تُساعية عونية… و”نادي الرؤساء” ممتعض

مدة القراءة 6 د

أخيراً وُلدت حكومة نجيب ميقاتي قبل رفع الدعم نهائيّاً بفارق ساعات، والذي تردّد كثيراً أنّها لن تتلقّف كرة ناره وستترك لـ”لهيبه” أن يحرق حكومة حسان دياب بالكامل، وقبل توزيع البطاقة التمويلية التي تحتاج فعليّاً إلى أشهر قبل أن تصل إلى جيوب المحتاجين إليها.

وفيما كانت الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية تطلب السِيَر الذاتية للوزراء الجدد الذين ثبّتت هويّتهم وحقائبهم تحت ضغط فرنسي وأميركي مباشر، وكان الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة يعدّ مراسيم الحكومة لإعلانها، كانت أوساط حزب الله تبشّر بوصول باخرة المازوت الإيرانية إلى مرفأ بانياس في سوريا، وبدء تفريغ حمولتها في صهاريج تمهيداً لوصولها إلى لبنان، و”الباخرة الثانية على الطريق”.

في كواليس الفريق الرئاسي كان ثمّة مَن يجزم: “لم تكن الحكومة لتولد لولا موافقة عون على كل اسم فيها”. لكنّ اسم وزير المال يوسف الخليل وغيره من الوزراء يدحض هذه المقولة

وقد مهّد ميقاتي لخطّ النهاية في مسار تكليفه، مستبقاً صدور مراسيم حكومته الثالثة منذ عام 2005، بتأكيد طلبه موعداً للقاء رئيس الجمهورية لطرح تشكيلته الوزارية الكاملة، نافياً حصول أيّ فريق في الحكومة الجديدة على “ثلث معطّل واضح أو مُستتر”. لكنّ إشارة ميقاتي، بعد صدور مراسيم الحكومة، كانت بالغة الدلالة بتأكيد حصوله على “ثلثين” وصفهما بأنّه “بنّاء” داخل الحكومة وقال: “ويللي بدّو يعطّل يبقى برّا”.

لكن في كواليس الفريق الرئاسي كان ثمّة مَن يجزم: “لم تكن الحكومة لتولد لولا موافقة عون على كل اسم فيها”. لكنّ اسم وزير المال يوسف الخليل وغيره من الوزراء يدحض هذه المقولة. ومع ذلك، كان هذا الفريق يحتفي بـ”تُساعيّة” وزارية داخل الحكومة “خاص ناص” للعهد في مقابل امتعاض نادي رؤساء الحكومات، وتطنيش ميقاتي. حتى اختيار الوزيرين المسيحيّين “الحياديّين” بين عون وميقاتي روّجت أوساط بعبدا أنّه “حصل بناءً على قربهما من “فِكر” العهد وبرنامج عمله، وإلّا لَما اتّخذ تكتّل لبنان القوي قراراً مبدئيّاً بمنح الثقة للحكومة الجديدة”.

 

معركة وزارة الاقتصاد

وضمن فريق الوزراء التسعة المفترضين لرئيس الجمهورية وزير سنّيّ لحقيبة الاقتصاد شكّل عنوان معركة رئاسية على قاعدة أحقّيّة رئيس الجمهورية أن يحصل على وزير سنّيّ أو شيعي داخل الحكومة.

وبينما رُوِّج حتى اللحظات الأخيرة عن تبادل بين عون وميقاتي، بحيث يُسمّي الأوّل وزيراً سنّيّاً والثاني وزيراً مسيحيّاً، إلا أنّ “تفييش” ملف وزير الاقتصاد أمين سلام الذي شكّل آخر العِقَد وأطاح بمرشّح جبران باسيل جمال كبي، أظهر قربه من نجيب ميقاتي، حتّى إنّه ظهر في أحد البرامج الذي يُنتِجه قطاع المرأة في تيّار العزم.

سلام، المستشار الدولي لشؤون التنمية ومشاريع البنى التحتية، والمحامي في القانون الدولي، هو ضيف دائم على قناة “الحدث” – العربية، لكنّه معروف باعتداله في مقاربة الملفّات المالية والسياسية، ومن مشجّعي انفتاح لبنان على كلّ “اقتصادات العالم من دون تمييز”، ومن المسلّمين بوجود “فجوة هائلة بين جيل 17 تشرين وبين الطبقة السياسية والمصرفية والمالية الحاكمة”، وبأنّ “مشروع الثورات في العالم مهدّد دائماً بالخطف والاستغلال، لكنّ 17 تشرين لا بدّ أن تجد قريباً هيكليّة لها. وستُغتال مرّة ثانية إذا لم ترصّ صفوفها. وسنكون أمام نتائج انتخابات نيابية أسوأ ممّا نعيشه اليوم”.

أمّا لناحية مسار صندوق النقد فلديه، كما يقول سلام: “فله ماضٍ غير مشرّف في التعاطي مع الحكومات المتعاقبة في لبنان”. وبالأمس كان العونيون يعتبرون أنّه من حصّة فريق العمل الإصلاحي في الحكومة.

