لم يأخذ أحدٌ دور لبنان ودور بيروت بالذات. حَرَم لبنان نفسه بنفسه من كلّ دور. الكلام هنا عن دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، عموماً، وعن دبيّ، التي تعيش في كنفها، تحديداً. دبيّ التي بَنَت نفسها في إطار دولة الإمارات التي أسّسها عبقريٌّ صاحب رؤية اسمه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله.
الكلام عن دبيّ في مناسبة استضافتها لمعرض “إكسبو 2020″، بمشاركة 190 دولة، لا ينتهي. لا غرفة شاغرة في دبيّ. كلّ ما فيها من بنى تحتيّة حديثة أُقيمت بعيداً عن الفساد يعمل في ظلّ توافر لكلّ الخدمات من كهرباء ونظافة وطرقات… وأمن ونظام وسيادة للقانون.
كلّ ما في الأمر أنّ اللبنانيين قضوا، بملء إرادتهم، على بلدهم لكونهم لا يعرفون أن ليس لديهم سوى لبنان. لم يعرفوا يوماً قيمة لبنان ولا قيمة بيروت. كانت الضربة القاضية الوصول إلى الوضع الراهن، أي إلى بلدٍ رئيسُ جمهوريّته ميشال عون، في حين يحكمه فعلاً “حزب الله”. لا يمكن توقّع شيء آخر غير البؤس والخراب والدمار والفقر والعزلة في ظلّ هذه المعادلة العجيبة الغريبة المصطنعة.
في “إكسبو 2020″، ولأنّ دولة الإمارات دولة تتطلّع إلى المستقبل، وليست في أسر الماضي، رُفِع العلم الإسرائيلي إلى جانب العلم الإيراني. تعاطت إيران مع الواقع بعيداً عن المزايدات التي تمارسها في بلد مغلوب على أمره اسمه لبنان دخل، بفضلها، مرحلة المصير المجهول
ما الذي يمكن توقّعه من بلد لا همّ لرئيس الجمهورية فيه سوى إيصال صهره إلى موقع رئيس الجمهوريّة عندما تنتهي ولايته في 31 تشرين الأوّل 2022؟ أكثر من ذلك، ما الذي يمكن توقّعه من بلد يمارس فيه رئيس جمهوريّته قناعاته التي في مقدّمها أنّ “حزب الله” سيفرض صهره رئيساً للجمهوريّة، كما حدث معه؟
هناك دائماً في كلّ مدينة من مدن القارّات الخمس مكان لدور أو لكلّ الأدوار في آن. مَن يزور دبيّ هذه الأيّام يكتشف أنّ المدينة صارت مكاناً يتّسع لكلّ الأدوار. يعود ذلك إلى أنّها جهّزت نفسها كي تكون فضاء لأكثر من مدينة واحدة تجمع بين المال والأعمال… واستضافة “إكسبو 2020”. باتت دبيّ في العام 2021 مدينة حديثة ومتطوّرة وآمنة تحلو فيها الحياة لكلّ مَن يرفض ثقافة الموت.
هزمت دولة الإمارات كلّ العوائق التي كانت تقف في وجه تطوّرها، بما في ذلك عائق الطبيعة. استطاعت ذلك بفضل التطلّع إلى المستقبل بدل البقاء في أسر عِقَد الماضي. هذه العِقَد جعلت من لبنان دولةً من الماضي. يبدو معيباً إجراء أيّ مقارنة بين لبنان ودولة الإمارات، حيث يوجد عقل سياسي بنّاء. اعتمدت الإمارات المنطق وثقافة الحياة، فيما تحكّمت بلبنان ميليشيا مذهبيّة تابعة لإيران تروِّج لثقافة الموت. لم يخفِ المسؤولون الإيرانيون ذلك عند تحدّثهم عن امتلاك ستّة جيوش في المنطقة، أحدها “حزب الله”.
