هزيمة الإسلاميّين تتجاوز حدود المغرب

مدة القراءة 5 د

إنّها هزيمة مدوّية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب. إنّها هزيمة للإسلام السياسي تتجاوز حدود المملكة. فقد نزل عدد أعضاء الحزب من 125 إلى 12 في مجلس النواب الجديد نتيجة الانتخابات الأخيرة. دخل هؤلاء بقوة إلى الحياة السياسيّة المغربيّة قبل عشر سنوات. خرجوا منها مثلما دخلوا… بواسطة صناديق الاقتراع.

لكنّ هذه الهزيمة تمثّل في الوقت ذاته انتصاراً ونجاحاً للمغرب الذي ثبتت مرّة أخرى قوّة مؤسسات الدولة فيه من جهة، والوعي السياسي العميق لشعبه من جهة أخرى. دلّ على هذا الوعي الإقبال المعقول على صناديق الاقتراع، وهو إقبال زاد قليلاً على نسبة خمسين في المئة في وقت لا تزال جائحة كورونا موجودة. دلّ هذا الوعي أيضاً على أنّ الشعارات الطنّانة لا تنطلي على الشعب المغربي كلّ الوقت. إذا انطلت هذه الشعارات على المواطن العادي، فذلك ليس قدراً في دولة عريقة تكمن أهمّيّتها في أنّ الملك فيها متصالح مع شعبه.

أكثر من ذلك، إنّ الملك في المغرب أمير المؤمنين أيضاً، وهو مسؤول عن كلّ مغربيّ وكلّ مقيم في الأرض المغربيّة. ينادي محمّد السادس بالاعتدال والوسطيّة، وينشر التعاليم الإسلاميّة السمحة في المغرب ومحيط المغرب، ومن ضمنه الدول الإفريقيّة.

يبقى الأهمّ من ذلك كلّه أنّ التجربة الديموقراطيّة المتجدّدة في المغرب، حيث الحياة الحزبيّة قديمة، وهي تجربة وضع أُسُسَها دستور عام 2011، تشقّ طريقها بهدوء وأمان في عهد محمّد السادس. يصبّ الهدوء والأمان اللذان يرافقان التجربة المغربيّة، الفريدة من نوعها في منطقة مضطربة، في تكريس المغرب واحة سلام وأمان وازدهار في شمال إفريقيا وما هو أبعد من شمال إفريقيا. سيزيد هذا الواقع من ضيق عيون الحسّاد الذين يعتقدون أنّ الهرب إلى خارج حدود بلدهم، وتحميل المغرب مسؤولية الأزمة العميقة التي يعاني منها بلدهم، كفيلان بحلّ مشاكلهم المستعصية.

ما حصل أنّ الناخب المغربي اختبر حزب العدالة والتنمية طوال عشر سنوات كان فيها رئيس الحكومة من هذا الحزب. جاء عبد الإله بن كيران بداية، ثمّ حلّ مكانه سعد الدين العثماني.

أدرك المواطن المغربي أنّ الشعارات شيء والعمل على أرض الواقع شيء آخر. كانت لدى الشعب المغربي فرصة لإحداث التغيير. استغلّ هذه الفرصة إلى أبعد حدود، مستفيداً من صناديق الانتخابات

حدث تغيير كبير في المغرب منذ إقرار دستور 2011 في استفتاء شعبي. صار الملك يختار رئيس الوزراء من بين المنتمين إلى الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الاشتراعية. حلّ العدالة والتنمية أوّلاً في انتخابات 2011 و2016. وها هو يحلّ أخيراً في انتخابات 2021 خلف حزب التجمّع الوطني للأحرار (97 مقعداً)، الذي على رأسه عزيز اخنوش، وحزب الأصالة والمعاصرة (82)، وحزب الاستقلال (78)، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيّة (35)، وحزب الحركة الشعبية (26)، وحزب التقدّم والاشتراكيّة (20)، وحزب الاتحاد الدستوري (13).

