لم يسبق لرئيس حكومة مكلّف أن حمل أولى مسوّداته الحكومية إلى رئيس الجمهورية، بعد أقلّ من ساعتين على انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة مع الكتل النيابية. فعلها نجيب ميقاتي، إذ قصد قصر بعبدا فور انتهاء الجولة السريعة من المشاورات مع الكتل، التي بدت أشبه بلقاءات بروتوكولية وشكلية انتهت معظمها إلى تأكيد الكتل أنّها “لا تريد شيئاً لنفسها”، فيما معظمها يستعدّ للتشمير عن ساعديْه لخوض جولة جديدة من الاشتباكات على الحصص والحقائب… فعلَها ووَضَع تصوّراً مفصّلاً لتشكيلته الحكومية على طاولة رئيس الجمهورية.
يبدو أنّ ميقاتي مستعجل، لذلك زار بعبدا للمرّة الثانية في أربع وعشرين ساعة، وقدّم إلى رئيس الجمهورية اقتراحاته المتعلّقة بالتشكيلة الحكومية، مشيراً إلى أنّه “لمس قبولاً من جانبه، وقد أخذ ملاحظاته بعين الاعتبار”
الأرجح أنّ حراجة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي قد تفرز ظواهر كثيرة، ومنها السرعة القياسية التي قد تقوم بها حكومة ميقاتي، إذا “نقشت” معه، ومنها على سبيل المثال حصول أربع استشارات نيابية للتكليف، منذ اندلاع حراك 17 تشرين الأول 2019 حتى نهاية شهر تموز 2021، كما ذكرت “الدولية للمعلومات”، واصفةً إيّاها بظاهرة غير مسبوقة في حياتنا السياسية، واحدة منها أدّت إلى تكليف شخصية شكّلت الحكومة (الدكتور حسان دياب)، واثنتان إلى الاعتذار (السفير مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري)، والرابعة مع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي.
ميقاتي مستعجلٌ، وهو أكّد أكثر من مرّة أنّ مهمّته سريعة سيحاول من خلالها التعلّم من تجربة سلفه سعد الحريري، الذي فضّل الهروب في جولات مكّوكية خارجية، على أن يطرق باب القصر الجمهوري ويشتبك مع رئيسه. وهو لذلك مستعدّ لتكثيف طلعاته إلى “القصر” لإيجاد صيغة تُخرج الجميع من عنق التعطيل والعرقلة، لا غالب فيها ولا مغلوب. وعلى هذا الأساس، يتردّد أنّ مسوّدته الأولى بدت أشبه بتصوّر لتوزيع الحقائب على الطوائف لا أكثر، قبيل الغوص في التفاصيل والألغام المعروفة سلفاً.
ولعلّ أبرز هذه الألغام يتّصل بحقيبتيْ الداخلية والعدل، وبالوزيريْن المسيحيّين اللذين يرفض رئيس الجمهورية أن يجيّر تسميتهما إلى رئيس الحكومة. وفق المواكبين، لن يتنازل الفريق العوني عمّا سبق أن اشترطه على الحريري.
ولو أنّ رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل أعلن صراحة أنّ التكتّل لن يشارك في الحكومة، وأنّه سيسهّل مهمّة رئيس الحكومة المكلّف، إلا أنّ تجربة التسعة أشهر بين الحريري و”تكتل لبنان القوي” دليل فاقع على أنّ الأخير يدّعي شيئاً ويتصرّف على أساس شيء آخر، وهو ما يعني أنّ إعلانه البقاء خارج الحكومة هو من باب التذاكي والاختباء خلف رئاسة الجمهورية لكي تتولّى هي المفاوضات على أساس كامل الحصّة المسيحية بعد حسم حصّة مسيحيّي الثامن من آذار. وهذا ما أظهرته أحداث الساعات الأخيرة.
