تتسارع التطوّرات التي أدّت إلى موقف غير مسبوق من قيادة الجيش بوضع اليد على ملفّ المحروقات الحارق. ولم يأتِ خروج الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بمواقف من ملفّيْ تشكيل الحكومة والبنزين الإيراني خارج سياق هذه التطوّرات. والسؤال الآن: ماذا بعد؟
وسط محنة انفجار مستودع البنزين في التليل بعكار، وسقوط أكثر من مئة بين شهيد وجريح، اشتعل حريق سياسي بين العهد من جهة، وبين زعيم “المستقبل” الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع من جهة أخرى. وذهب هذا الحريق مباشرة إلى المطالبة برحيل رئيس الجمهورية ميشال عون. لكنّ نصرالله أخذ النيران نحو تأليف حكومة، ممهلاً ضمنيّاً الرئيس عون أيّاماً قليلة للسير في ولادة حكومة جديدة.
على ما يبدو، هناك سباق مع الوقت بين خياريْن: إمّا أن يكون حلّ يبقى في الإطار السياسي القائم، وإمّا الذهاب إلى المجهول الذي يرتّب خيارات لن تكون في مصلحة مَن يعتقد أنّه يسيطر على لبنان، أي “حزب الله.” فهل استشعر “حزب الله” بقدوم تطوّر ما لن يكون كما يرغب، فكان تحرّكه عاجلاً على غير ما هو معتاد، كما ألمح نصرالله في إطلالته العاشورائية الأخيرة؟
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور توفيق كسبار لـ”أساس” إنّ مجاهرة الأمين العام لـ”حزب الله” بالإتيان بالمحروقات من إيران إلى لبنان “يمثّل تحدّياً مباشراً للإدارة الأميركية التي تفرض حظراً على التعامل الاقتصادي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بموجب قانون قيصر”
يقول عارفون بطريقة عمل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إنّه بدا على غير عادته في التعامل مع مسؤوليّاته عندما قرّر حازماً أنّ زمن دعم المحروقات قد ولىّ. وأرفق ما قرّره بكشف حجم التهريب إلى سوريا، الذي يجعل الدعم لمصلحة المهرّبين والنظام السوري. إنّ كشفاً كهذا هو بدوره غير مألوف في شخصية سلامة، الذي يبدو أنّه دُفِع إلى فتح صفحة مواجهة شرسة مع العهد وتوابعه وداعميه، وفي مقدّمهم “حزب الله”. ثمّ أتت خطوة قيادة الجيش بإدارة ملفّ توزيع المحروقات في مرحلة انتقالية بين السعر المدعوم والسعر الحرّ لسلعة المحروقات. فهل الصدفة وراء قرار حاكم المركزي وموقف قيادة الجيش، أم جاءا في سياقٍ ينبئ بالمزيد؟
من المفيد التوقّف عند عبارات وردت في كلمة نصرالله الأخيرة. فهو قال بلغة الأمر: “شكِّلوا حكومة خلال يومين أو ثلاثة أيام”. ثمّ قال بلغة “الوعد الصادق” واثقاً: “سنأتي بالمازوت والبنزين من إيران، قطعاً.. متى؟ هاليومين تلاتة بقلكم، لكن الموضوع محسوم”. وصل به الأمر إلى وصف مهرّبي المحروقات بأنّهم “خوَنة”.
بالنسبة إلى موضوع الحكومة، لا جدال في أنّ استعجال نصرالله يستهدف تمهُّل حليفه في قصر بعبدا. يقول وزير سابق لـ”أساس” إنّ “ما جرى في التليل بعكار هو شرارة لبداية حريق لن يكون خارجه أيّ طرف، حتى حزب الله”. وفي معلوماته أنّ مئات مستودعات المحروقات البعيدة عن الأنظار والمنتشرة في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع يعلم بها الحزب، إذا لم نقل إنّها تعود إليه، في وقت تعيش مناطق واسعة ضمن نفوذ الحزب عتمة شبه كاملة، ويتسابق فيها المواطنون من أجل ربطة خبز وصفيحة بنزين. وما جاء على لسان نصرالله عن المجيء بالمحروقات، مع السعي إلى ولادة سريعة لحكومة، هو اتّقاء لعاصفة آتية بلا ريب”.
في سياق متّصل، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور توفيق كسبار لـ”أساس” إنّ مجاهرة الأمين العام لـ”حزب الله” بالإتيان بالمحروقات من إيران إلى لبنان “يمثّل تحدّياً مباشراً للإدارة الأميركية التي تفرض حظراً على التعامل الاقتصادي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بموجب قانون قيصر”. ويرى أنّ الأمر كان سيكون “أقلّ وطأة لو بقي طيّ الكتمان في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان، ولا سيّما في ما يتعلّق بتوفير المحروقات في سوق الاستهلاك المحلي”. وتساءل: “هل ما قاله نصرالله يأتي انعكاساً لمشهد التراجع الأميركي في أفغانستان الذي يعيد إلى الأذهان الانسحاب الأميركي من فيتنام في السبعينيّات من القرن الماضي، فبدا نصرالله وكأنّه يستقوي بالمشهد الأفغاني مسقطاً إيّاه على المسرح اللبناني؟”، ويخلص الدكتور كسبار إلى القول: “إنّ واقع لبنان مختلف كليّاً عن واقع أفغانستان، ولا يمكن أن تكون خلفيّة نصرالله آتية من التماهي بين الواقعيْن”.
إقرأ أيضاً: حرب المحروقات: اللبنانيون يدفعون ثمن مواجهة عون لسلامة؟
في ظلّ ما يتسارع من تطوّرات، يبدو أنّ أمام لبنان أيّاماً معدودةً فقط، ويظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الشأن الحكومي والمحروقات. فهل تكون هذه الأيام، التي يبدو أنّها ستمتدّ على مدى الأسبوع الحالي، حاسمةً في وضع لبنان عند بداية مسار جديد من الحلول السياسية؟ أو تأخذه إلى مسار آخر بانت ملامحه في قرار قيادة الجيش وضع اليد جزئيّاً على ملف المحروقات؟
يبدو في المشهد وكأنّ نزول الجيش إلى الميدان يأتي مباشرة بعد طلب نصرالله من عون النزول عن شجرة شروطه التعجيزية التي تحول دون ولادة حكومة. إنّها، كما يبدو، مسألة أيام فقط لمعرفة ما هو التطور التالي في تشكيل الحكومة…