذ الحقوق الدستورية في كلية الحقوق بجامعة السوربون، دراسة قانونية حول “الإختصاص القضائي لمحاكمة وزير داخلية سابق في إطار قضيّة إنفجار مرفأ بيروت”، وذلك بناءً على طلب النائب نهاد المشنوق.
وروسّو هو واحد من أهمّ المراجع الدستورية في فرنسا، وعضو سابق في “مجلس القضاء الأعلى” الفرنسي، ورئيس المحكمة الدستورية في محافظة Andorre. وقد أكّدت الدراسة التي قدّمها أنّ “الإخلال الوظيفي المنسوب إلى المشنوق مرتبط مباشرة بممارسة وظيفته كوزير للداخلية، وليس بشخصه الخاصّ، إنّما على الشخص السياسي، أي على الوزير”.
واعتبر روسّو أنّه “يستوجب مبدأ فصل السلطات، بأن تكون كل من السلطات الثلاث – السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية والسلطة القضائية – مستقلّة في ممارسة إختصاصها دون أن يتعدّى أيّ منها على إختصاص الأخرى. إنّ هذا المبدأ البسيط الذي حدّده مونتسكيو والمطبّق عالمياً، يترجم في الدستور اللبناني كما في الدساتير كافة عن طريق تنظيم أصول مختلفة لمحاكمة المسؤولين السياسيين. وأصول المقاضاة المختلفة لا تعني إجحافاً، أوعدم معاقبة أوعدم مقاضاة أوغياب مساءلة المسؤولين السياسيين، فهي تعني فقط أنّه يقتضي محاكمة المسؤولين السياسيين أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وليس المحاكم العاديّة، وذلك ليس لحماية أشخاصهم بلّ لحماية وظائفهم”.
وتابع: “هذا المبدأ ذاته بفصل السلطات هو الذي يفسّر وجود المجلس الأعلى والمحاكم العادية. وفقاً للمادة 70 من الدستور، يمكن ملاحقة الوزير لإخلاله بموجباته، ووفقاً للمادة 373 من القانون الجزائي، يمكن أيضاً ملاحقة موظّف لإخلاله بموجباته. المخالفة هي ذاتها: الإخلال بالموجبات. ولكن، وهنا النقطة الأساسيّة، فالمرتكب المفترَض لهذه المخالفة ليس نفسه. في إطار المادة 70 من الدستور، إنّ المرتكب المفترض للمخالفة هو الوزير، وفي إطار المادة 373 من القانون الجزائي، إنّ مرتكب المخالفة هو موظف. فالوزير والموظف هما فئتان دستوريتان مختلفتان: يمارس الوزير وظيفة تتعلّق بقرار سياسي بينما يمارس الموظف وظيفة تتعلّق بالتنفيذ الإداري. فالموظّف تمّ توظيفه على أساس معايير مهنية، فيما الوزير على أساس التزاماته السياسية. ومن هنا الطبيعة المختلفة للمخالفات: بالنسبة للوزير الإخلال بموجباته هو عدم اتّخاذ القرارات السياسية الموجبة، وبالنسبة للموظف الإخلال بموجباته هو عدم تطبيق قرارات وزيره. ومن هنا إختصاص المحكمة العاديّة للموظفين لأنّه لا يوجد هناك مِنْ تعدٍّ على مبدأ فصل السلطات عندما تقوم محكمة عادية بالتحقيق فيما إذا أحسن موظف ما تطبيق قرارات وزيره، ومن هنا إختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بهدف إحترام مبدأ فصل السلطات الناتج عن الطبيعة السياسية لوظيفة الوزير.
وفي الدراسة أنّه “يمكن ملاحقة المشنوق بتهمة الإخلال الوظيفي بهدف تحديد فيما إذا كان هذا الاخلال قد حصل، وعند الإقتضاء، فيما إذا كان يقتضي محاكمته وبأيّ عقوبة، والقضاء المختصّ لمحاكمته هو وفقاً للمادة 70 من الدستور المجلس الأعلى كون القضاء العادي هو مختصّ لمحاكمة الموظفين”.
وقالت الدراسة إنّ “الإحترام الدقيق للقاعدة القانونية شرط أساسي لكي تأخذ العدالة مجراها ويكون للضحايا جواب محقّ على مستوى توقعاتهم، باعتبار أنّ احترام القانون والإجراءات هو ضمانة للمواطنين كافة ولا يمكن إصلاح مأساة – وهي هنا انفجار مرفأ بيروت – باختلاق مأساة أخرى ووضع دولة القانون جانباً. وهو أمر قد يدمّر حتّى مبدأ “الضمانة القانونية” على المدى الطويل. فالمسألة هنا، ليست بدعم عدم إمكانيّة محاكمة وزير، إنّما المسألة هي معرفة أيّ محكمة صالحة لمحاكمته”.
وبحسب روسّو، فقد “حدّد الدستور اختصاص المجلس الأعلى في حين أنّ اختصاص المحكمة العدلية محدّد بقانون عادي. والدستور هو القاعدة الأسمى، وتحت طائلة الإطاحة بتراتبيّة القواعد، فهو يعلو أحكام القانون العادي… وإذا كانت النصوص القانونية في بعض الأحيان ملتبسة، فذلك ليس الحال بالنسبة للمادة 70 من الدستور التي تنصّ على أنّه يحق لمجلس النواب إتّهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء بالخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم ولا يجوز أنّ يصدر قرار الإتّهام إلّا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. ويحدّد قانون خاص شروط مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء الحقوقية”.
واستندت الدراسة الفرنسية إلى “قرار الجمعية العامة لمحكمة التمييز في لبنان الصادر بتاريخ 27 تشرين الأوّل من العام 2000 وينصّ على الآتي: “حيث أنّه يبنى على ذلك أنّ المادة 70 من الدستور، فرقّت في مضمونها بين فئتين من الأفعال بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء، فئة تتأتّى عن إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم يعود شأنها للمجلس النيابي وللمجلس الأعلى، وفئة تؤلف جرائم عادية تبقى الملاحقة والمحاكمة بصددها من صلاحية القضاء الجزائي العادي”.
لقراءة الدراسة كاملة اضغط هنا