يتبيّن حتى الآن، وفق المواكبين، أنّ ميقاتي يحاول إيجاد صيغة وسطيّة تُدخِله السراي الحكومي، وذلك من خلال طرحٍ يقوم على أساس إبقاء حقيبة الداخلية في عهدة الطائفة السنّية مقابل أن يتشارك مع رئيس الجمهورية في تسمية مَن يتولّاها ليكون أقرب إلى الأخير، وإذا ما نجحت هذه القاعدة وتمّ الاتفاق على الاسم يكون التعاطي مع حقيبة العدل على الطريقة ذاتها، ولكن بشكل معاكس، فتكون من حصّة الطوائف المسيحية، ولكن تتمّ تسمية شخصيّة مقرّبة من رئيس الحكومة تحظى بموافقة رئيس الجمهورية.
ولو أنّ رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل أعلن صراحة أنّ التكتّل لن يشارك في الحكومة، وأنّه سيسهّل مهمّة رئيس الحكومة المكلّف، إلا أنّ تجربة التسعة أشهر بين الحريري و”تكتل لبنان القوي” دليل فاقع على أنّ الأخير يدّعي شيئاً ويتصرّف على أساس شيء آخر
وانطلاقاً من هذه القاعدة تتمّ أيضاً تسمية الوزيريْن المسيحيّين اللذين شكّلا عقدة حكومة سعد الحريري، ويُفترض أن يتولّى هذان الوزيران حقيبتيْ التربية والإعلام، ويُصار إلى اعتماد المخرج الذي وضعه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بمعنى أن يتولّى أحد الطرفين التسمية ويكون للطرف الآخر فيتو التعطيل.
ورجّح المواكبون أن تكون أولى جلسات عون – ميقاتي قد حسمت هذه القاعدة – المخرج التي بإمكانها أن تعالج الأزمة الحكومية على أساس تشكيلة من 24 وزيراً، ولكن تبقى التسميات.
وقد أكّد الوزير السابق النائب نقولا نحاس لـ”أساس” أنّ “الأجواء إيجابية”، لكنّه كان حذراً “لأنّني لستُ متأكّداً من إمكان التشكيل”. وأضاف: “لا نزال في المربّع الأوّل، ولا يزال الوقت مبكراً للوصول إلى استنتاجات… لكن ما يمكنني أن أؤكّده أنّ الرئيس ميقاتي لن يستغرق وقتاً طويلاً لتشكيل الحكومة”.
كما أنّ نحاس، أقرب المقرّبين إلى ميقاتي، لا ينكر وجود أزمة تتزامن مع الموقف العربي من الحكومة ومن لبنان، وتحديداً الموقف السعودي: “يأخذ الرئيس ميقاتي بالحسبان أزمة لبنان مع دول الخليج، وتحديداً المملكة العربية السعودية. وهو يؤمن أنّ لبنان لا يستطيع أن ينفصل عن محيطه وعن بيئته. لقد انتظرنا عشرات السنوات للانتقال إلى لبنان العربي. لبنان عربي ويجب أن يمارس دوره في المنظومة العربية. اليوم هناك اختلاف وتباين مع الإخوة العرب، وتحديداً مع دول الخليج والمملكة العربية السعودية، الذين يرون أنّ الدولة اللبنانية أخطأتذ قد أخطأ في مكان ما، وهم غير موافقين على بعض الأمور اللبنانية. ولكن علينا نحن اللبنانيين أن نعالج هذه النقاط المتباينة. وتكون البداية مع تشكيل حكومة لتصبح لدينا مرجعية حكومية لتصحيح الأمور. وعلى الحكومة الجديدة أن تضع خطة لاستعادة دور ومكانة لبنان في محيطه العربي”.
إقرأ أيضاً: حكومة العناية “الفائقة”… بانتظار الحلول الكبرى؟
إذاَ يبدو أنّ ميقاتي مستعجل، لذلك زار بعبدا للمرّة الثانية في أربع وعشرين ساعة، وقدّم إلى رئيس الجمهورية اقتراحاته المتعلّقة بالتشكيلة الحكومية، مشيراً إلى أنّه “لمس قبولاً من جانبه، وقد أخذ ملاحظاته بعين الاعتبار”.
هل يزور ميقاتي بعبدا يومياً ما عدا أيام العطل الرسمية؟
الأرجح أنّه سيفعل.