عبد اللهيان في قمّة بغداد: أهانَ العرب وحيّا سُليماني

مدة القراءة 6 د

لم يترك وزير الخارجيّة الإيرانيّ الجديد حسين أمير عبد اللهيان خطوةً لإفشال جهود رئيس الوزراء العراقي مُصطفى الكاظميّ وسعيه من أجل استعادة دور بلاده الطّبيعيّ إلّا وقام بها أثناء مُشاركته في مؤتمر دول جوار العراق الذي عُقِدَ السّبت في بغداد.

من لحظة وصوله حتّى التقاط الصّورة التّذكاريّة، ثمّ إلقاء كلمته في المؤتمر، تركّزت جهود عبد اللهيان على أمرٍ واحدٍ فقط: “استعراض العنجهيّة الإيرانيّة أمام الدّول العربيّة”.

أعرَب مصدرٌ عراقيّ مُقرّب من الرّئيس مصطفى الكاظمي لـ”أساس” عن أسفِه لخطوة عبد اللهيان: كنّا نأمل أن يلتزم الوزير الإيراني بالأصول البروتوكوليّة، ويَقِفَ في المكان المُخصّص له في الصّفّ الثّاني إلى جانب وزير الخارجيّة السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان

حاوَل الكاظميّ بكلّ ما أوتيَ من قوّةٍ أن تكون القمّة لحظة تلاقٍ وحوارٍ لدول المنطقة، ومحاولة لخفض التّصعيد بين دول مجلس التّعاون الخليجيّ وإيران.

إلّا أنّ الأخيرة، على الرّغم من تصريحات مسؤوليها من أعلى الهرم بدءاً من الرّئيس إبراهيم رئيسي إلى أسفله عن “سياسة متوازنة في المنطقة، وانفتاحٍ على دول الجوار في الخليج العربيّ”، أبت إلّا أن تُرسِل إشاراتٍ سلبيّة على مرأى ومسمعٍ من قادة الدّول المُشاركة أو مَن يُمثّلهم من وزراء خارجيّة.

كادت أفعال عبد اللهيان أن تغطي على لحظات تاريخيّة في القمّة نجح فيها رئيس الوزراء العراقيّ. أولاها جمع الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي مع أمير قطر الشّيخ تميم بن حمد. وثانيتها جمع الشّيخ تميم مع رئيس الوزراء الإماراتي حاكم دبي الشّيخ محمّد بن راشد آل مكتوم.

مع ترجّله من الطّائرة التي أقلّته إلى مطار بغداد ليُمثّل بلاده في القمّة، خرجَ وزير الخارجيّة الإيرانيّ ليزور “النّصب التّذكاريّ لقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشّعبيّ السابق أبو مهدي المُهندس” على سور المطار.

هذه الوقفة في موقع الاغتيال مؤشّرٌ واضحٌ على أنّ سياسة إيران الخارجيّة لا تزال على حالها، بل وتأكيدٌ على استمرار النّهج الذي أرساه سليماني في دعم الميليشيات الإيرانيّة في المنطقة.

من المطار، توجّه رأس الدّبلوماسيّة الإيرانيّة المدعوم من “فيلق القدس” في الحرس الثّوريّ نحو مقرّ القمّة. هناك، فجّر حسين عبد اللهيان كلّ ما في جعبته من استفزازات للدّول العربيّة والدّول المُشاركة:

أوّلًا، لم يلتزم الدّبلوماسيّ الإيرانيّ بالأصول البروتوكوليّة في الوقوف في الصّف الثّاني لالتقاط الصّورة التّذكاريّة، لكونه وزيراً وليسَ رئيس دولة. إذ سارَع بطريقة مُراوغة إلى الوقوف في الصّفّ الأوّل بين الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي وحاكم دبي الشّيخ محمّد بن راشد. أثارت هذه الخطوة امتعاض الحاضرين، وعلى رأسهم الشّيخ محمّد بن راشد الذي أوكل إلقاء كلمة بلاده إلى وزير الطّاقة الإماراتيّ سهيل بن محمّد المزروعي، وامتعاض الدّولة المضيفة العراق.

