يتوقّف الكثير من الأوساط السياسية أمام التوقيت الذي اختاره رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للدعوة إلى عقد قمة إقليمية – دولية في بغداد هدفها حلّ الأزمات الأمنيّة في المنطقة وتنمية الأرضية التجارية للعراق، خصوصاً أنّ هذا التوقيت يأتي قبل نحو شهرين من التاريخ المحدّد لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة (10 تشرين الأول)، وحسم الجدل المتعلّق بالدعوات المطالبة بتأجيلها.
في حال نجح الكاظمي في التقريب بين الرياض وأنقرة، فهل سيكون قادراً على ضبط تداعيات هذا التقارب على العلاقة بين العراق وإيران، أو في تخفيف الهواجس الإيرانية من هذا التقارب الذي يأتي متزامناً مع تقارب مماثل بين أنقرة والإمارات العربية المتحدة
يتخوّف المتشكّكون في أهداف القمّة من الدفعة الكبيرة التي سيحظى بها الكاظمي على المستوى الإقليمي والدولي، خصوصاً في حال نجاحه في حشد القيادات العليا للدول المدعوّة. وعلى الرغم من أنّ الحديث يدور عن مشاركة قيادات كلّ من السعودية وإيران والإمارات والأردن ومصر وتركيا، بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومشاركة أميركا وبريطانيا وألمانيا وأستراليا وغيرها، إلا أنّ بعض الأطراف كان حريصاً على تمرير تسريبات تتحدّث عن أنّ مشاركة بعض هذه الدول لن تكون على مستوى القيادات العليا.
وتحاول هذه الجهات اتّهام الكاظمي بمحاولة توظيف نتائج هذه القمّة لتثبيت مواقعه في الحياة السياسية وتعبيد الطريق أمام عودته إلى رئاسة الوزراء لدورة طبيعية، معتمداً على التحالفات التي نسجها وستساعد القمّة على تدعيمها بتبنّي عودته إلى السلطة. بالإضافة إلى إمكان حصوله على دعم إقليمي، فيتحوّل إلى نقطة تلاقٍ واتفاق بين القوى المؤثّرة في الساحة العراقية، خاصة إذا ما استطاع تحقيق الهدف الأبرز الذي يسعى إليه في إعادة العلاقات بين إيران والسعودية وإنهاء حالة القطيعة بينهما والتأسيس لمرحلة من التفاهم على القضايا الإقليمية، ومن بينها العراق واليمن.
يتعارض العنوان، الذي وضعه الكاظمي لقمّة بغداد، مع حقيقة الأزمات التي يعانيها العراق، ويتجاوز المهمّة التي أُوكِلت إليه عند اختياره رئيساً لحكومة انتقالية. إذ ترى القوى المعارضة للكاظمي والمتخوِّفة من طموحاته، أنّ الأزمة الحقيقية التي يعانيها العراق هي الفساد والمحاصصة التي أنتجت فشلاً في أداء المؤسسات الرسمية للدولة، وتفلّتاً أمنياً بسبب عدم معالجة أزمة السلاح العشوائي لبعض الميليشيات. وعليه، لن تحقّق هذه القمّة أيّ إنجاز للشعب العراقي الذي يتطلّع وينتظر من الحكومة أن تحلّ أزماته الاقتصادية والمعيشية وإيجاد فرص عمل.
الأهداف التي تحدّث عنها الكاظمي للقمّة، من المسائل الأمنيّة إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي، دفعت القوى المعارضة له إلى اتّهامه بالسعي إلى توظيف المنجز الدبلوماسي في تعزيز مواقعه الداخلية، ومحاولة البحث عن حلول خارجية لأزمات العراق السياسية والاقتصادية. وهي محاولات بدأت، حسب هذه القوى، في القمّة الثلاثية بين العراق والأردن ومصر، التي استضافتها بغداد، ووقّع فيها الحاضرون تفاهمات لتوسيع التعاون السياسي والاقتصادي بينهم.
ترى القوى المعارضة للكاظمي والمتخوِّفة من طموحاته، أنّ الأزمة الحقيقية التي يعانيها العراق هي الفساد والمحاصصة التي أنتجت فشلاً في أداء المؤسسات الرسمية للدولة
وتنظر الأوساط السياسية العراقية بعين الريبة إلى المشاركة الفرنسية بشخص رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون في القمّة، وتضع هذا الموقف وكلامه عن دعم العراق والكاظمي وسياساته المتوازنة والمعتدلة لتعزيز أسس السلام والاستقرار في إطار سعي الرئيس الفرنسي إلى دعم استمرار الكاظمي في موقعه، الأمر الذي سيزيد الشكّ في الدور الفرنسي وأهدافه، إذ يحاول استغلال العلاقة مع العراق لإعادة ترميم دوره في المنطقة، خصوصاً لبنان.
