قراءة إيرانيّة لقمّة بغداد(2/2): العقدة الإيرانيّة – السعوديّة

مدة القراءة 7 د

“حتى لو لم تكن الوساطة العراقية، فإنّ طهران مصمّمة على تحسين علاقاتها مع الرياض”، هذه خلاصة القناعة التي تتحدّث عنها دوائر القرار الإيراني في هذه المرحلة، وهي خلاصة لن يخرج عنها أو عليها الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي في المرحلة المقبلة، لأنّها تعبير عن قرار استراتيجي صاغته القيادة العليا ودوائر صنع القرار في مؤسسة حرس الثورة والمجلس الأعلى للأمن القومي، وعلى السلطة التنفيذية رئيساً ووزيراً للخارجية الالتزام بها وتنفيذها.

وتعترف هذه الدوائر بالآثار السلبية الناتجة عن تأزّم العلاقات بين إيران والسعودية، وأنّ من المفترض أن تكون على غرار العلاقات العادية التي تربطها بمختلف دول المنطقة، مثل العلاقة الطبيعية مع الأردن والإمارات، والممتازة مع عُمان وقطر وسوريا، والجيّدة مع تركيا.

انطلاقاً من هذه القناعة، يأتي الاهتمام الإيراني بالقمّة التي يستضيفها العراق اليوم، خصوصاً أنّ طهران لم تبدِ أيّ ممانعة لإدراج مسألة العلاقات الإيرانية السعودية والسعي إلى عقد لقاء ثنائي بين الطرفين وتطبيع العلاقات، كأحد أبرز عناوين اهتمامات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في هذه القمّة. وقد كشف عن هذه الاهتمامات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بعد تسليمه دعوة المشاركة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران قبل أيام.

يبدو أنّ طهران، لم تعد راضية عن التمسّك السعودي بحصر المفاوضات في الجانب المتعلّق بالأزمة اليمنية، فهي تسعى إلى توسيع هذه المفاوضات لتشمل جميع المسائل العالقة بينهما

فالعلاقات الإيرانية السعودية كانت دائماً محكومة بمقتضيات وضرورات جيوسياسية للبلدين، وغلب عليها الطابع السلبي في غالبية الأوقات، قبل الثورة الاسلامية وبعدها. وكانت الأزمة، التي برزت في السنوات الأخيرة، قد انتهت إلى قطع العلاقات بين البلدين. ولم تكن، حسب القراءة الإيرانية، نتيجة الاعتداء المباشر الذي تعرّضت له السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد فحسب، بل تداخل معه الصراع بينهما في المسائل الإقليمية، إلى جانب الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وتسعى إيران إلى تطوير المسار التفاوضي الذي بدأ في شهر نيسان في بغداد، والذي شهد انعقاد ست جلسات شارك في واحدة منها قائد قوة القدس الجنرال إسماعيل قاآني عن الطرف الإيراني، ثمّ انتقل البحث إلى إعادة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها. وهو مسعى يحاول الفصل بين هذا المسار وما يجري في جنيف من مفاوضات حول إعادة إحياء الاتفاق النووي. لذلك ترى طهران أنّ قمة بغداد تشكّل فرصة ونافذة مهمّة لتحقيق هذا الهدف، خصوصاً إذا ما كان لدى الجانب السعودي رغبة حقيقية وجدّية بذلك، فلا تعمد الرياض إلى تأجيل الخطوة الحاسمة بانتظار ما ستنتهي إليه مفاوضات جنيف النووية.

ويبدو أنّ طهران، وتحديداً المؤسسة العسكرية التي يمثّلها حرس الثورة، لم تعد راضية عن التمسّك السعودي بحصر المفاوضات في الجانب المتعلّق بالأزمة اليمنية، فهي تسعى إلى توسيع هذه المفاوضات لتشمل جميع المسائل العالقة بينهما، ومنها إعادة العلاقات. وتعتبر طهران هذا التمسّك السعودي بالأولويّة اليمنية مؤشّراً إلى عدم الجدّيّة في الحوار، خاصة أنّ التعاون بين البلدين في إدارة الخلاف بينهما يعتبر ضرورياً بالنسبة إلى طهران للحدّ من الخسائر التي تلحق بالجميع جرّاء استمرار التوتّر والخلافات.

من هنا، كان التعاطي الإيراني مع إمكان نجاح المساعي العراقية إلى عقد لقاء ثنائي بين الجانبين الإيراني والسعودي على هامش قمّة بغداد، تعاطياً إيجابيّاً لأنّ طهران تحتاج إليه ويساعد على حلّ الكثير من العقد في المنطقة. إلا أنّ هذه الخطوة بحاجة أيضاً إلى قرار إيراني بالتعاون الجدّيّ مع المطالب والهواجس السعودية الإقليمية، سواء في اليمن أو العراق أو لبنان أو سوريا، حتى لا يعتقد الجانب السعودي بأنّ عودة العلاقات والتعاون ستكون فقط لمصلحة إيران، وستعزّز من نفوذها وقوّتها على حساب المصالح السعودية، وبالتالي سيُنتج هذا التعاون أوضاعاً جديدة في المنطقة، ويخرجها من الجمود الذي تواجهه، ويؤسّس لتحوّلات وتطوّرات كبيرة تجعل إيران في موقع متقدّم على حساب الآخرين، خاصة الرياض.

