يتخبّط لبنان منذ عامَيْن في أزمةٍ اقتصاديّةٍ جعلته يغرق بالظلام وفاقمَت أوضاعه الاجتماعيّة والصحيّة، وتسبّب النقص بالمحروقات بأزمة إنسانيّة أيضاً، ولم يغِب مشهد طوابير السيارات التي تنتظر دورها للتزوّد بالبنزين عن أيّ منطقة لبنانيّة، على الرغم من الارتفاع الجنونيّ لأسعار المشتقّات النفطيّة.
أمام هذا المشهد، انطلقت الحكومة اللبنانيّة الجديدة بأعمالها بعد جلسة مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة، التي تخلّلها ظلام دامس في القاعة مع انقطاع التيار الكهربائي بقصر “اليونيسكو” في بيروت.
وبعد تأجيل الجلسة لبعض الوقت، تدخّل “حزب الله” عبر النائب في كتلة الوفاء للمقاومة إبراهيم الموسوي الذي جلب موَلّدين لتزويد القاعة حيث عُقِدت جلسة مناقشة البيان الوزاري بالكهرباء. المهمّ أنّ التيّار الكهربائيّ عادَ إلى اليونيسكو، ولم تعُد من حاجة إلى المولِّديْن، “لكنّ ما جرى شكّل فرصة للحزب ليذكِّر اللبنانيين بمَن يملك سلطة حقيقية في البلد المنهار”، بحسب ما وردَ في صحيفة “واشنطن بوست“.
وفيما ذكّرت DW بأنّ قوافل النفط الإيرانيّة دخلت لبنان عبر معبر غير قانونيّ، ولم تحظَ بموافقة الحكومة الرسميّة للدخول، ردّ الرئيس نجيب ميقاتي على سؤال لقناةCNN بالقول: “أنا حزين لانتهاك النفط الإيراني سيادة لبنان”.
قد يكون التسهيل الأميركيّ دلالة على أنّ لدى الرئيس الأميركي جو بايدن نيّة حقيقيّة لإجراء محادثات جديدة بشأن الاتفاق النووي وإعادة المفاوضات إلى مسارها
إذاً يقوم “حزب الله” مجدّداً باستعراض عضلاته، بحسب “واشنطن بوست” التي ذكّرت بتباهي الحزب بنفوذه خلال مشهد دخول قافلة المازوت الإيراني إلى لبنان، حيثُ يقبع الناس بالعتمة وينقطع التيار الكهربائي يوماً كاملاً أحياناً. لكنّ الكميّة المستورَدة التي تُقدّر بـ33 ألف طن، تعدّ ضئيلة مقارنة باحتياجات البلد الكبيرة، وتكفي لأيام فقط، فيما تعتمد معظم المناطق على المولّدات الكهربائيّة.
“إنّها حيلة علاقات عامّة أكثر من أيّ شيء آخر، ولا يمكن حتى اعتبارها حلّاً أوّليّاً”، يقول المحلّل في شركة ClipperData الاستشارية بشار الحلبي. وللتوضيح، فقد اقتنصَ الحزب هذه الفرصة التي منحته إيّاها إيران ليُظهر نفسه منقذاً على الساحة اللبنانيّة ويقدّم المازوت مجّاناً إلى مستشفيات ومؤسسات خيرية ومؤسسات أخرى تعطّلت خدماتها بسبب نقص الكهرباء، متجاوزاً طائفته. فعلى سبيل المثال، قدّم الحزب 2500 ليتر من المازوت لدار رعاية للمسنّين في منطقة عين الرمّانة، تكفي لتوفير الكهرباء لمدّة أسبوعين.
ولفتت “واشنطن بوست” إلى أنّ الحزب هو جزء لا يتجزّأ من الدولة، وممثَّلٌ بوزراء ونوّاب، وكان داعماً لتشكيل الحكومة الجديدة، وعملَ كـ”صانع ملوك” في المفاوضات بين الأطراف السياسية في لبنان لأكثر من عام. وعن مشهد دخول الوقود الإيراني، فقد رأته الصحيفة الأميركية بأنّه “هدفَ إلى تقويض سلطة الحكومة الجديدة حتى قبل أن تحصل على الثقة، وهو ما يُبرِز ضعف الدولة ومؤسّساتها”.
وفي هذا الإطار، اعتبر الحلبي أنّه لو لجأت الولايات المتحدة إلى العقوبات، لكان ذلك قد عزّز رواية الحزب بأنّها وراء منع وصول المحروقات إلى لبنان.
وفي بداية الشهر الحالي، بدأ الحديث عن إحياء خطّ الغاز العربي، والتنسيق لوصول الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا، وتزويده بالطاقة عبر الشبكة الأردنيّة. وعلى الرغم من أنّ مقترحات الولايات المتحدة لن تكون كافية وحدها لتلبية احتياجات لبنان، يقول الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة والبيئة القابضة رودي بارودي “إنّ المقترحات كانت أفكاراً جيّدة لأنّها قد تُساهم في زيادة إمداد لبنان بالكهرباء”، لافتاً إلى أنّ خط الغاز العربي جاهزٌ، ولكنّ الشبكة الكهربائية متضرّرة بسبب الحرب السورية وتحتاج إلى الإصلاح.
لكن ماذا لو قُرِئ إمداد لبنان بالطاقة الإيرانيّة من منظور أوسع، لا من منطلق داخلي؟
إقرأ أيضاً: قافلة مازوت إيران تعبر “الدولة النائمة”
لا شكّ أنّ شحن المشتقّات النفطيّة الإيرانية يعكس رؤية جديدة في سياسة طهران الخارجية، بحسب سينا توسي، المحلّل في المجلس الوطني الإيراني الأميركي، الذي قال “إنّ إيران تصبو إلى أن تصبح قوّة إقليمية، وأن تتجاوز العقوبات المفروضة من خلال زيادة التجارة مع الدول المجاورة لها”، مضيفاً: “تركِّز استراتيجيّة السياسة الخارجية للرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي على المنطقة وزيادة الترابط الاقتصادي الإقليمي. وإذا لم تفرض الولايات المتحدة أيّ عقوبات، فقد يكون التسهيل الأميركيّ دلالة على أنّ لدى الرئيس الأميركي جو بايدن نيّة حقيقيّة لإجراء محادثات جديدة بشأن الاتفاق النووي وإعادة المفاوضات إلى مسارها”.