لا شيء يرضيكم. لا عصفور نشيط ولا ضفدع أطرش ولا وزير مفوّه ولا مستوزر نزق ولا رئيس حكومة يتباكى على أمّ تودّع فلذة كبدها وتبحث عن حبّة دواء بين ركام الارتطام.
هاكم رئيس جمهوريّتكم الذي استعاد الحقوق وأعاد التوازن وتنازل من كيسه وحصّته ومكاسبه كرمى عيونكم. هاكم رئيس حكومتكم وهو يلتقط كرة النار بصدره العاري، غير آبه باحتراقه على مذبح أزماتكم المتراكمة والمترامية. هاكم مرشد جمهوريّتكم الذي هاله ذلّكم على محطات الوقود، فسارع إلى شحن البواخر وبيعها بالليرة اللبنانية وبأقلّ من سعر التكلفة. هاكم راسبوتين جمهوريّتكم جبران باسيل، وقد تنازل عن حقّه المكتسب في التطبيل والتزمير، وارتضى أن يوافق على ثلث مقنّع تحت الطاولة، على الرغم من انحيازه الموصوف للكيد والتحريض والاستفزاز.
ماذا تريدون بعد؟ هذه حكومة ممتازة. حكومة عظيمة. وصلتكم بعد سنة ونيف من التدقيق والتمحيص والمباحثات والمناورات والاشتباكات والانهيارات
ماذا تريدون أكثر؟ لقد دمّرتم البلد بتعنّتكم ولامسؤوليّتكم وإصراركم على الرفض وعلى الاعتراض. ماذا لو قبلتم منذ البداية بضريبة تافهة على خدمة الواتس آب؟ أمَا كنتم وفّرتم علينا وعليكم هذا الانهيار الفظيع؟ ماذا لو ارتضيتم بكلّ طيب خاطر أن يخلف جبران باسيل عمّه في قصر بعبدا، بدل أن تشتموه وتشتموا أمّه في الطرقات؟ ماذا قدّمت لكم الشتيمة؟ ماذا قدّمت لكم التظاهرات والشغب والعبث؟ ثمّ ما لكم ولحزب الله ودوره ومشروعه ووظيفته؟ أهو يذهب بسيّاراتكم إلى دمشق وحلب وبغداد وصنعاء؟
ماذا تريدون بعد؟ هذه حكومة ممتازة. حكومة عظيمة. وصلتكم بعد سنة ونيف من التدقيق والتمحيص والمباحثات والمناورات والاشتباكات والانهيارات. وقد سقط في ركابها مبادرات واتّصالات وشخصيّات وكرامات ورؤساء مكلّفون. فعلنا كلّ ذلك لأجلكم. ولأجل مطلبكم بالتغيير والإصلاح. وها قد استبدلنا لكم جبران، ولو ببعض موظّفيه ومستشاريه. واستبدلنا لكم الرؤوس الحامية والوجوه النافرة، ولو ببعض الهواة والمستزلمين والمنفصلين عن الواقع.
تتحاملون على وزير مستشرق يودّ أن ينقل تجربته الفريدة ونصيحته المُحبّة والمجرّدة إلى الإعلام اللبناني المبتذَل والمرتهَن، علّه يرتقي إلى مستوى الأزمة والمسؤوليّة الملقاة على عاتقه، حاله في ذلك حال الإعلام الرصين في محاور الممانعة الخضراء.
لاحقاً تمارسون أبشع أشكال التنمّر على وزيرين وديعين، حاولا تبسيط مشروعيْهما الإنقاذيّين ليتسنّى للعوام فهمهما واستيعابهما على طريقة قصص الأطفال. لكنّكم، وبرذالتكم المعهودة، حوّلتم هذا النقاش الجدّي إلى حفلة من النكات والسخرية والضحك والتهكّم، غير آبهين بفداحة هذا السلوك، وانعكاسه الكارثي على نفسيّة الوزراء المجتمعين حول طاولة إنقاذكم.
ثمّ إنّ عشيرة أرادت أن تحتفل بوزيرها على الطريقة اللبنانية. بالرصاص والقذائف والمتفجّرات. ما الضيم؟ الرجل وصل بعصاميّته وجهده وتعبه. وهو مستقلّ ومتخصّص وناجح، ويستحقّ تحيّة معتبرة من أهله وناسه.
إقرأ أيضاً: حكومة “الدعس” على النّاس
لا شيء يرضيكم. لا حكومة سياسيّة ولا اختصاصيّة ولا مستقلّة ولا مرتهَنة ولا مصغّرة ولا موسّعة. لا شيء يرضيكم. أنتم الشعب النمرود الذي اعتاد أن يرفس النعمة، ويتجاسر على الهمم التي استنفرت وتجنّدت لمساندته وبلسمة جراحه.
المسألة تجاوزت كلّ منطق مقبول ومعقول. لقد دمّرتم البلد بمزاجيّتكم وتأفّفكم. فيما نهرول نحن، ويهرول معنا العالم كلّه، لمساعدتكم وإنقاذكم. وأنتم شعبٌ تستحقون جهنّم، على ما يقول رئيس جمهوريّتكم. لا شيء يرضيكم. لا شيء على الإطلاق.
بتستاهلوا…