بدأت معركة خلافة مُصطفى الكاظميّ في رئاسة وزراء العراق. فعلى الرّغم من كلّ ما قام ويقوم به رئيس الوزراء العراقيّ، إلّا أنّ التغيّرات في المنطقة، وخصوصاً في إيران، تشيرُ إلى أنّ حظوظ الكاظميّ في العودة إلى رئاسة الحكومة العراقيّة تتراجع يوماً بعد يوم مع إحكام تيّار الحرس الثّوريّ كامل قبضته على السّلطة في طهران من أعلى الهرم إلى أسفله.
تتأرجَح بورصة المُرشّحين لرئاسة الوزراء بعد الانتخابات المُزمع إجراؤها في 10 تشرين الأوّل المُقبل، أيّ بعد شهرٍ تقريباً. الثّابتُ في هذه البورصة أنّ إيران ماضية حتّى السّاعة في رحلة العودة إلى رئاسة الحكومة العراقيّة بعد الإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي مع اندلاع ثورة تشرين 2019 على امتداد الحكومات العراقيّة.
ومع تراجع حظوظ الكاظميّ الإيرانيّة، برزت أسماء عديدة لشخصيّات عراقيّة مُرشّحة لخلافته كان أبرزها مُستشار مجلس الأمن الوطنيّ العراقي قاسم الأعرجي ومحافظ النّجف عدنان الزّرفي المُقرّب من المرجعيّة المُتمثّلة بالسّيّد علي السّيستاني
وبحسب ما علِمَ “أساس” من مصادر مُطّلعة على الأجواء الإيرانيّة، فإنّ حظوظ الكاظميّ في العودة بعد الانتخابات تراجعت لعدّة عوامل ومؤشّرات، أبرزها:
– أوّلاً، كان تعيين رئيس الاستخبارات السّابق في لحظة تقاطعٍ أميركيّ – إيرانيّ لخفض التّصعيد مع ارتفاع حدّة العنف جرّاء قمع التّظاهرات، خصوصاً في المُحافظات الجنوبيّة ذات الغالبيّة الشّيعيّة مثل ذي قار والبصرة وكربلاء، وبطبيعة الحال العاصمة بغداد.
– ثانياً، مرور إيران بلحظة “ضياعٍ سياسيٍّ” في العراق عقب اغتيال قائد قوّة القدس السّابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشّعبيّ وقائدها الفعليّ أبو مهدي المُهندس في غارة أميركيّة قُربَ مطار بغداد الدّوليّ قبل 4 أشهر من تعيين الكاظميّ رئيساً للوزراء.
– ثالثاً، انتظار “عبور” مرحلة الانتخابات الأميركيّة التي أطاحت بإدارة الرّئيس السّابق دونالد ترامب، والتي راهنَت طهران على نتائجها وانتظرتها لإعادة تموضعها في بلاد الرّافدين.
– رابعاً، تخلّف مُصطفى الكاظميّ عن المُشاركة في مراسم تنصيب الرّئيس الإيرانيّ الجديد إبراهيم رئيسي على الرّغم من مُشاركة الرّئيس العراقيّ بُرهم صالح ورئيس إقليم كُردستان العراق نيجيرفان بارزاني المُقرّبين من الولايات المُتّحدة.
– خامساً، اقتصار المُشاركة الإيرانيّة في قمّة بغداد لدول الجوار العراقيّ على وزير الخارجيّة حسين أمير عبد اللهيان. ويقرأ مُتابعون في هذه المُشاركة أنّ طهران لا تريد “تسليف الكاظمي” دوراً محوريّاً في الإقليم، إذ تُفضّل طهران أن يبقى العراق تحت جناحها، وأن لا “يُغرّد خارج السّرب الفارسيّ” تحت أيّ مُسمّى كان.
ومع تراجع حظوظ الكاظميّ الإيرانيّة، برزت أسماء عديدة لشخصيّات عراقيّة مُرشّحة لخلافته كان أبرزها مُستشار مجلس الأمن الوطنيّ العراقي قاسم الأعرجي ومحافظ النّجف عدنان الزّرفي المُقرّب من المرجعيّة المُتمثّلة بالسّيّد علي السّيستاني.
مصادر عراقيّة لـ”أساس” أنّ لقاء الأعرجي مع وزير الخارجيّة القطريّ والسّفير التّركي يدخل في إطار الدّور الذي يلعبه مُستشار الأمن القوميّ في الإعداد لطاولة سوريّة – تركيّة، بمباركة عربيّة – إيرانيّة، يُتوقّع أن تُبصِرَ النّور خلال الأسابيع المُقبلة
حظوظ الأعرجي
بين الأعرجي والزّرفي، يبدو أنّ حظوظ الأوّل تتقدّم على الثّاني. إذ إنّ الزّرفي سبقَ أن اعتذر عن مهمّة رئاسة الوزراء بعدما عجز عن تشكيل حكومة قبل اختيار مُصطفى الكاظمي لتولّي المهمّة.
