أميركا تترك لبنان للحرس الثوريّ؟

مدة القراءة 5 د

وصل الوقود الإيراني الذي وعد به الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله إلى لبنان أم لم يصل، لن تقدّم كميّة الوقود التي وُعِد بها لبنان ولن تؤخِّر في حلّ الأزمة العميقة التي يعانيها بلدٌ دخل آخر مراحل الانهيار. ستبقى عمليّة جلب الوقود كلّها مجرّد عمليّة علاقات عامة تنطلي على السُذّج، ويمكن للبنان أن يدفع ثمنها غالياً بعدما صار رهينة إيرانيّة لا أكثر.

ماذا ينفع لبنان إذا ربح إيران ورهانه عليها، وهو رهان لميشال عون وصهره جبران باسيل الساعي أوّلاً إلى الوصول إلى قصر بعبدا… وخسر أميركا التي لم يعد يهمّها مصيره، والتي ترمز إليها الجامعة الأميركية في بيروت، ومستشفاها، ومعظم المعالم الحضاريّة والثقافية والعلميّة في البلد؟

ثمّة ما هو أهمّ بكثير من الوقود الإيراني. الأهمّ هو الرسالة التي فحواها أنّ لبنان صار محكوماً من “حزب الله”، وهو ليس سوى لواء في “الحرس الثوري”، الذي تولّى السلطة كلّياً في “الجمهوريّة الإسلاميّة”. حدث ذلك مع انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهوريّة، وتشكيله حكومة لا مكان فيها سوى لرجالات من نوع وزير الخارجية الجديد حسين أمير عبد اللهيان، وهو جزء لا يتجزّأ من “الحرس الثوري”، الذي استكمل انقلابه الداخلي عبر وصول رئيسي إلى موقع الرئاسة بطلب من “المرشد” علي خامنئي وإصرار منه.

لا تشبه حكومة رئيسي من ناحية سوء نوعية أعضائها، الذين يُعتبر وزير الخارجية أكثرهم كفاءة وأفضلهم، سوى حكومة حسّان دياب التي شُكِّلت أصلاً من أجل إيصال لبنان إلى ما وصل إليه، خصوصاً بعدما وقفت موقف المتفرّج من سقوط النظام المصرفي…

يبدو إيصال الوقود الإيراني حلقة أخرى، قد لا تكون الأخيرة، في الانقلاب الذي يشهده لبنان منذ اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط 2005، وصولاً إلى الصيغة التي أعلن بها الأمين العام لـ”حزب الله” قرب وصول هذا الوقود. لم يكن ينقص تلك الصيغة سوى قوله: أنا الدولة والدولة أنا. لا يمكن عزل الصيغة عن رغبة إيران في تأكيد أنّ لبنان صار لديه “مرشده” الذي تعلو كلمته على كلّ السلطات الأخرى، وعلى كلّ القوانين المعمول بها في بلد لديه دستوره… أو هكذا يُفترض.

لماذا الوقود الإيراني الآن؟ إنّه استكمال لبناني لوضع “الحرس الثوري” يده نهائياً على كلّ مفاصل السلطة في إيران التي لا تفوّت فرصة كي تثبت أنّ مشروعها التوسّعي مستمرّ بطريقة أقوى وأكثر شراسة وعدوانيّة.

لا يمكن عزل الإصرار الإيراني على الاستمرار في المشروع التوسّعي لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” عن التراجع الأميركي الذي عبّر عنه الانسحاب الكارثي من أفغانستان. تكمن أهمّية النظام الإيراني في تلك القدرة على الاستفادة إلى أبعد حدود من أيّ ثغرة أميركيّة بغضّ النظر عمّا إذا كان المقيم في البيت الأبيض قويّاً، مثل جورج بوش الابن وقبله رونالد ريغان، أو ضعيفاً، مثل جيمي كارتر، أو صاحب أجندة خاصّة به معادية لأهل السُنّة في العالم، مثل باراك أوباما، أو حائراً مثل جو بايدن.

استفادت “الجمهوريّة الإسلاميّة” من الحرب الأميركية على العراق في عام 2003، وتستفيد الآن، من وجهة نظرها، من الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان الذي كشف ارتباكاً أميركياً كبيراً وحال ضياع داخل إدارة جو بايدن. شهدت الأسابيع القليلة الماضية سلسلة من المواقف الإيرانية التي تدلّ على رغبة في الذهاب بعيداً في وضع العالم، وضمناً أميركا نفسها ودول المنطقة طبعاً، أمام أمر واقع.

كان خطاب وزير الخارجيّة الإيراني وتصرّفاته في “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”، الذي انعقد قبل أيّام قليلة، واضحَيْن لجهة الإصرار على السير على خطى قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” الذي اغتاله الأميركيون مطلع عام 2020 بُعَيْد خروجه من مطار بغداد. أراد عبد اللهيان تأكيد أنّ إيران مستمرّة بالاستثمار في الميليشيات المذهبيّة التابعة لها في كلّ المنطقة، وتعتبر ذلك حقّاً من حقوقها. هذا ما يحدث في العراق عبر “الحشد الشعبي”، وهذا ما يحدث في سوريا، وقد ظهر ذلك من خلال الهجوم على درعا البلد، بواسطة كلّ أنواع الميليشيات الأفغانيّة والعراقيّة واللبنانيّة… وهذا ما يحدث في لبنان نفسه الذي باتت فيه إيران تقرّر مَن هو رئيس جمهوريّته، وذلك بعد إيصالها ميشال عون إلى قصر بعبدا كي تتلطّى به في الحملة الهادفة إلى تدمير موقع رئيس مجلس الوزراء (السنّيّ)… في سياق حملة محاصرة لبنان وإفقاره وتهجير أهله، خصوصاً المسيحيين منهم، أولئك الذين يدّعي رئيس الجمهوريّة الدفاع عن حقوقهم.

لا نحتاج بالطبع التطرّق إلى اليمن حيث يُثبت الحوثيون (أنصار الله) يوميّاً أنّ إيران تمتلك المبادرة، إنْ في استهداف ما يسمّى “الشرعيّة” وجيشها… أو في متابعة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة في اتجاه أهداف مدنيّة داخل الأراضي السعودية، كما حدث أخيراً في مطار أبها.

يُفترض باللبنانيين، قبل الدخول في أيّ نقاش في شأن الوقود الإيراني، الاقتناع أكثر من أيّ وقت مضى بأنّ بلدهم صار ورقة في الحسابات الإيرانيّة التي ليس بالضرورة أن تكون في محلّها. الخطر أنّ في بلدهم مَن يراهن على أنّ المحور الإيراني سينتصر.

إقرأ أيضاً: نصر الله مقلّداً “أبو عمار”: السفينة انطلقت

تبقى المشكلة في كلّ الحسابات الإيرانيّة أنّ لبنان دفع ثمن كلّ انتصار حقّقته “الجمهوريّة الإسلاميّة” في أيّ مجال من المجالات. فقد جاء اغتيال رفيق الحريري، على سبيل المثال وليس الحصر، بعد الانتصار الإيراني في العراق بفضل إدارة بوش الابن.

ماذا ينفع لبنان إذا خسر أميركا وربح “الجمهوريّة الإسلاميّة”؟

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…