والسؤال الذي تطرحه عناوين هذه القمّة والأطراف المشاركة فيها: هل سيكون الكاظمي قادراً على تحقيق خرق في جدار الصراعات والخلافات بين القوى الإقليمية، وأن يجمعها إلى طاولة واحدة، وأن يدفع باتجاه عقد لقاءات ثنائية بين بعض الدول، بحيث تؤسّس هذه اللقاءات لإنهاء خلافات مزمنة معقّدة ومركّبة يتداخل فيها الأمن القومي والصراع على المصالح في الإقليم مع اتّهامات كلّ طرف للآخر باستهداف استقراره وأمنه الداخلي.
وإذا ما كان الكاظمي قد وضع مسألة عقد لقاء ثنائي بين الجانبين السعودي والإيراني كأحد الأهداف الاستراتيجية لهذه القمّة، وكرهان على تكريس دور فاعل للعراق في المساعدة على حلّ أزمات مزمنة في الإقليم، فهل سيكون قادراً على تطوير الحوار الذي بدأ بين الرياض وأنقرة بهدوء وبعيداً عن الضجيج الإعلامي والسياسي، وينتقل به إلى قمّة ثنائية أيضاً تؤسّس لعودة العلاقة بين هذين البلدين؟
وفي حال نجح الكاظمي في التقريب بين الرياض وأنقرة، فهل سيكون قادراً على ضبط تداعيات هذا التقارب على العلاقة بين العراق وإيران، أو في تخفيف الهواجس الإيرانية من هذا التقارب الذي يأتي متزامناً مع تقارب مماثل بين أنقرة والإمارات العربية المتحدة، فيضمن أن لا تُوظَّف هذه التطوّرات لتشكّل تهديداً مباشراً للمصالح القومية والاستراتيجية لإيران في منطقة غرب آسيا، خصوصاً أنّ تركيا والإمارات لعبتا دوراً واضحاً في الأزمة الأفغانية، وتسعيان إلى استمراره بعد سيطرة طالبان وتطويره، في حين أنّ السعودية لن تتردّد في اغتنام أو استغلال أيّ فرصة لتوسيع تأثيرها الإقليمي من خلال الدخول على خطّ الأزمة الأفغانية على أسس تختلف عمّا كان سائداً في الماضي؟ وكيف سيكون الكاظمي قادراً على المساعدة في فتح حوار مباشر بين القاهرة والرئيس عبدالفتاح السيسي وتركيا ورئيسها رجب طيب إردوغان؟ وكيف سيتعامل رئيس الوزراء العراقي مع الطموحات التركية وتدخّلاتها في الشأن الداخلي العراقي واستباحتها للسيادة العراقية من خلال العمليات العسكرية التي تقوم بها داخل العراق بذريعة محاربة عناصر حزب العمّال الكردستاني، بالإضافة إلى 35 قاعدة عسكرية أقامتها داخل الأراضي العراقية، والتهديد الذي صدر عن بعض قوى المقاومة العراقية التي هدّدت بالتعامل مع الوجود العسكري التركي كقوات احتلال لا تختلف عن القوات الأميركية؟
إقرأ أيضاً: “فورين بوليسي”: العراق تخشى مصير أفغانستان
أسئلة كثيرة ومتشعّبة تثيرها هذه القمّة والأهداف التي تكمن وراءها، وكيفيّة توظيفها على الساحة السياسية الداخلية عشيّة الانتخابات البرلمانية المرتقبة. وهي أسئلة لا تلغي حالة القلق التي تعتري إدارة الكاظمي، وتخبّطها في التعامل مع الجهات المدعوّة، وعدم التنسيق بين رئاسة الوزراء والخارجية العراقية، الذي برز بشكل واضح في ردّة فعل الوزير فؤاد حسين على زيارة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض إلى سوريا، ولقائه الرئيس بشار الأسد، وحمله دعوة له إلى المشاركة في القمّة بتكليف من جهات غير عراقية (إيران)، وذلك وفق بعض التسريبات غير الدقيقة، وإصدار بيان يؤكّد عدم علم الوزارة بهذه الزيارة وهذه الدعوة، وأنّ الأسد غير مدعوّ إلى المشاركة، فردّ الفياض ببيان يوضح فيه أنّه يحمل رسالة من رئيس الوزراء تشرح أسباب عدم دعوة سوريا إلى المشاركة.