يبلغ عدد المدارس الرسميّة في لبنان ألفاً و235 مدرسة، تضمّ نحو 342 ألفاً و304 طلاب، فيما يبلغ عدد المدارس الخاصّة ألفاً و209 مدارس، تضمّ نحو 558 ألفاً و68 طالباً، وفق “الدوليّة للمعلومات”. أي ما مجموعه 900 ألف طالب. في حين تقدّم مديرة التوجيه والإرشاد في وزارة التربية هيلدا خوري رقماً مختلفاً: مليون ونصف المليون طالب.
وفق خطّة وزارة التربية سيتمّ اعتماد 4 أيّامِ تعليمٍ حضوريٍّ في المدارس والثانويات الرسمية حدّاً أدنى، فيما يكون اليوم الخامس للتعليم عن بُعد، بسبب أزمة المحروقات.
عبود لـ”أساس”: صعوبة بدء العام الدراسي حضوريّاً تكمن في صعوبة التنقّل والوصول إلى المدرسة، وهو ما يشكّل عبئاً على الأسرة التعليمية بجميع مكوّناتها
“تستكمل وزارة التربية، في الأيام الأخيرة قبل بدء العام الدراسي، الاجتماعات لحلّ أزمة المحروقات، وكان آخرها مع UNICEF (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) والبنك الدولي وUNHCR (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) وUNESCO (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)”، بحسب مديرة التوجيه والإرشاد في وزارة التربية هيلدا خوري. وتصف هذه الاجتماعات في حديث لـ”أساس” بأنّها “إيجابية”. وتقول إنّ العمل مكثّف على جبهتين:
– أوّلاً: محاولة تأمين البنزين للأساتذة عبر دعمه من قبل الدول المانحة.
– وثانياً، محاولة توفير كميّات من المحروقات للمدارس الخاصة والرسمية “التي كنّا أرسلنا لوائح بها إلى وزارة الطاقة”.
انطلاقة متعثّرة
نسأل خوري عن حجم هذه الكميّات، وإن كان يُعوَّل عليها لتوفير ما يلزم للعام الدراسي، فتؤكّد لنا أنّها كميّة محدودة “لانطلاقة العام الدراسي، ولاحقاً نبحث عن حلول أخرى”.
لا تنكر قدرة وزارة التربية وصلاحيّاتها المحدودة في وضع خطّة نقل لجميع المدارس، “يصعب توفير النقل لكلّ الطلاب في ظلّ الأزمة، فهذا يحتاج إلى خطة دولة، وليس إلى خطة وزارة، وذلك لضخامة العدد وكبر الأزمة وتقاطع الحلّ مع وزارات أخرى. لكنّنا نحاول التخفيف على الأهل بطرق أخرى. فالكتب مجّانيّة للمدرسة الرسمية، تقع على عاتق اليونيسيف التي تكفّلت بـ4 ملايين دولار. والقرطاسية مجّانية أيضاً تتكفّل بها USAID (الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المسؤولة عن إدارة المساعدات الخارجية) ضمن “مشروع كتابي”، بدءاً من الصف الأوّل حتّى السادس. ونعمل على توفيرها مجّاناً لباقي الصفوف، وهناك إيجابية كبيرة. والدوام الرسمي 4 أيام في الأسبوع، إذ قسّمنا مناهجنا على 16 أسبوعاً لتخصيص اليوم الخامس لمتابعة المتعثّّرين”.
خوري لـ”أساس”: الكمّامة هي الخطوة الأولى للوقاية في المدارس، ثمّ التباعد لمتر واحد للوقاية من انتقال الفيروس من طفل إلى آخر، ثمّ التهوئة الجيّدة. وفي زمن اللقاح ستكون نسبة الانتشار أقلّ، إذ بات اللقاح متوافراً للكادر التعليمي والإداري
في السياق نفسه، دقّ “مرصد الأزمة بالجامعة الأميركية في بيروت” ناقوس الخطر في تقرير أشار إلى أنّ “الأزمة الاقتصادية العميقة تُلقي بثقلها الضخم على النظام التعليمي في لبنان، فتؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ على قدرة الأسر على الاستثمار في تعليم أبنائها وبناتها. إذ تُعاني المدارس الرسمية اليوم من عدّة مشاكل يُمكن اختصارها بتدنّي قيمة رواتب المعلّمين، شحّ المازوت للتدفئة، هجرة المعلّمين والمعلّمات، وكلفة احتياجات التلاميذ، والنقص الحادّ في التجهيزات، ولا سيّما الأمور اللوجستية”.
