تطبع الضبابية مسار تشكيل الحكومة. فالأجواء المستقاة من محيط الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي تنطوي على تناقضات أصبحت من الثوابت. تتوزّع المواقف، التي يشيعها ميقاتي، بين ما هو إيجابي، وما هو سلبي. أمام بعض المقرّبين يعتبر أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون متعاون معه، وأنّ الأجواء إيجابية، والأمر يحتاج إلى بعض الوقت لإنضاج التسوية ككل. وأمام آخرين يعمد ميقاتي إلى إشاعة أجواء سلبية، يشير فيها إلى أنّه لم يعد قادراً على تحمّل شروط رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لا يريد حكومة ولا يترك فرصة إلا ويفرض فيها المزيد من الشروط.
يبدو ميقاتي كَمَن يريد تشكيل حكومة، لكنّه لا يحسن إدارة معركة التأليف. فـ”ويله” بيئته الحاضنة الداعمة له، و”ويله” الصدام مع رئيس الجمهورية الذي بيده التوقيع، ولن يوقّع على أيّ تشكيلة حكومية لا تلبّي مصالحه وتطلّعاته
تدلّ هذه الأجواء المتناقضة على حالة الوهن الموجودة والقائمة، وهي بنت معادلة واضحة قالها ميقاتي سابقاً: “لقد كُلِّفت كي أؤلّف”. لا يزال يبحث عن توفير كل الشروط التي تنجز التأليف، مع تجاوز أيّ عقبة قد يفرضها رؤساء الحكومة السابقون، أو الطائفة السنّيّة بشكل عام، ودوماً تحت عنوان “حماية البلد ومصلحته”.
ينظر ميقاتي إلى كلّ التطوّرات وكأنّها تصبّ في مصلحته: قرارات رفع الدعم، استقدام النفط الإيراني من قبل حزب الله، في مقابل الإعلان عن مشروع توريد الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان. فيرى أنّ حكومته قد تتشكّل بفعل تطوّرات خارجية تفرض تسوية في الداخل، ولا سيّما أنّه يستند إلى دعم فرنسي، ويراهن على موقف أميركي داعم له.
يبدو ميقاتي كَمَن يريد تشكيل حكومة، لكنّه لا يحسن إدارة معركة التأليف. فـ”ويله” بيئته الحاضنة الداعمة له، و”ويله” الصدام مع رئيس الجمهورية الذي بيده التوقيع، ولن يوقّع على أيّ تشكيلة حكومية لا تلبّي مصالحه وتطلّعاته.
في نظرة أبعد إلى كل تلك التطوّرات، فإنّ مسار إدخال النفط الإيراني إلى لبنان، وترتيب الاتفاق الدولي الإقليمي على استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا، ستكون عناصر جديدة مضافة إلى المزيد من الإحباط السنّيّ. فحزب الله سيعلن انتصاره في مقاربة متعدّدة الأوجه:
– أوّلاً: نجاحه في إيصال النفط الإيراني إلى لبنان.
– وثانياً: استدراج الأميركيين إلى اللعبة التي يريدها وسيعلن من خلالها كسر الحصار.
– وثالثاً: دفع الدول العربية والغربية إلى التطبيع مع النظام السوري.
– ورابعاً: أن يفرض على الدولة اللبنانية أن تدخل في مفاوضات رسمية ومباشرة مع نظام بشّار الأسد.
وحدهم السنّة سيجدون أنفسهم على هامش المشهد، غير قادرين على التأثير في المعادلة. فحزب الله يقارع الغرب والأميركيين، وينجح في انتهاز الفرص. أمّا عون فيحكم وحيداً، ويُبلَّغ بمشاريع خارجية يستطيع الرهان عليها للإعلان عن فكّ الحصار. فيما ميقاتي ينتظر أيّ فرصة لتشكيل حكومته
على الضفة المقابلة، سيكون ميشال عون أيضاً من مدّعي الانتصار، فالأميركيون قد أبلغوه مباشرة، عبر السفيرة الأميركية دوروثي شيا، الموافقة على حصول لبنان على الغاز المصري والكهرباء الأردنية:
– أوّلاً: سيستخدم عون هذه الموافقة في سبيل تكريس مبدأ تحكّمه الأوحد في مسارات التطوّرات اللبنانية.
– وثانياً: سيعلن عن كسر الحصار الذي يتعرّض له عهده.
– وثالثاً: سيتمسّك بشروطه أكثر في سبيل تشكيل حكومة، أو في حال عدم تشكيلها سيستمرّ بإدارة الدولة بمفرده دون أيّ اعتراض من أيّ جهة.
وحدهم السنّة سيجدون أنفسهم على هامش المشهد، غير قادرين على التأثير في المعادلة. فحزب الله يقارع الغرب والأميركيين، وينجح في انتهاز الفرص. أمّا عون فيحكم وحيداً، ويُبلَّغ بمشاريع خارجية يستطيع الرهان عليها للإعلان عن فكّ الحصار. فيما ميقاتي ينتظر أيّ فرصة لتشكيل حكومته، ما يغري أكثر فيرفع مهر الحكومة أكثر كي لا تتشكّل.
إقرأ أيصاً: الحريري هدّد ميقاتي: لا ثقة.. وسنستقيل
في هذه الأثناء، فإنّ كلّ التطوّرات الحاصلة داخلياً وخارجياً لا تسهم في غير إضعاف “سنّة الاعتدال” وحجب تأثيرهم في المعادلات الوطنية، وهم يسهمون في ذلك، إمّا لسوء تقديرهم أو لاندفاعهم إلى مواقع سلطوية يريدون استلحاق أنفسهم إليها، فينعدم دورهم ووزنهم وتأثيرهم، ولو كانوا على مجالسها.