حتى اختيار الوزيرين المسيحيّين “الحياديّين” بين عون وميقاتي روّجت أوساط بعبدا أنّه حصل بناءً على قربهما من “فِكر” العهد وبرنامج عمله، وإلّا لَما اتّخذ تكتّل لبنان القوي قراراً مبدئيّاً بمنح الثقة للحكومة الجديدة

 

حكومة على وقع الطوابير

توجّه ميقاتي أمس إلى قصر بعبدا فيما كانت طوابير السيارات تخنق مداخل معظم المناطق، وكان قطع الطرقات يشلّ الحركة، والسوق السوداء تنتظر إيماءة من مداولات بعبدا لـ”يصوْرخ” الدولار أو ينخفض. فجاء انخفاضه مصطنعاً وهشّاً، تماماً كما ارتفاعه في غالب الأحيان غير مبرّر وخبيث ومنظّم. هكذا يُجفَّف الدولار من السوق ويلمّه الصرّافون، ثمّ يبدأ التفتيش عنه بين الزواريب عند أوّل حدث سلبيّ أو تعثّر حكومي، فيرتفع سعره مجدّداً.

وحدها وعود رئيس الحكومة وآليّة تنفيذها، وخصوصاً استجلاب الدعم الدولي، بعد 13 شهراً من العقم في التأليف، ستشي ببدء مسار الخروج من الأزمة أو “الاستراحة” في قعر الهاوية. أمّا الغصّة والدمعة، لزوم “الإخراج” الوزاري، فلا أحد يعوّل عليهما.

وفي السراي كان طاقم عمل الرئيس حسان دياب يستعدّ للمغادرة نهائياً، مع احتمال بَقِي قائماً بفشل لقاء الظهر في “القصر” بين عون وميقاتي في تذليل عقبة الاتّفاق على آخر الأسماء، ومن ضمنها وزراء حقائب غير أساسية تغيّروا في آخر لحظة بفعل التعديلات التي طرأت على مستوى العِقَد الأساسية.

لم يحضر رئيس حكومة تصريف الأعمال أمس إلى السراي، وواكب آخر يوم من ولايته الصعبة من منزله في تلّة الخياط، ونال تحية غير منتظرة من رئيس الحكومة الجديد.

 

حكومة الانتحاريين؟

وحوّلت ولادة الحكومة في هذا التوقيت “القاتل” فريق عملها إلى ما يُشبه حكومة “الانتحاريين” في ظلّ دعم مرفوع عن المحروقات والدواء والسلع الغذائية، وتضخّم في سعر صرف الليرة غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث، وتحرير الأسعار، وعجز عن توزيع البطاقة التمويلية وعن إقرار بطاقة البرنامج الطارئ لشبكة الأمان الاجتماعي، و”تفليسة المصارف”، وواقع وجود حاكم لمصرف لبنان ملاحق دوليّاً، والأهمّ تحديد خارطة التفاوض مع صندوق النقد الدولي بناءً على خطة حكومية للتعافي وتوزيع الخسائر قد تأتي على الأرجح على أنقاض خطة حكومة دياب التي نُسِفت من أهل البيت…

وكان ثمّة تزامن مشبوه بين الإعلان المتكرّر في الأيام الماضية عن ولادة الحكومة “بين ساعة وساعة” بقوّة العصا الدولية، وبين الإعلان عن رفع الدعم المحتّم عن المحروقات “بين ساعة وساعة”. وهو الاستحقاق الأكثر سخونة الذي ستواجهه الحكومة حتّى قبل صدور بيانها الوزاري ونيل الثقة في مجلس النواب.

وما بينهما ما لا يأخذ طريقه إلى العلن وهو التحذير المتصاعد الصادر عن رؤساء الأجهزة الأمنيّة من وصول الأوضاع إلى مرحلة “بالغة الخطورة” قد تعجز خلالها العناصر، المولجة ضبط الوضع الأمني، عن السيطرة على الأرض في حال رفع الدعم نهائياً من دون وجود حكومة أصيلة تتلقّف تداعيات هذا القرار وتواكب المرحلة التنفيذية لتوزيع البطاقة التمويلية.

مواضيع ذات صلة

“إنزال” في البرلمان: التّمديد لقائد الجيش

يترافق سقوط مفاوضات وقف إطلاق النار مع انكشاف أمنيّ وعسكري وسياسي كامل، عبّر عنه بالسياسة النائب السابق وليد جنبلاط بقوله إنّ “آموس هوكستين تآمر علينا…

وقف إطلاق النّار… بين الضّغط الأميركيّ وضغوط الميدان

أُقفِل باب المفاوضات الدبلوماسية لتُترك الكلمة للميدان. بالأساس، لم يكن كبيراً الرهان على تحقيق خرق جدّي قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع في السباق…

نعيم قاسم: هادئ وصلب ومتعدّد المشارب الفكرية

يختلف الشيخ نعيم قاسم عن سلفه السيّد حسن نصر الله، من حيث خصائص الشخصية ومشارب التنشئة، مع أنّ كليهما كانا عضوين قياديين في حركة أمل،…

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….