قد تكون للرياض مصلحة في حلّ خلافاتها مع طهران، فهي تساعد في إقناع إيران بممارسة الضغط على الحوثيين لإنهاء أزمة اليمن، وتسمح للرياض بأن تلعب دوراً كبيراً في صياغة حلول لأزمات العراق ولبنان وسوريا

وتزداد الحاجة الإيرانية إلى تطوير وتحسين علاقاتها مع السعودية، لاستثمار إرباك الولايات المتحدة في تنفيذ الاستراتيجية التي تنوي تطبيقها في المنطقة. فواشنطن لن تكون قادرة على مغادرة المنطقة في ظلّ عدم اتّضاح مصير الأزمتين اليمنية والسورية. وإنّ المدخل الأساس لإنهائهما يكمن في حلّ الاختلافات بين السعودية وإيران. لذلك تأمل طهران أن تبدي الرياض بعضاً من الليونة في ما يتعلّق بعودة العلاقات وتثمير المسار التفاوضي الذي انطلق بين البلدين وتطويره، على غرار ما تقوم به مع تركيا والعراق الذي رفعت مستوى التعامل معه. وإنّ أيّ تقارب بين الرياض وطهران يسهّل التعامل مع تداعيات وآثار القرار الأميركي بالخروج من المنطقة، ويمنع انزلاقها نحو مزيد من التوتّر ومخاطر الانفجار.

وتبرز أهميّة قمّة بغداد بالنسبة إلى إيران في أنّها تساعد على استيعاب مخاطر الاستراتيجية الأميركية الجديدة، خصوصاً أنّ استمرار الوضع الحالي وما فيه من توتّر وتنافس وصراع بين البلدين قد يؤدّي إلى إدخال المنطقة في حالة من عدم الاستقرار والتنافس الخطر الذي ستكون المنطقة من لبنان وسوريا والعراق إلى الخليج واليمن ساحته الأكثر تأثّراً، مع عدم استبعاد إمكان أن تدخل أفغانستان على خط التنافس أيضاً، خصوصاً بعد التطوّرات الأخيرة واستيلاء طالبان على السلطة.

قد يكون الطرفان بحاجة إلى مزيد من الوقت لترميم العلاقات بينهما. وإنّ التوقّف في الحوارات، الذي حدث نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية، من المتوقّع أن يدفع الرئيس الجديد إلى استئنافها بجدّية أكثر وأكبر، بما ينعكس إيجابياً على استقرار الشرق الأوسط. إلا أنّ التوجّس السعودي المحقّ من الطموحات الإيرانية وسعي طهران إلى فرض هيمنتها على المنطقة على حساب الأطراف الأخرى، قد يلجم الإيجابية السعودية. من هنا قد لا يكون مستبعداً أو غريباً أن تلجأ طهران إلى توظيف الحوار والمفاوضات النووية بينها وبين الولايات المتحدة كعامل طمأنة للجانب السعودي. بالإضافة إلى ضمانات أميركية واضحة والتزام صريح بالدفاع عنها في حال تعرّض أمنها واستقرارها لخطر وتهديد من إيران أو حلفائها.

كذلك قد تكون للرياض مصلحة في حلّ خلافاتها مع طهران، فهي تساعد في إقناع إيران بممارسة الضغط على الحوثيين لإنهاء أزمة اليمن، وتسمح للرياض بأن تلعب دوراً كبيراً في صياغة حلول لأزمات العراق ولبنان وسوريا، وأن تكون نقطة توازن في الصراعات المتصاعدة على النفوذ بين إيران من جهة، وتركيا وإسرائيل من جهة أخرى، خصوصاً في ظلّ عودة الحرارة إلى العلاقات بين الرياض وأنقرة.

إقرأ أيضاً: قراءة إيرانيّة لقمّة بغداد(1/2): خوف من الأهداف والتوظيف

وتعتقد طهران أنّ استمرار التوتّر مع السعودية قد يبدّد طموحاتها في تسريع خروج القوات الأميركية من المنطقة. لذلك ترى أنّ عودة العلاقات مع الرياض تساعد في تحقيق هذا الهدف، وأنّ التعاون بينهما يحقّق السلام في الشرق الأوسط. وكان الرهان على تحقيق اختراق في الحوارات الثنائية ذات البعد الأمني، والانتقال بها إلى المستويات السياسية وإعادة العلاقات، من أبرز هواجس إيران التي تأمل أن تساعد قمّة بغداد على تحريك مسار الحوار بانتظار الخطوة الحاسمة.

مواضيع ذات صلة

رجال ترامب هم رجال إسرائيل!

تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي…

هل ينفع الحوار مع إيران للاستغناء عن خدماتها؟

حين تتحدّث مع دبلوماسيين غربيين عاملين على مسائل لبنان والمنطقة هذه الأيام، يصغون بشيء من اللياقة لما يُعرض من التفاصيل المتعلّقة بصيغة لبنان، سواء في…

صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟ الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين…

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…