بات رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي على حافّة الاعتذار. كلّ المؤشّرات الموضوعة بين يديه تشي بأنّ التأليف ضرب من ضروب الخيال نظراً إلى أنّ شروطه معقّدة وصعبة التحقيق. لكنّ الرجل لن يقول وداعاً قبل أن يتأكّد “مليون بالمية” أنّ طريقه إلى السراي مقطوعة بعوائق مطالِب الفريق العوني، التي يجوز اختصارها بمطلب واحد: مستقبل جبران باسيل السياسي، تحت عنوان الثلث المعطِّل.
بادر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يوم الأحد الماضي إلى عرض وساطته بين رئاسة الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، لكنّ ألغام حقل التأليف لا تكمن في تعطّل خطّ الاتصال والتواصل بين الطرفين، ذلك لأنّ ميقاتي سجّل 13 جلسة مع رئيس الجمهورية خلال شهر من تكليفه، وهو عددٌ من اللقاءات لا يُستهان به. بل تكمن في ما يستطيع ميقاتي القيام به لتلبية مطالب الفريق العوني. وحتى ساعات بعد الظهر، كانت بورصة التشاور “عن بُعد” بين بعبدا ومقرّ ميقاتي، لم تسجّل أيّ تقدم أو تطوّر يُذكَر.
يخوض الرئيس ميشال عون، ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، آخر معارك العهد، على طريقة “الحياة أو الموت”؟ فيحاذر هذا الفريق تقديم أيّ تنازل، ولو ادّعى العكس
ومع ذلك، لا يضرب رئيس الحكومة المكلّف موعداً للاعتذار، أقلّه في المدى القريب، متفرّغاً لنفي ما يتداوله الإعلام عن حركته، وآخرها نفيه أمس خبر زيارة مرتقبة له لإحدى العواصم العربية لاستكشاف الأوضاع، ولو أنّ كل الإشارات الصادرة من حوله، ومن جانب نادي رؤساء الحكومات السابقين، تشي بأنّ العهد سيشهد خروج آخر المكلّفين من قصر بعبدا… بلا حكومة.
يخوض الرئيس ميشال عون، ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، آخر معارك العهد، على طريقة “الحياة أو الموت”؟ فيحاذر هذا الفريق تقديم أيّ تنازل، ولو ادّعى العكس. زعلى الرغم من أنّه يعتمد أسلوب المراوغة في تقديم الأسماء وخلط أوراقها، إلا أنّه في المحصّلة يسعى إلى تجميع “ثلث معطِّل” في الحكومة.
هذه آخر أوراق ميشال عون، فإمّا أن ينجح فيها، وإمّا فلتكن الفوضى، علّها تحمل معها نفضة سياسية شاملة تغيِّر كلّ الواقع.
يدرك ميقاتي هذه المعادلة، لكنّه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، لأنّ أيّاً من شركائه، سواء كانوا محليين أو دوليين، لا يسمح بتجيير هذا الثلث لجبران باسيل. ومع ذلك لا يزال ميقاتي يحاول. لأنّ اعتذاره سيكون باباً مشرّعاً أمام فوضى لا يريدها أحد:
الأميركيون والفرنسيون يطالبونه بالتريّث قليلاً قبل أن يقفل عائداً إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين.
رؤساء الحكومات السابقون يتصرّفون على قاعدة أنّ ميقاتي هو آخر المكلّفين في عهد عون، لكن في قرارة أنفسهم يعرفون أنّ اعتذار ميقاتي يعني أخذ البلد إلى المجهول. صحيح أنّهم يستخدمون عصا الضغط على ميقاتي للاعتذار، لكنّ المطّلعين على جلساتهم المغلقة يؤكّدون أنّهم يفضّلون أن يوظّف رئيس الحكومة المكلّف كلّ الوقت المتاح والممكن، علّه يتمكّن من كسر هذا الجمود القاتل، لأنّ إغراق البلد يعني إغراق كلّ القوى السياسية.
رؤساء الحكومات السابقون يتصرّفون على قاعدة أنّ ميقاتي هو آخر المكلّفين في عهد عون، لكن في قرارة أنفسهم يعرفون أنّ اعتذار ميقاتي يعني أخذ البلد إلى المجهول
الثنائي الشيعي أيضاً لا يريد لميقاتي أن يتراجع إلى الصفوف الخلفيّة، ويعتقد أنّها الفرصة الأخيرة لتحقيق خرق، ولو كان محدوداً، من باب وقف الانهيار. واللافت أنّ “حزب الله” لم يعد يلجم انزعاجه من سلوك الفريق العوني، ولا يتردّد في تسجيل ملاحظات سلبيّة، على مسمع من بعض الحلفاء، على مقاربة العهد للملفّ الحكومي.
لكن لماذا لا يضغط “حزب الله” على جبران باسيل للدفع باتجاه التأليف؟
كلّ مَن يعرف طبيعة العلاقة بين الطرفين، والظروف التي تحيط برئيس التيار الوطني الحر، يدرك تماماً مدى الدقّة في التعاطي التي يعتمدها “حزب الله” في علاقته مع الفريق العوني، خصوصاً في الفترات الأخيرة التي شهدت الكثير من الاختلافات والتباينات.
إقرأ أيضاً: المحيطون بعون: ميقاتي رئيس مكلّف بوجهين
فقبيل إدراج باسيل على لائحة العقوبات، كانت رئاسة الجمهورية على رأس قائمة مطالبه، وقد حاول بطريقة غير مباشرة الحصول على وعد من “حزب الله” بدعم ترشيحه اعتقاداً منه أنّ باستطاعته أن يعيد تكرار تجربة ميشال عون في الحصول على وعد من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله بتبوُّؤ رئاسة الجمهورية. لكنّ الظروف اختلفت كلّياً، وجبران باسيل ليس ميشال عون. ويفضّل “حزب الله” أن لا يقارب الاستحقاق الحكومي بالعمق مع حليفه العوني من باب معالجة مطالب باسيل، لكي لا يُضطرّ إلى فتح باب النقاش في مستقبله السياسي… ولذا كانت أولى وصاياه إلى نجيب ميقاتي: معك في كلّ شيء، إلّا “إقناع” الفريق العوني.