الإمارات: من إسبارطة… إلى سنغافورة

مدة القراءة 5 د

“إسبرطة الصغيرة” هو مصطلح أطلقه وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس على الإمارات العربيّة المتّحدة، للتعبير عن “مدينة صغيرة تلعب دوراً كبيراً”. لكنّ هذه المدينة تسعى الآن إلى أن تتحوّل إلى “سنغافورة الصغيرة” من خلال بناء الجسور الإقليميّة، وحلّ الأزمات، والاهتمام بالاقتصاد، وتعزيز “وجهها الجديد” كوسيط تصالحيّ وطرف بنّاء، إضافةً إلى “تعظيم الجوامع المشتركة والعمل المشترك مع الأصدقاء والأشقّاء لضمان عقود مقبلة من الاستقرار الإقليمي والازدهار لجميع شعوب المنطقة ودولها”، بحسب ما جاءَ في تغريدة للمستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش.

فقد شهدت الأشهر الأخيرة تطوّرات لافتة تحمل في طيّاتها أبعاداً للمسار الإماراتي الجديد. على سبيل المثال، فقد بدأت المياه تعود إلى مجاريها بين أنقرة وأبو ظبي، وتمثّلت إشاراتها الأولى بالزيارة التي قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، إلى تركيا، والتي تبعها اتصال بين وليّ عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ترغب الإمارات في نهجها الجديد بتصفير المشاكل، وفقاً لِما قاله المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش، موضحاً أنّ “نهج التصعيد أو المواجهة من شأنه أن يورّطنا في صراعات طويلة”. لذلك قرّرت الإمارات تعديل مسارها

وبعد اللقاء الرسمي، قلّصت أبوظبي القيود المفروضة على حركة رجال الأعمال الأتراك، واستأنفت الرحلات الجويّة اليومية، تزامناً مع نهاية عهد دونالد ترامب. وبعد اتفاق العُلا الذي أذِنَ بإنهاء الأزمة الدبلوماسية مع قطر، عيّنت أنقرة سفيراً جديداً لها في أبوظبي.

في هذا السياق، يظهر جليّاً أنّ الإمارات عدّلت مسارها، متحوِّلةً من الدفع إلى مواجهة إيران وبعض الأطراف، إلى السعي إلى تعزيز الحوار والدعوة إليه، واتّضح ذلك من خلال تحرّكات مسؤوليها لتسوية الخلافات مع إيران وتركيا وقطر وليبيا ودول أخرى، بحسب ما أوضح الكاتب ديفيد إغناطيوس في صحيفة “واشنطن بوست“، الذي ذكّر أيضاً بالتطبيع مع إسرائيل أو ما عُرِف بـ”اتفاقات إبراهام” التي صادفت الذكرى السنويّة لإبرامها برعاية إدارة دونالد ترامب يوم الأربعاء في منتصف أيلول الجاري. والآن تستهدف الإمارات علاقات اقتصادية بـ”تريليون دولار” مع إسرائيل، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه السيطرة الأميركية على الشرق الأوسط تتضاءل.

وتتّبع الإمارات نهجاً مستقلّاً في السياسة الخارجية، متجاوزةً الحدود في تعاملها مع واشنطن، إذ كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أنّ “ثلاثة عملاء سابقين في الاستخبارات الأميركية أقرّوا بانتهاك قوانين الولايات المتحدة، من خلال تنفيذ عمليّات قرصنة إلكترونية لمصلحة دولة الإمارات”.

وبحسب “رويترز“، فإنّ الرجال الثلاثة هم مارك باير وريان آدامز ودانييل جيريك الذين عملوا في شركة DarkMatter، ويعتبرون جزءاً من وحدة سرّية تُدعى “مشروع رايفن”، ساعدت دولة الإمارات في التجسّس على أعدائها. وقد عمل باير في وحدة وكالة الأمن القومي التي تنفّذ العمليات السيبرانية الهجومية المتقدّمة، فيما خدمَ آدامز وجيريك في شؤون الاستخبارات والجيش، وقاموا جميعاً بتزويد الإمارات بتكنولوجيا متقدّمة، إضافةً إلى القرصنة.

ما تريده الإمارات ينسحب على تهدئة النزاعات الإقليمية، إلى جانب التركيز بشكل أكبر على الاقتصاد المحلّي. ويتقارب هذا النهج مع ذلك المتّبع من قبل إدارة بايدن التي انسحبت من أفغانستان، وأجمع الكثير من المسؤولين فيها على معارضة شنّ “الحروب التي لا تنتهي”. ومن الإشارات إلى هذا الاتجاه هو ابتعاد الإمارات عن الصراعات في اليمن وليبيا بعد اقتناعها بأنّ الثمن يفوق الفوائد.

إذاً ترغب الإمارات في نهجها الجديد بتصفير المشاكل، وفقاً لِما قاله المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش، موضحاً أنّ “نهج التصعيد أو المواجهة من شأنه أن يورّطنا في صراعات طويلة”. لذلك قرّرت الإمارات تعديل مسارها، وتركّز الآن على التنمية الاقتصادية كمسار للأمن، ولا سيّما أنّ “عصر النفط”، الذي عزّز نموّ الإمارات، قارب على النهاية. “نرى العالم بشكل مختلف قليلاً”، يقول السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة.

وتحدّث الكاتب عن “رجل الظلّ” في الإمارات الذي يحظى بأهميّة كبيرة بعد ما قام به من جولات وتحرّكات ومصالحات سياسية في تركيا وقطر أخيراً. الرجل هو مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، شقيق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وليّ عهد أبوظبي.

إقرأ أيضاً: “فايننشال تايمز”: تحوّل كبير.. كيف غيّرت الإمارات سياساتها؟

ويرى الأستاذ الباحث في مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، علي بكر، أنّ طحنون العضو في المجلس الأعلى للشؤون المالية والاقتصادية، الذي أُنشئ في عام 2020، والمختصّ بجميع الأمور المتعلّقة بالشؤون المالية والاستثمارية والاقتصادية وشؤون البترول والموارد الطبيعية في إمارة أبوظبي، الذي يرأس عدداً من الشركات الكبرى، يراعي العلاقات الاقتصادية حين يكون موفداً لإيجاد أرض مشتركة مع أنقرة من البوّابة الاقتصادية.

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…