ثمّة ما يشير، من خلال قراءة النتائج، إلى أنّ المجتمع المغربي، في نهاية المطاف، ليبرالي ومحافظ في الوقت ذاته، أي مجتمع وسطيّ في أكثريّتة الساحقة. وهذا ما يفسّر عودة حزب قديم مثل حزب الاستقلال، ذي جذور إسلاميّة، ويرمز إلى الوطنيّة المغربيّة، إلى الواجهة. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا كلّ هذا التراجع لحزب العدالة والتنمية الذي يمكن اعتباره ممثّلاً للإخوان المسلمين، في حين ترى أوساط سياسيّة أنّه أخذ بعض المسافة من هؤلاء؟

الجواب بكلّ بساطة أنّ في المغرب ملكاً يمتلك رؤية وبعد نظر وعلى تواصل دائم مع هواجس المواطن المغربي وهمومه. فوق ذلك كلّه، شاهد المواطن بأمّ عينه ما تحقّق في السنوات الـ22 الأخيرة على كلّ صعيد، خصوصاً في مجال البنية التحتيّة والحرب على الفقر والتخلّص من المدن العشوائيّة وتنمية الإنسان المغربي الذي هو الثروة الحقيقية للبلد. يرى محمّد السادس في الحرب على الفقر الحرب الحقيقية على الإرهاب وعلى التطرّف بكلّ أشكالهما. لذلك عملت مؤسسات الدولة بجهد دؤوب من أجل تطوير المملكة داخلياً، وفتح آفاق التقدّم والتطوّر، والانفتاح على إفريقيا وأوروبا، وإحداث اختراقات تُوِّجت باعتراف أميركي بمغربيّة الصحراء.

في المقابل، لم يواكب العمل الحكومي كلّ هذا التغيّر نحو الأفضل الذي حدث في المغرب. لم يعاقب المواطن المغربي حزب العدالة والتنمية على صعيد أداء الحكومة وأداء أعضاء الحزب في مجلس النواّب فحسب، بل عاقب الحزب الإسلامي أيضاً على سلوك كثيرين من أعضائه في المجالس المحلّية. كان هؤلاء أبعد ما يكون عن كلّ الشعارات التي أطلقوها في ما يخصّ محاربة الفساد والتزام السلوك الأخلاقي الذي لا غبار عليه.

أدرك المواطن المغربي أنّ الشعارات شيء والعمل على أرض الواقع شيء آخر. كانت لدى الشعب المغربي فرصة لإحداث التغيير. استغلّ هذه الفرصة إلى أبعد حدود، مستفيداً من صناديق الانتخابات.

إقرأ أيضاً: القنبلة الموقوتة بين المغرب والجزائر

ستشكّل الهزيمة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية فرصة كي يعيد الحزب بناء نفسه واستعادة شعبيّته في ظلّ ظروف صعبة ليست مرتبطة بالمغرب وحده، حيث فشل الحزب فشلاً ذريعاً على الرغم من أنّه أكثر الأحزاب تنظيماً في المملكة. سيكون عليه أن يأخذ في الاعتبار أيضاً تراجع الإسلام السياسي في غير مكان في المنطقة، أكان في تونس القريبة أو في ليبيا التي تشهد تحوّلات داخلية ليست في مصلحة الإخوان المسلمين ومَن يدعمهم، مثل تركيا وغيرها.

يبقى أخيراً أنّ في استطاعة نظام مثل النظام الجزائري الاستفادة من النجاح المغربي بدل تجاهله. يبدأ ذلك بالاعتراف بأنّ أزمته، كنظام عسكري تجاوزه الزمن، مع المواطنين الجزائريين، وليست مع بلد مثل المغرب. المغرب مدّ له يده غير مرّة من أجل جعله يستعيد وعيه ويقتنع بأنّ الهرب إلى خارج الحدود ليس سوى هرب من الواقع، ولا يمكن أن يكون شيئاً آخر…

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…