“أودّ أن أعلن أنّ سفينتنا الأولى التي سوف تنطلق من إيران قد أنجزت كل الترتيبات، وستُبحر خلال ساعات ببركة الحسين إلى لبنان. وقد أعطينا الأولويّة في السفينة الأولى لمادّة المازوت لأنّها أولويّة قصوى وترتبط بحياة الناس. وستتبع هذه السفينة سفينة أخرى وسفن أخرى، والمسألة ليست مسألة سفينة واحدة. ومنذ اللحظة الأولى التي ستبحر فيها السفينة الإيرانية سنعتبرها أرضاً لبنانية”. بهذه الكلمات وعلى طريقة الراحل الكبير ياسر عرفات “أبو عمار” الذي كان يقف في المجلس الوطني الفلسطيني، كلما تعقدّت بنود النقاش، حاملاً ورقة ليعلن أنها وصلته الآن تتحدث عن موقف اسرائيلي متشدّد أو اعتداء اسرائيلي محدود، ليحرف الاشتباك عن مساره المتفاقم، أطلق الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في خطابه لمناسبة ذكرى عاشوراء، “حرب السفن”، وأشعل مواجهة كلامية عالية السقف مع السفيرة الأميركية في لبنان.
استغربت مرجعية سياسية مطّلعة، تعليقاً على كلام نصر الله، هذا العناء الكبير للسيّد من أجل إحضار النفط الإيراني إلى بيروت، متسائلة: “لماذا لا يذهب البنزين والمازوت الإيرانيّان إلى سوريا، فيتوقّف تهريب هذه المشتقّات إلى سوريا، وتنتهي الأزمة؟”.
علوش لـ”أساس”: كيف يمكن لإيران التي تعاني من أزمة أن توفّر المشتقّات النفطية للآخرين؟ ماذا يمكن أن يحصل إذا اعترضت الولايات المتحدة و”إسرائيل” طريق البواخر؟
وأضافت: “في لبنان ليس من مشكلة في توافر البنزين والمازوت، بل مشكلتنا في تهريبه إلى سوريا. فليوقف السيّد هذا التهريب، فتُحلّ الأزمة”.
من جهته، أبدى نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علّوش لـ”أساس” تشكُّكه في ما قاله نصرالله، واعتبر أنّه “في أقصى الحالات، إذا صحّ هذا الإعلان، فسيكون هذا الأخير سبباً لمزيد من حشر لبنان، ودعايةً جديدةً لـ”حزب الله”، وسيؤدّي إلى زيادة النعرات بين الطوائف، خاصة أنّه ستتوافر كمية محدودة من المحروقات، إذا وصلت، وستُوزَّع لتغطية القاعدة المذهبية للحزب، وستحصل ردّات فعل ضد قيادات الأحزاب والطوائف الأخرى في البلد”.
وسأل علوش: “كيف يمكن لإيران التي تعاني من أزمة أن توفّر المشتقّات النفطية للآخرين؟ ماذا يمكن أن يحصل إذا اعترضت الولايات المتحدة و”إسرائيل” طريق البواخر؟”، رافضاً فكرة أن تكون السفن الإيرانية أرضاً لبنانية، معتبراً أنّها تضعنا أمام حالة حرب محتملة لا أحد يعلم نتائجها.
وأضاف علوش: “ما هي الكميّات التي سيتمكّنون من إحضارها؟ وبأيّ طريقة سيبيعونها أو يوزّعونها في الأسواق؟ وما هي نوعيّة الوقود المستقدم؟ وهل يشمل أيضاً محطات الكهرباء والمولّدات؟”.
وتعليقاً على صمت رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة على مواقف نصرالله، قال علوش إنّ “هؤلاء غير موجودين، ومَن يتولّى السلطة الفعلية هو مَن يتكلم. إنّ نصرالله هو من يتولّى السلطة بكلّ مستوياتها”.
