ربحت المملكة العربيّة السّعوديّة الرّهان. والباب الذي طرقه وزير الدّفاع الأميركي أوستن لويد ولم تفتحه المملكة، عادَ وطرقه مستشار الأمن القوميّ جايك سوليفان. ويبدو أنّ أبواب المملكة لن تكون مُشرّعة من دون شروط من الآن فصاعداً.
“مصلحة السّعوديّة قبل أيّ اعتبارٍ آخر. مَن اقتربَ منّا شبراً اقتربنا منه شبرين، ومَن ابتعد عنّا متراً ابتعدنا عنه 100 متر”. هكذا عبّر مصدرٌ سعوديّ لـ”أساس” عن زيارة سوليفان إلى المملكة العربيّة السّعوديّة بعد موافقة الأخيرة.
الزيارة تأتي في سياق جولةٍ شرق أوسطيّة تشمل حتّى السّاعة المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهوريّة مصر العربي، وهي جاءَت بعد سلسلة توتّرات في العلاقة بين البلديْن، لم تكن يوماً بدايتها من أرض الحرميْن الشّريفيْن. وكان آخر فصولها رفض المملكة استقبال وزير الدّفاع الأميركيّ أوستن لويد بعد سحب بلاده عدداً من منظومات “باتريوت” من المملكة.
تتركّز مهمّة سوليفان وليندركينغ في السّعوديّة على بحث “سُبُل الضّغط على ميليشيات الحوثي لإجبارها على الانخراط في حلّ الأزمة سياسيّاً”، على حدّ تعبير مصدر أميركيّ لـ”أساس”
يسعى سوليفان، ومعه مبعوث بايدن الخاصّ إلى اليمن تيموثي ليندركينغ، في هذه الزّيارة إلى لملمة “ذيول” سياسة بايدن تجاه شريك بلاده الرّئيس في منطقة الخليج العربيّ، أو إعادة الأمور إلى نصابها. سياسةٌ اعتقدَ المسؤولون في إدارة الرّئيس جو بايدن أنّ بإمكانهم “تطويع المملكة” عبرها، فكانت النّتيجة معكوسة: الرّياض تُطوِّع واشنطن.
رسالةٌ واضحة أرادها السّعوديّون أن تصل إلى البيت الأبيض. فكان اختيار اللقاء في مدينة “نيوم” (NEOM) العابرة للحدود على ساحل البحر الأحمر. وتُفيد هذه الرّسالة أنّ المملكة تمضي قُدُماً في رؤيتها 2030 التي لا تعتبر النّفط، الذي تُحبّه واشنطن، رافعةً لاقتصاد المملكة في المُستقبل.
اليمن أوّل الملفّات
سعى الرّئيس بايدن إلى استفزاز، أو ابتزاز، المملكة منذ اليوم الأوّل لدخوله المكتب البيضاويّ عبر ملفّ الأزمة اليمنيّة. فكان قراره الأوّل تجميد صفقة أسلحة وذخائر كانت قد طلبتها السّعوديّة للدّفاع عن سيادتها وأرضها من هجمات الميليشيات الحوثيّة.
بعد وقف صفقة الأسلحة، سارَعت الإدارة الدّيموقراطيّة إلى رفع ميليشيات الحوثي من قوائم الإرهاب بعد إدراجها أواخر عهد الرّئيس السابق دونالد ترامب. وكان هذا القرار على الرّغم من استمرار قصف الميليشيات للمُدن والمنشآت المدنيّة السّعوديّة بأكثر من 350 صاروخاً باليستيّاً.
اليوم تتركّز مهمّة سوليفان وليندركينغ في السّعوديّة على بحث “سُبُل الضّغط على ميليشيات الحوثي لإجبارها على الانخراط في حلّ الأزمة سياسيّاً”، على حدّ تعبير مصدر أميركيّ لـ”أساس”.
لكنّ ما يغفل عنه المسؤولان الأميركيّان، اللذان يزوران المملكة، أنّ السّعوديّة كانت قد تقدّمت بمبادرةٍ للحلّ السّياسي من دون أيّ تجاوب من قبل الحوثيّ وميليشياته التي تستميت في مهاجمة محافظة مأرب منذ أشهر من دون تحقيق أيّ نتيجة تُذكَر حتّى السّاعة.