في المُقابل، استطاع الأعرجي أن يُضيفَ عبر تولّي مكتب الأمن الوطنيّ إلى سجلّه العديد من النّقاط التي أُضيفت إلى نجاحه في تولّي وزارة الدّاخليّة بين سنتيْ 2016 و2018 في عهد حكومة حيدر العبادي.
نجاح الأعرجي في “داخليّة الرّافدين”، دفع قائد مُنظّمة بدر، التي كان ينتمي إليها الأعرجي، والقائد الحالي للحشد الشّعبي هادي العامري، إلى إبعاد اسمه عن حقيبة الدّاخليّة في حكومة عادل عبد المهدي خشية أن يُنافسه على قيادة المُنظّمة.
استبعاد العامري لاسم الأعرجي دفعه إلى تعليق عضويّته في مُنظّمة بدر.
بعد تشكيل حكومة مُصطفى الكاظمي في أيّار 2020، صدرَ مرسومٌ من رئيس الوزراء بإعفاء مُستشار مكتب الأمن القومي فالح الفيّاض من منصبه، وتعيين قاسم الأعرجي خلفاً له. وهنا بدأ الأعرجي مسيرةً جديدة في أمن بلاد ما بين النّهرين.
انطلاقاً من منصبه في مكتب الأمن القوميّ، استطاع الأعرجي أن يلعبَ دوراً محوريّاً بعيداً عن الإعلام في المُحادثات التي عُقِدَت بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران في نيسان الماضي. وكانت لعلاقاته الجيّدة مع إيران بحكم عضويّته المجمّدة في منظّمة بدر، ومع السّعوديّة بفعل التّعاون بين العراق والمملكة في محاربة الإرهاب وتنظيم داعش أثناء تولّيه وزارة الدّاخليّة، دور رئيسيّ في جمع قُطبيْ المنطقة في حاضرة العبّاسيين.
علاقته مع السعودية
العلاقة التي تربط الأعرجي بالمملكة العربيّة السّعوديّة برزت أثناء زيارة وزير الدّاخليّة السّعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز إلى العراق قبل أسبوعين. إذ اقتصرت لقاءات الوزير السّعوديّ على رئيس الوزراء مُصطفى الكاظميّ، ورئيس مجلس النّوّاب محمّد الحلبوسي، ونظيره العراقيّ عثمان الغانمي، وبطبيعة الحال قاسم الأعرجيّ.
وكان الأعرجيّ قد أثارَ جدلاً في العراق سنة 2018، يوم ظهرَ في صورةٍ مُمسكاً بيد سفير خادم الحرمين الشّريفين لدى بغداد عبد العزيز الشّمري في أحد مراكز التّسوّق.
بعد السّعوديّة وإيران، برز كلامٌ عن مساعٍ عراقيّة – عربيّة لبدءِ حوارٍ تركيّ – سوريّ في بغداد. وهنا أيضاً برز دور الأعرجي. إذ استقبلَ في الأسابيع الأخيرة وزير الخارجيّة القطري الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن آل ثاني، ثمّ السّفير التّركي لدى بغداد علي رضا عوناني الذي أعلَنَ نيّة الرّئيس التّركي رجب طيّب إردوغان زيارة العراق.
في هذا السياق، أشارت مصادر عراقيّة لـ”أساس” أنّ لقاء الأعرجي مع وزير الخارجيّة القطريّ والسّفير التّركي يدخل في إطار الدّور الذي يلعبه مُستشار الأمن القوميّ في الإعداد لطاولة سوريّة – تركيّة، بمباركة عربيّة – إيرانيّة، يُتوقّع أن تُبصِرَ النّور خلال الأسابيع المُقبلة في حال لم يطرأ أيّ مُستجدّات.
إقرأ أيضاً: مستقبل الحزب: ميليشيا طالبان.. أو دولة الكاظمي؟
أدوارٌ محوريّة وحواريّة استطاع الأعرجيّ أن ينسجها قد تُدخله سجلّ رؤساء الحكومات في بلاد الرّافدين. يبقى الأمر مرهوناً بنتائج الانتخابات النّيابيّة المُقبلة، ومَن ستؤول إليه الأكثريّة النّيابيّة في الأرض التي لم تعرف الاستقرار التّامّ منذ 18 سنة…