فكيف سيتمكّن الأهل من إيصال أطفالهم وأولادهم إلى المدارس في ظلّ أزمة المحروقات التي تعجز الدولة عن حلّها؟ وكيف سيتمكّن الأهل من دفع كلفة باصات المدارس الخيالية؟ وأيضاً، كيف سيتمكّن الأساتذة من الحضور إلى المدرسة؟ وماذا عن التدفئة في المناطق الجبلية؟ وهل سيُدرَّس الطلاب في “العتمة”؟…
رودولف عبّود: صعوبة “الحضور”
يرى نقيب المعلّمين في المدارس الخاصة رودولف عبود أنّ “صعوبة بدء العام الدراسي حضوريّاً تكمن في صعوبة التنقّل والوصول إلى المدرسة، وهو ما يشكّل عبئاً على الأسرة التعليمية بجميع مكوّناتها. لذلك نبحث عن حلّ. النقابة تعقد اجتماعات في الوزارة لإيجاد الحلول. ونحن مع التعليم الحضوري، لكن ليس في ظروف مماثلة، حيث سعر البنزين أعلى من رواتبنا، وإذا ما استفحلت الأزمة أكثر، وازداد نشاط السوق السوداء، سيتأزّم وضع القطاع التربوي أكثر فأكثر”.
يدعو عبود، في حديث لـ”أساس”، “المسؤولين إلى تصحيح الرواتب والأجور، بالتوازي مع توفير المحروقات اللازمة للتنقّل، عبر إعطاء قسائم شهرية للمعلّمين يستطيعون من خلالها شراء البنزين في المحطات، أو تخصيص محطات لهم للتزوّد بالبنزين، وإقرار مشروع قانون الـ500 مليار ليرة لبنانية عن كلّ سنة. إضافة إلى إقرار قانون دعم التلميذ، وتسديد مستحقّات المدارس المجّانية المتراكمة منذ سنوات”.
ويسأل عبود: “هل يُعقل أن يقضي الأستاذ 6 ساعات بالتعليم، و6 ساعات في طابور الذلّ أمام المحطات؟ وهل من الممكن تعبئة السيارة بالبنزين، فيما لا يزال بعض الأساتذة يتقاضون 700 و800 ألف ليرة؟”.
دقّ “مرصد الأزمة بالجامعة الأميركية في بيروت” ناقوس الخطر في تقرير أشار إلى أنّ “الأزمة الاقتصادية العميقة تُلقي بثقلها الضخم على النظام التعليمي في لبنان، فتؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ على قدرة الأسر على الاستثمار في تعليم أبنائها وبناتها
ويكشف أنّه “في اجتماعاتنا مع المعنيّين، بحثنا ترك الحريّة للتلاميذ من ناحية الزيّ المدرسي، وبذلك يكون اختيارياً. ولدينا 3 أنواع من الكتب، منها الرسمية التي سنوزّعها مجّاناً على المدارس”.
ويختم عبود كلامه محذّراً من التهاون: “تنصبّ جهودنا على تطبيق العودة الحضورية في المدارس، وهذه رغبتنا وإرادتنا، لكنّ هناك معوقات بسيطة بحاجة إلى إرادة جامعة”، معتبراً أنّ “ما يُسمّى حَسَنة وسِلفة، يجب أن يتمّ رفضه. فلتُدفَع الديون المتراكمة على مدى 4 سنوات، ثمّ نتكلّم عن سلفة”.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ هيئة التنسيق النقابية بكلّ مكوّناتها من روابط التعليم الثانوي والأساسي والمهني والتقني ونقابة المعلمين، أعلنت مقاطعة العام الدراسي حتّى تحقيق مطالبها.
بترا خوري: الكمّامة إلزاميّة
رئيسة اللجنة التنفيذية للقاح كورونا بترا خوري، التي أعلنت استقالتها من منصبها، تؤكّد أنّ فتح المدارس ضروري، لكن تسأل: “ما الذي يجب أن نفعله لإرسال الأولاد إلى المدارس، وأيّ إجراءات يجب اتّخاذها؟”.