يسعى سوليفان إلى إعادة التنسيق الأمنيّ بين واشنطن والرّياض، وخصوصاً في مُكافحة الإرهاب
أمن الخليج والنّوويّ الإيرانيّ
السّعوديّة هي بوّابة الخليج العربيّ السّياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة. ومن هذا المُنطلق يسعى سوليفان إلى إعادة التنسيق الأمنيّ بين واشنطن والرّياض، وخصوصاً في مُكافحة الإرهاب.
جاءَت زيارة سوليفان أيضاً بعد استفزازٍ آخر من إدارة بايدن، كان عنوانه “رفع السّريّة عن وثائق التّحقيقات في أحداث 11 أيلول الإرهابيّة”، إلّا أنّ رفع السّريّة لم يكن على قدر آمال الإدارة، بل ظهر عكس ذلك كُلّيّاً.
يدعو مسؤولون سعوديّون سوليفان وإدارته إلى إدراك أنّ المملكة هي من أكثر الدّول مُعاناةً من الإرهاب. وتكفي مُراجعة التّاريخ القريب في تسعينيات القرن الماضي ليعرف الضّيف الأميركيّ مَن هي الدّولة التي عانت من إرهاب تنظيم القاعدة منذ نشأته.
سيُحاول “جايك” تطوير التّنسيق الأمنيّ القائم بين الرّياض وواشنطن، الذي أثمر نتائج ملموسة لا تخفى على أحدٍ في السّنين الماضية. ورُبّما كان توقيع نائب وزير الدّفاع السّعوديّ الأمير خالد بن سلمان لاتّفاقيّات “أمنيّة” و”عسكريّة” مع روسيا هو الدّافع الرّئيس لـ”الهرولة” الأميركيّة الأمنيّة نحو الرّياض.
من مياه الخليج العربيّ، سينتقل الكلام إلى “الجارة” إيران. يُحاول سوليفان في زيارته “طمأنة” السّعوديّة إلى ما يتّصل بالعودة إلى الاتفاق النّوويّ مع إيران. وهنا يسأل دبلوماسيّ خليجيّ عبر “أساس”: كيف لهُ أن يُقنعنا بجدوى الاتفاق النّوويّ مع إيران وهو كان أحد المُهندسين الرّئيسيين لاتفاق 2015 الذي تعيش المنطقة نتائجه الكارثيّة حتّى اليوم؟
من هذا المُنطلق، ومع انسحاب الولايات المُتحدة من أفغانستان، ومن المنطقة بأسرها في وقت لاحق، تكوّنَت لدى المملكة والخليج قناعةٌ بأنّ على دول المنطقة بحث أمنها فيما بينها بعيداً عن أيّ دورٍ لواشنطن أو غيرها.
إنتاج النّفط
يسعى سوليفان إلى حلّ ملفّات عديدة بين واشنطن والرّياض. تبدأ من اليمن، ولا تنتهي عند حدود إنتاج النّفط، الذي دائماً ما ارتبط عنوانه بالعلاقة بين أميركا ودول الخليج العربيّ.
إقرأ أيضاً: مستشار الأمن القومي الأميركي في السعودية
هو الملفّ محسومٌ لدى القيادة السّعوديّة. وإن طلبَ سوليفان من المملكة زيادة الإنتاج لخفض السّعر وإرضاء ناخبي بايدن، فإنّ الجواب الذي سيسمعه مُطابقٌ لِما قاله رئيس الاستخبارات السعوديّة الأسبق الأمير تُركي الفيصل: “من المُفارقات العجيبة أن يعِد بايدن جمهوره خلال حملته الانتخابيّة بأنّه سيتخلّص من الوقود الأحفوريّ كمصدرٍ للطّاقة، فيما يطلب من المملكة رفع إنتاج النّفط لخفض الأسعار”.
ربمّا ستكون زيارة سوليفان المملكة العربيّة السّعوديّة ناجحةً جدّاً، وتعيد الأمور إلى نصابها. لكنّ الأرجح أن تكون زيارة على النّمط الدّيموقراطيّ التّقليديّ: الخوف من الوقوف في وجه أعداء الخليج العربيّ. وإلقاء المسؤوليّة على الغير…