حاوَل الكاظميّ بكلّ ما أوتيَ من قوّةٍ أن تكون القمّة لحظة تلاقٍ وحوارٍ لدول المنطقة، ومحاولة لخفض التّصعيد بين دول مجلس التّعاون الخليجيّ وإيران

وقد أعرَب مصدرٌ عراقيّ مُقرّب من الرّئيس مصطفى الكاظمي لـ”أساس” عن أسفِه لخطوة عبد اللهيان، بالقول: “كنّا نأمل أن يلتزم الوزير الإيراني بالأصول البروتوكوليّة، ويَقِفَ في المكان المُخصّص له في الصّفّ الثّاني إلى جانب وزير الخارجيّة السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان. إذ إنّ المسؤولين العراقيين تعمّدوا تحديد مكان وقوف عبد اللهيان إلى جانب نظيره السّعوديّ، عسى أن تُسفر الخطوة عن مُصافحة بينهما تكسر الجليد في العلاقات المُتوتّرة بين قُطبيْ المنطقة”.

ورَفَض المصدر أن تُصنَّف هذه الخطوة في خانة “السّهو”، إذ إنّ عبد اللهيان، بحسب كلامه، “دبلوماسيّ عريق، يفقه الأصول الدّبلوماسيّة ويُتقن رسائلها”.

ثانياً، أثناء إلقاء كلمة إيران، كان لافتاً تعمُّد عبد اللهيان تلاوة كلمة بلاده باللغة العربيّة، على الرّغم من أنّ لغة المُخاطبة الرّسميّة لبلاده هي اللغة الفارسيّة حصراً. استخدام عبد اللهيان للسانه العربيّ ليسَ عن عبث، بل هو لتأكيد كلّ كلمة قالها في الخطاب بعيداً عن “سوء التّرجمة” من الفارسيّة إلى العربيّة الذي قد يحدث.

بدأ وزير الخارجيّة الإيرانيّ كلمته باستذكار سوريا، التي أشارَ إلى أنّه كان ينبغي دعوتها بحجّة أنّها من دول جوار العراق. لكنّ عبد اللهيان يعلم أنّه لو تمّت دعوة نظام الأسد إلى القمّة، لامتنعت أكثر الدّول الحاضرة، مثل فرنسا وتركيا وقطر وربّما السّعوديّة، عن المُشاركة.

وفي هذا الصدد، يُعقّب المصدر العراقيّ نفسه على كلام عبد اللهيان، فيشير إلى أنّ هدف القمّة هو بحث مشاكل المنطقة التي تُشكّل سوريا إحدى أهمّ ركائزها، فكيف تُشارك وهي بحدّ ذاتها مُشكلة ستبحثها الدّول المُشاركة؟

ثالثاً، حاول عبد اللهيان استفزاز الجانب العراقيّ المُمثَّل برئيس الوزراء مصطفى الكاظميّ الذي لعب دورَ الوسيط في “مُباحثات نيسان” بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران. إذ تعمّد أن يقول إنّ حجم التّبادل التّجاريّ السّنويّ بين بلاده والعراق بلغ 300 مليار دولار. هذه الخطوة استدعت ردّاً عراقيّاً فوريّاً على المسؤول الإيرانيّ بالتّأكيد أنّ حجم التّبادل كان 13 مليار فقط. وقد التقطت عدسات المصوّرين أحد المسؤولين العراقيين يشير بحركةٍ استنكاريّة لكلام عبد اللهيان لوصف كلامه بالـ”جنون”.

إقرأ أيضاً: قراءة إيرانيّة لقمّة بغداد(1/2): خوف من الأهداف والتوظيف

رابعاً، أمعنَ عبد اللهيان في رفضِ التّدخّلات الخارجيّة في العراق، مُتناسياً دور بلادهِ المُتدخّل الأبرز في شؤون بلاد الرّافدين. ولعلّ الاجتماع الشّهير لقاسم سليماني بالمسؤولين العراقيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السّابق عادل عبد المهديّ، بعد اندلاع ثورة تشرين الأوّل 2019، حيث أمرهم بقمع المُتظاهرين بوضع مُسدّسه على الطّاولة أمامهم، هو خير دليلٍ على هذا التّدخّل.

انتهَت “قمّة بغداد” إلى مُصالحة بين العرب أنفسهم، وإلى إمعانٍ إيرانيّ في البُعدِ عنهم، والإصرار على التّصرّف بسلوكٍ غير طبيعيّ في المنطقة، أكّدته التّصرّفات غير الدّبلوماسيّة لرأس دبلوماسيّتها… فهل تكون خطوات عبد اللهيان هي الأخيرة قبل العودة الإيرانيّة بقيادة إبراهيم رئيسيّ إلى الحوار مع دول المنطقة؟ أم هي إعلان كسر الجرّة وما فيها؟ الأيّام كفيلة بالإجابة، والخيار الثاني الأكثر ترجيحاً…

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…