وتضيف ردّاً على سؤال: “الكمّامة هي الخطوة الأولى للوقاية في المدارس، ثمّ التباعد لمتر واحد للوقاية من انتقال الفيروس من طفل إلى آخر، ثمّ التهوئة الجيّدة. وفي زمن اللقاح ستكون نسبة الانتشار أقلّ، إذ بات اللقاح متوافراً للكادر التعليمي والإداري”.
وتشدّد على أنّ “المسؤولية اليوم مشتركة، وتقع على الجميع من رأس الهرم حّتى قاعدته. فالوزارة مسؤولة، والمدرسة مسؤولة، والطلاب مسؤولون، والأهل مسؤولون”.
وتعلن أنّ “الكمّامة إلزامية للأطفال فوق 5 سنوات. والأطفال معروفون بقدرتهم على التأقلم مع الظروف أسرع من الكبار. والـfaceshield هو المطلوب للأطفال دون الـ5 سنوات توافقاً مع البروتوكول الصحّي”، لافتة إلى أنّنا “أرسلنا توصية لوزارة التربية، وطلبنا إعطاء خيارات للقطاع التربوي. فإمّا أن يأخذوا اللقاح أو يجروا فحص الـPCR كلّ 72 ساعة على حسابهم إن رفضوا أخذ اللقاح. وأناشد القطاع التربوي تطبيق هذا الإرشاد”.
مهن “مدرسيّة” مهدّدة
في المقابل، هناك مهن “مدرسيّة”، أو على هامش المدارس، باتت مهدّدة اليوم.
لنأخذ بلال المصطفى، على سبيل المثال وهو سائق باص مدرسيّ منذ 15 عاماً، تابع لإحدى المدارس في الشمال، إلّا أنّ عمله توقّف مع إغلاق المدارس بسبب تفشّي فيروس كورونا.
يقول بلال لـ”أساس” إنّ عمله توقّف “منذ شباط 2020، إثر الإقفال العامّ بسبب كورونا. وفي ظلّ التعليم الحضوري هذا العام، لن أستطيع أيضاً العمل، بسبب زيادة تكلفة النقل بفعل ارتفاع أسعار المحروقات وما يترتّب عليه من عجز الأهالي عن دفع مصاريف انتقال أبنائهم”.
ويوضح بلال أنّ “تكلفة انتقال الطالب الّذي يسكن في النطاق الجغرافي للمدرسة، كانت حوالي 60 إلى 100 ألف ليرة لبنانية في الشهر قبل الأزمة. أمّا بعد رفع الدعم عن المحروقات، فقد ارتفعت إلى 400 ألف ليرة، أي ما يقارب 3 أضعاف”. ويرى أنّ “الأهل لن يستطيعوا دفع هذا المبلغ شهرياً مع ارتفاع الأقساط المدرسية، وهو ما يهدّد لقمة عيش العاملين في هذا القطاع بدفعهم إلى التوقّف الكامل عن العمل أو خفض أجورهم”.
إقرأ أيضاً: دعم المحروقات: 2 مليار $ أرباحاً
من جهتها، تقول ريم الشامي، وهي منسّقة عامّة وأستاذة في التعليم الرسمي، إنّ “من الصعب، بل من المستحيل، أن يبدأ العام الدراسي إذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه. فواقع الأساتذة مزرٍ كحال الجميع”. وتطلب عبر “أساس” أن “تتدخّل السلطات المعنيّة من أجل تقديم الدعم للمدارس والأساتذة كي يستطيعوا أن يُكملوا مهامّهم. وفي حال لم يحدث ذلك فإنّ العام الدراسي سيكون في خبر كان”.
وتقول إحدى المعلّمات في التعليم الابتدائي إنّ “العودة الحضورية باتت ضرورية للأستاذ والتلميذ معاً، إلا أنّ الضائقة الاقتصادية تقف حاجزاً أمام الطرفين”. وتؤكّد أنّ “التعليم رسالة، لكنّه ليس عملاً تطوّعيّاً. فالأستاذ إنسان ولديه عائلة ومصاريف. ومن المؤسف أنّ الدولة، كما أسقطت كلّ شيء، لم تأبه لنا ولأهمّ قطاع، وهو القطاع التربوي الذي إذا سقط أسقط معه أجيالاً بكاملها”. وتختم بأنّ “الحلول ليست مستحيلة إذا تحلّى المعنيّون بحسن الإدارة، لكنّهم انتظروا بدء العام الدراسي لكي يبحثوا عن الحلول، تاركين وراءهم آلاف الأساتذة والتلاميذ في حالة من التخبّط والضياع”.