فادي كرم لـ”أساس”: موقف نصرالله يكرّس المزيد من عزلة لبنان، لأنّه سيزيد الحصار الذي فرضه علينا “حزب الله” من خلال انخراطه في التهريب لمصلحة النظام السوري وتحويل لبنان جزءاً من محور الممانعة
أمين سر تكتّل الجمهورية القوية النائب السابق فادي كرم اعتبر في حديث إلى “أساس” أنّ “موقف نصرالله يكرّس المزيد من عزلة لبنان، لأنّه سيزيد الحصار الذي فرضه علينا “حزب الله” من خلال انخراطه في التهريب لمصلحة النظام السوري وتحويل لبنان جزءاً من محور الممانعة. وأيّ شركة لبنانية تتعامل بهذا النفط ستخضع للعقوبات ولن تستطيع الاستمرار، وإذا تعاملت مؤسسات الدولة اللبنانية بهذه المستورَدات من إيران، فستقع الدولة بمؤسساتها تحت سيف العقوبات، وسيزداد الإفلاس والمعاناة وخنق الشعب اللبناني”.
وقال كرم: “كان الأجدى بالسيّد حسن أن يوقف التهريب عبر الحدود مع سوريا، الذي تسبّب بهذا العقاب الذي وقع على الشعب اللبناني نتيجة تحويله رهينة في محور الممانعة، ووضع أرزاق اللبنانيين ومقوّمات الدولة بتصرّف النظام السوري. هذا ما أوصل البلد إلى هذه الكارثة الجهنّميّة”، مضيفاً أنّه “بعد وقف التهريب يجب ترشيد الدعم بحيث تبقى للشعب اللبناني المبالغ المخصّصة لمساعدته من خلال البطاقة التمويليّة”.
وأكّد كرم أنّ “إيران غير قادرة على تزويدنا بالمشتقّات النفطية، لأنّها تفتقر إليها. فهي تضطرّ إلى تصدير نفط خام، ثمّ تستبدله بالبنزين والغاز والمازوت وغيرها. وهي تمرّ أيضاً بأزمة كبيرة جداً في هذا المجال، وإذا زوّدَتنا بشيء، فهو لن يساوي واحداً في المئة من احتياجات السوق اللبناني. وإذا استطاع “حزب الله” أن يأتي ببعض البواخر، فلن تروي حمولتها عطش السوق للمحروقات. ويبقى وقفُ التهريب الحلّ العمليّ الأفضل لِمَن يبحث عن مصالح الشعب اللبناني”.
ولفت كرم إلى أنّ “توفير المشتقّات النفطية أصبح كتوفير المياه من حيث الأهميّة والخطورة. يحتاج إلى عمل يومي وخطط ودراسات وشركات تعمل على خطوط التجارة الدولية على مدار العام من غير أن تقترف ما يوجب عليها العقوبات. ولا يمكن أن تُحلّ الأزمة بالطريقة التي يتحدّث عنها نصرالله، الذي يبدو كَمَن يطبّق مقولة “دبّر راسك”، فيستفيد هو وجماعته ويرمي سائر الشعب اللبناني في المأساة والمعاناة”.
ورأى كرم أنّ “على الدولة أن تتصرّف كدولة، أو تذهب كلّ منطقة إلى تدبير شؤونها بنفسها، بحكم الأمر الواقع، لأنّ تصرّفات السيّد حسن وسياسته واستراتيجيّته وطبيعة حياته ستجعل في بلدنا طبيعتين للحياة: الطبيعة اللبنانية التي ينتمي إليها أكثر اللبنانيين، وهي استمرارية للبنان الحرّ. وفي المقابل، ستجسّد المناطق التي ينتمي إليها السيد حسن النموذج المخطوف، الذي يسيطر عليه حزب الله ويتّخذ من شعبه رهينة”.
إقرأ أيضاً: لبنان يدفع ثمن قيام “عهد حزب الله”
وختم كرم بالقول إنّ “حزب الله يجعل كلّ الشعب رهينة سياساته المتسلِّطة، وسيأتي وقت تتحرّر فيه الأكثرية. ونتّجه بحكم الواقع إلى نوع من أنواع اللامركزية الموسّعة، بحيث تفرز كلّ منطقة إدارتها. ونحمد الله أنّ الجيش اللبناني ما زال صامداً. ونحن ندعو المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان إلى أن يساعدونا بجدّيّة من أجل التخلّص من الاحتلال الإيراني، ومساعدة الجيش على الصمود لحمايتنا وتوفير الأمن للمواطنين ومنع انتشار الفوضى”.