رفع الدعم: فتّش عن مفاوضات “صندوق النقد”

مدة القراءة 5 د

ما علاقة مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن المحروقات؟

لنراجع التطوّرات بسرعة:

أعلنت وزارة الطاقة أمس رفع سعر صفيحة البنزين 38% ليصير عيار 95 أوكتان بـ174 ألفاً و300 ليرة لبنانية، وعيار 98 أوكتان بـ180 ألف ليرة لبنانية، فيما أعلن رئيس تجمّع الشركات المستوردة للنفط رفع الدعم بشكل رسمي عن المازوت، وأنّ هناك اتّجاهاً لرفعه عن البنزين.

هذا يعني أنّنا دخلنا فعليّاً عصر وقف الدعم نهائيّاً، بعدما تبيّن أنّ احتمال فتح مصرف لبنان لاعتمادات جديدة على أساس سعر 8000 ليرة للدولار (بالمقابل تتولّى وزارة المال دفع 8000 ليرة ثمن كل صفيحة)، لم يجد طريقه إلى التنفيذ، أسوةً بما حدث خلال الأسبوعين الماضيين، وتحديداً بعد اجتماع بعبدا المالي الذي أفضى إلى فتح اعتمادات بقيمة 225 مليون دولار لشراء المحروقات وصيانة معامل إنتاج الكهرباء.

تشير المصادر المالية المعنية إلى أنّ كلّ المؤشّرات تشير إلى أنّ مشوار التفاوض مع صندوق النقد لن يكون محفوفاً بألغام الخلافات الداخلية، كما حدث في الجولة الماضية مع حكومة حسان دياب

في الواقع، لم يكن مصرف لبنان مقتنعاً بالأساس بدفع هذه الـ225 مليون دولار لكونها لا تذهب إلى مستحقّيها بشكل كامل، وهي تصبّ بجزء كبير منها في جيوب التجّار، في وقت يحاول لبنان إقناع الصناديق والهيئات الدولية بإعطائه قرضاً بقيمة 225 مليون دولار، فإذ به يحرق كامل المبلغ في أيام معدودة، فيما يُفترَض تسريع الإجراءات ووضع البطاقة التمويلية قيد التنفيذ وتمويلها بشكل سليم لتعوّض بعضاً من الدعم الذي كان يتولّى مصرف لبنان دفعه.

ولهذا لم يبذل المصرف المركزي مجهوداً، وفق مصادر مالية، لكي يواصل سياسة الدعم، ولو الجزئيّة، وكان لا بدّ من الانتقال إلى مرحلة ما بعد وقف الدعم، خصوصاً أنّ هذه الحكومة، التي تعرف “البير وغطاه”، غير ممانعة لهذا الخيار، ولن تقف حاجزاً أمام قرار مصرف لبنان.

عليه، سارع وزير الطاقة الجديد وليد فياض إلى رفع سعر صفيحة البنزين، ولا سيّما أنّه لا يجوز أن تستمرّ وزارة المال في تحمّل كلفة الـ8000 ليرة، وتحميل موازنة العام 2022 أعباء ثقيلة، عشيّة انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بعدما تراجعت إيرادات الدولة إلى حدودها الدنيا.

برنامج دعم وثقة؟

في هذا السياق، تشير المصادر المالية المعنية إلى أنّ كلّ المؤشّرات تشير إلى أنّ مشوار التفاوض مع صندوق النقد لن يكون محفوفاً بألغام الخلافات الداخلية، كما حدث في الجولة الماضية مع حكومة حسان دياب، لافتةً إلى أنّ تقاطعات مبدئية بين حكومة نجيب ميقاتي ومصرف لبنان تسمح بالتخفّف من أوزان التباينات الثقيلة، والعمل بجدّية للوصول إلى برنامج دعم قد يفتح باب الثقة الدولية من جديد.

ترجّح المصادر أن لا يتكرّر مشهد الخلافات على طاولة التفاوض مع صندوق النقد في الجولة المنتظرة، وأن لا يكون هذا المشوار محكوماً بالاستحالة

تلفت المصادر ذاتها إلى أنّ المفاوضات مع صندوق النقد لن تنتظر أن تضع حكومة ميقاتي خطة تعافٍ اقتصادية أو تحديث تلك التي وضعتها الحكومة السابقة، مشيرة إلى أنّه لا بدّ من التمييز بين خطة التعافي التي يُفترَض بالحكومة أن تضعها كرؤية استراتيجية لها، وبين خطة التفاوض مع الدائنين (حاملي سندات اليوروبوندز)، وبين خطة التفاوض مع صندوق النقد، التي لا تتطلّب وقتاً طويلاً لكون عناوينها معروفة.

وترى المصادر أنّ خطوات قد أُنجِزت بالفعل من شأنها أن تسرّع التفاوض مع صندوق النقد، ولعلّ أهمّها تحرير سعر الصرف، وهو اليوم محرّر ولو بشكل غير رسمي، فضلاً عن رفع الدعم، وهو مطلب أساسي للصندوق، فيما كلفة الإدارة العامة، التي تشكل عبئاً ثقيلاً على الخزينة العامة، باتت منخفضة جداً مقارنة مع سعر الدولار وقيمة الليرة اللبنانية. وبالتالي، فقد تقلّصت الخلافات حول كيفيّة تنفيذ شروط الصندوق إلى حدودها الدنيا، وصار بالإمكان تطبيقها بلا عراقيل تُذكر.

وتؤكّد أنّ أرقام حسابات مصرف لبنان، التي كانت أيضاً موضع تباين، شهدت الكثير من التعديل، نازعةً ألغاماً كانت تعترض التفاهم اللبناني-اللبناني. أمّا بشأن الخلاف حول كيفيّة توزيع الخسائر، وتحديداً بين الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان والمصارف الخاصة، فإنّ الحكومة السابقة عادت عن مسارها الأوّليّ، وفتحت باب التفاوض من جديد مع المصارف لإعادة النظر في كيفيّة توزيع الخسائر، حيث تلفت المصادر إلى أنّ هذا البند أيضاً لا يشي بإمكان الوصول إلى حائط مسدود في ضوء كل التطوّرات النقدية والمالية التي حدثت خلال الأشهر الأخيرة.

إقرأ أيضاً: “هديّة” صندوق النقد تهدِّئ دولار بيروت… إلى حين

في الخلاصة، ترجّح المصادر ذاتها أن لا يتكرّر مشهد الخلافات على طاولة التفاوض مع صندوق النقد في الجولة المنتظرة، وأن لا يكون هذا المشوار محكوماً بالاستحالة، لافتةً إلى أنّها مهمّة صعبة، لكنّها أقرب إلى التحقيق، خصوصاً بعد تنفيذ العديد من الشروط، فيما البنود المتبقّية قد لا تكون موضع خلاف، وهي ليست بالعقبات الكبيرة، ولعلّ أصعبها يتجلّى في وضع خطة كهرباء سليمة وقابلة للتطبيق، وإعادة هيكلة الإدارة العامّة وفق توصيات الصندوق.

 

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…