في “إكسبو 2020″، ولأنّ دولة الإمارات دولة تتطلّع إلى المستقبل، وليست في أسر الماضي، رُفِع العلم الإسرائيلي إلى جانب العلم الإيراني. تعاطت إيران مع الواقع بعيداً عن المزايدات التي تمارسها في بلد مغلوب على أمره اسمه لبنان دخل، بفضلها، مرحلة المصير المجهول.
ليس “إكسبو 2020” سوى تتويج لنجاح حقّقته دولة متصالحة مع نفسها، أي مع شعبها أوّلاً، ومع محيطها. تمتلك هذه الدولة علاقات تعاون مع كلّ دول العالم، ومهتمّة بالتغلّب على كلّ ما يواجهها من عوائق، بما في ذلك عائق الصحراء. في النهاية، تغلّبت دولة الإمارات على الصحراء. في دولة الإمارات تحقِّق المساحات الخضراء انتصارات مستمرّة على الصحراء. مَن تغلّب على الصحراء هو رؤية الراحل الشيخ زايد الذي لم يواجه الصعوبات والعوائق عبر حملات التشجير فحسب، بل ركّز أيضاً على المواطن الإماراتي. ركّز على التعليم والصحّة وبناء الإنسان بشكل عامّ. خدم كلّ القضايا العربيّة بكلّ ما يستطيع، وصولاً إلى تقديم نموذج عن دولة تترك الأفعال تتكلّم بدل اعتماد الشعارات الفارغة والخطابات الحماسيّة التي لم تجلب سوى الكوارث.
فوّت لبنان كلّ الفرص التي برزت أمامه من أجل استعادة عافيته. لم يعُد له دور في المنطقة. لم يعُد جامعة ومدرسة ومستشفى وخدمات مصرفيّة وسياحة واستثمارات. فضّل القضاء على عاصمته بيروت التي أعاد رفيق الحريري الحياة إليها في ضوء ما كان يمتلكه من رؤية. لعلّ أكبر خطأ يرتكبه اللبنانيون بعد انهيار بلدهم وعاصمتهم، الاعتقاد أنّ دبيّ حلّت مكان بيروت. هذا ليس صحيحاً. دبيّ أوجدت لنفسها كلّ الأدوار، بقيت بيروت أم لم تبقَ. كلّ ما في الأمر أنّ هناك رؤية وُلِدت مع ولادة دولة الإمارات قبل نصف قرن، رؤية زايد بن سلطان آل نهيان الذي صنع المعجزات، بعيداً عن الفساد، وصولاً إلى ما تحقّق الآن في دبيّ بفضل أبنائها وأبناء كلّ إمارة من الإمارات السبع. على رأس هؤلاء الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم والشيخ محمد بن زايد وليّ العهد في أبوظبي.
سهّلت الثروة النفطيّة أموراً كثيرة على دولة الإمارات، لكنّ تحقيق أيّ إنجاز لم يكن ممكناً من دون الرهان على الإنسان الذي يظلّ الثروة الحقيقية لكلّ بلد. مَن يفكّر في الإنسان كثروة، تُفتَح أمامه آفاق جديدة، بما في ذلك أفق مرحلة ما بعد النفط وبناء بلد قادر على تطوير نفسه بدل السقوط في فخّ السلاح المذهبي الميليشيويّ، الذي يحمي الفساد، ورفع الشعارات الطنّانة. وهذا هو الفخّ الذي سقط فيه لبنان…
إقرأ أيضاً: حكومة لبنان & حكومة الإمارات
كانت النتيجة أنّ لبنان خسر ثروته الأولى، وهي الإنسان. هذا الإنسان الذي سُدَّت في وجهه كلّ الأبواب، لكنّه وجد مَن يرحّب بأبنائه من ذوي الكفاءات في دولة تتطلّع إلى المستقبل، هي دولة الإمارات. صارت الإمارات من بين الدول النادرة التي لا تزال ترحِّب باللبنانيين من ذوي المؤهّلات في ما يمكن وصفه بجائزة ترضية لبلد اختار البقاء في أسر الماضي وعِقَده!