وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري اتّهاماً صريحاً للمحقّق العدلي القاضي طارق البيطار بتجاوز الدستور، وبأنّ ثمّة مَن “يَهمس” في أذنيه ليملي عليه مسار التحقيق في انفجار المرفأ. إذ قال في كلمته في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر: “المطلوب من المحقّق العدلي تطبيق القوانين بدءاً من الدستور”، طالباً منه أن يسمع “صوت العدالة لا مَن يَهمس لك أو يهتف”.
وبرّي الذي جزم أن “لا حصانة فوق رأس أيّ متورّط”، أشار إلى أنّ “في لبنان مَن تعوّد الاستثمار في القضايا المحقّة لأهداف انتخابية رخيصة، وربّما تنفيذاً لأجندات مشبوهة”. وقد فسّرت أوساط حقوقية قول برّي “الويل لقاضي الأرض من قاضي السماء” بأنّه تدخّل من رأس السلطة التشريعية وتهديد صريح منه بوجه أعلى سلطة قضائية اليوم، بحكم الصلاحيات الممنوحة للمحقّق العدلي.
تجزم مصادر دياب لـ”أساس” بأن لا قرار بعد في شأن ردّ أو عدم ردّ الأمانة العامة لرئاسة الحكومة على مذكّرة الإحضار بحقّ رئيس حكومة تصريف الأعمال
كلامٌ لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام في لحظة ترتفع الأصوات خلالها. تلك التي تشكّك بمسار التحقيق وارتباطه بإملاءات وتوجيهات. فالاتّهام الذي أطلقه برّي فتّح الأعين على جهات خارجية تلعب دوراً مؤثّراً في الأزمة القائمة، وأخرى “داخلية” يُسمّيها برّي بالاسم في مجالسه الخاصة دخلت على خط التحقيق وربطت بين مساره وبين ما وَصَفه رئيس مجلس النواب بـ”تحقيق أهداف انتخابية رخيصة”.
قد لا يكون صعباً استنتاج هويّة الجهة التي يلمّح إليها برّي، والتي ركبت موجة “الثورة”، على الرغم من خلفيّتها الأمنيّة السابقة، وتستعدّ لخوض معركة الانتخابات النيابية مجدّداً، فيما العارفون يشيرون أيضاً إلى أنّ بري لا “يَستنظف” دور مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي في هذه المرحلة.
عملياً حاصر البيطار نفسه من خلال تصويبه على “فئة محدّدة”، واستسهال “اصطياد” رئيس الحكومة المستقيلة، في مقابل تراخيه مع قيادات سياسية وأمنية، لا تبدأ برئيس الجمهورية، ولا تنتهي بالمدير العام لأمن الدولة والمدير العام للأمن العام، مروراً بقائد الجيش، وليس انتهاءً بوزراء العدل “الباسيليين”، وكثيرين غيرهم.
التنسيق مع أميركا وفرنسا؟
مع ذلك، بات البيطار يُواجَه اليوم باتّهامات مباشرة، بلقائه مسؤولين أميركيين وبريطانيين وفرنسيين، وبالتنسيق مع جهات داخلية في تحديد وجهة الادّعاءات، والعمل وفق أجندة تتناسب مع “مزاج الرأي العام”.
والاستحقاق الأكثر أهميّة الذي يُواجه البيطار هو احتمال إصداره مذكّرة توقيف غيابية بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بعدما دشّن أول مذكّرة توقيف منذ تسلّمه التحقيقات بحقّ عضو المجلس الأعلى السابق في الجمارك هاني الحاج شحادة.
وبات من المسلّم به أنّ دياب لن يحضر الجلسة التي حدّدها له المحقّق العدلي في 20 أيلول الجاري بموجب مذكّرة الإحضار التي سطّرها بحقّه في سابقة لم يعرفها لبنان في تاريخه، وهذا ما يرجّح الطابع الشعبوي في الأداء في حين أنّ الأخير كان “آخر مَن عَلم” بوجود نيترات الأمونيوم، لكن على أنّها أسمدة زراعية.
يؤكّد مطّلعون لـ”أساس” أنّ النيابة العامّة التمييزية لن تنفّذ مذكّرة الإحضار لأسباب قانونية وسياسية، وأخرى مرتبطة بالتوازنات التي تحول دون توقّع سيناريو حضور قوّة أمنيّة إلى السراي لإحضار رئيس حكومة بالقوة أمام القضاء
ولا يمكن في هذا الإطار تجاهل رأي مدّعي عامّ التمييز القاضي غسان عويدات الذي تنحّى عن الملف بسبب صلة القرابة مع المدّعى عليه الوزير السابق غازي زعيتر.
عويدات، وبعد ردّ مجلس النواب على البيطار بعدم اختصاص القضاء العدلي بالادّعاء والملاحقة، وارتفاع المتراس المذهبي بوجه مذكّرة الإحضار، أفتى بـ”رأي شخصي” قائلاً: “لستُ مع أن يذهب رئيس الحكومة إلى التحقيق لأنّه قدّم إفادته (أمام المحقّق العدلي السابق القاضي فادي صوّان)، وبحسب الدستور يجب أن يدّعي عليه مجلس النواب، وأن يُحاكَم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.
ونظراً إلى موقع القاضي عويدات لا يمكن اعتبار موقفه في توقيت بالغ الحساسية رأياً شخصياً صادراً عن قاضٍ مُلزمٍ بموجب التحفّظ ومتنحٍّ أصلاً عن القضية، وتُوجَّه إليه اتّهامات بـ”إدارة” ملف انفجار مرفأ بيروت بالنيابة عن القاضي الناظر حالياً في القضية غسان الخوري، ومن ضمن هذه الإدارة الإيعاز بحجب الأذونات التي طلبها البيطار لملاحقة قادة أمنيين.
وتجزم مصادر دياب لـ”أساس” بأن “لا قرار بعد في شأن ردّ أو عدم ردّ الأمانة العامة لرئاسة الحكومة على مذكّرة الإحضار بحقّ رئيس حكومة تصريف الأعمال”، فيما يؤكّد مطّلعون أنّ “النيابة العامّة التمييزية لن تنفّذ مذكّرة الإحضار لأسباب قانونية وسياسية، وأخرى مرتبطة بالتوازنات التي تحول دون توقّع سيناريو حضور قوّة أمنيّة إلى السراي لإحضار رئيس حكومة بالقوة أمام القضاء”.
ويشير هؤلاء إلى أنّ “النيابة العامة التمييزية قد تعتبر في ردّها أنّ الاستدعاء ليس من صلاحيّة القضاء العدلي بناءً على الكتاب الذي أرسله مجلس النواب إلى القاضي البيطار في 27 آب الماضي، والذي يفيد بأنّ هذا الأمر موضوع ملاحقة أمام المجلس النيابي وفقاً للمواد 70-71-80 من الدستور”، وبناءً على عدم صدور المذكّرة عن المرجع المختصّ فإنّ النيابة العامة تُعفى من مسؤولية تنفيذها.
إقرأ أيضاً: محاكاة 4 آب… تعزّز نظرية “التلحيم”
في هذه الأثناء، صعّد البيطار بتوقيفه عضو المجلس الأعلى للجمارك، ومدير إقليم بيروت السابق في الجمارك، هاني الحاج شحادة، وسرّب في بعض الوسائل الإعلامية أنّ أيلول سيكون حامياً، في استمرار لمخاطبة مشاعر أهالي الضحايا، وباستهدافه الرأي العام من خلال عمله الذي يفترض أن يكون سريّاً بموجب التحفّظ.