تتّجه الأنظار إلى المملكة العربيّة السعودية التي سيزورها مسؤول أميركي رفيع المستوى بعد أشهر من عدم الاستقرار في العلاقة، التي طبعَت المرحلة الأولى من تولّي جو بايدن سدّة الرئاسة الأميركية.
فلنقلِّب أوراق أيّام بايدن في البيت الأبيض:
في شباط: بعد فترة وجيزة من تولّيه الرئاسة، أعلنت الولايات المتحدة عن شطب “جماعة الحوثيين” في اليمن من القائمة السوداء لـ”المنظّمات الإرهابية”، على الرغم من تواصل الهجمات التي تستهدف المملكة.
في مطلع أيلول: لم تتوقّف الإدارة الأميركية عند ذلك القرار، بل اتّخذ البنتاغون أخيراً خطوة لافتة، قام بموجبها بسحب نظام الدفاع الصاروخي وبطاريات الباتريوت من المملكة، وهو ما أثار خشية السعودية بشأن الالتزام العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، بحسب صحيفة “التايمز” التي لفتت إلى أنّ صور الأقمار الصناعية لقاعدة الأمير سلطان الجوية التي تبعد 70 ميلاً عن الرياض تُظهر أنّ الجزء الذي كان يحتوي بطاريات أميركية منذ عام 2019، أصبحَ فارغاً الآن.
أمام هذا التوتّر بالعلاقات، كشف “المجلس الأطلسي” أنّ نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان وقّع “اتفاق تعاون عسكري” في 23 آب الماضي مع أحد نظرائه الروس خلال المنتدى العسكري التقني الدولي السنوي السابع الذي عُقِدَ بالقرب من موسكو
في منتصف أيلول: أرجأ وزير الدفاع الأميركي أوستن لويد زيارة كانت مقرّرة إلى السعودية. في الوقت نفسه وقّع بايدن أمراً تنفيذياً إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي برفع السريّة عن الوثائق المتعلّقة بهجمات 11 أيلول. وبالفعل نشر الـ”إف.بي.آي” وثيقة مؤلّفة من 16 صفحة تُظهر حصول اتصالات بين الخاطفين وسعوديّين، لكنّها لم تُشِر إلى دليل على تورّط الحكومة السعودية في الهجمات.
أمام هذا التوتّر بالعلاقات، كشف “المجلس الأطلسي” أنّ نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان وقّع “اتفاق تعاون عسكري” في 23 آب الماضي مع أحد نظرائه الروس خلال المنتدى العسكري التقني الدولي السنوي السابع الذي عُقِدَ بالقرب من موسكو. ويعني الاتفاق أنّ السعودية لم تعُد تجد أنّ بإمكانها الاعتماد بشكل كامل على واشنطن، ولهذا تحمي رهاناتها من خلال التعاون مع موسكو، بعد سنوات من اعتمادها على الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى للمساعدة في مجاليْ الأمن والدفاع.
الرياض تتجه نحو الشرق
ما سبق ذكره دفعَ نائب رئيس المجلس الأميركي للسياسة الخارجية إيلان بيرمان إلى القول في مقال رأي نشرته مجلّة “نيوزويك” إنّ “الرياض تتوجّه نحو الشرق”، ورأى أنّ الاتفاق السعودي الروسي يعكس تحوّلاً استراتيجياً مهمّاً، حيث تتكيّف المملكة مع التغييرات التي تحدث في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
وذكّر بيرمان بالجهود الأميركية الآيلة إلى إعادة بناء الشراكة مع إيران التي تُعتبر منافساً إقليمياً للمملكة، والتخلّي عن سياسة الضغط القصوى، التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، من أجل تعبيد طريق العودة إلى المفاوضات النووية. وقد وصلت الرسالة بشكل واضح، ومفادها أنّ “واشنطن ترغب بإحياء الدبلوماسية مع إيران، بغضّ النظر عن الخطر على حلفائها في المنطقة أو على التحالفات الإقليمية”، يقول بيرمان.
وجاءَ الوصف دقيقاً من قبل المعلّق والكاتب جوناثان شانزر، وهو نائب رئيس الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، الذي رأى في مقاله أنّ تأثير خطوات واشنطن المتراكمة هو عمل من أعمال “الحرق الدبلوماسي” لإحدى أطول الشراكات الأميركية في المنطقة.
أميركا تعود
بعد كلّ التطوّرات الآنفة الذكر، كشف موقع “أكسيوس” أنّ مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يخطّط لزيارة الشرق الأوسط، حيث سيكون لديه محطّات وجولات في السعودية والإمارات ومصر. وأوضح الموقع أنّ سوليفان يعدّ أرفع مسؤول في الإدارة الأميركية الجديدة يزور المملكة حتى الآن.
وبعد استعراض التوتّرات مع السعودية، يبدو أنّ علاقات واشنطن بالقاهرة لا تتّسم بالإيجابيّة أيضاً، ولا سيّما بعد إعلان متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية أخيراً أنّ إدارة الرئيس بايدن ستعلِّق تسليم مصر ما قيمته 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية، حتى تتّخذ القاهرة خطوات محدّدة تتعلّق بحقوق الإنسان.
وبينما تقدِّم مصر المساعدة لمنع اشتعال فتيل نزاع بين إسرائيل و”حركة حماس” في غزة، تتطلّع إلى دعمٍ أميركي في ما خصّ الخلاف مع إثيوبيا حول سدّ النهضة. وفي هذا السياق، من المتوقّع أن يلتقي وزير الخارجية أنطوني بلينكن نظيره المصري يوم الخميس في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة.
أمّا عن الإمارات التي تبنّت سياسة “صفر مشاكل“، والتي سيزورها الموفد الأميركي أيضاً، فهي تُعتَبر من أقلّ الدول المتضرّرة، حيث تمكّنت أن تنتقل بحكمة بين الإدارتين الأميركيّتيْن بدون حدوث أيّ توتّر في العلاقة مع واشنطن. وحظيت أبو ظبي بدعم بايدن في ما يتعلّق بالعلاقات مع إسرائيل بموجب التطبيع أو ما عُرِفَ بـ”اتفاقات إبراهيم”. وتعتزم واشنطن المضيّ قُدُماً في بيع الأسلحة للإمارات، ضمن صفقة تقدّر قيمتها بـ23 مليار دولار، وتتضمّن طائرات إف-35 وطائرات مسيَّرة.
إقرأ ايضاً: الصين تلاحق أميركا… في المحيط الهادىء
ورجّح موقع “أكسيوس” أن تكون إيران محوراً رئيسياً في زيارة سوليفان، ولا سيّما أنّ الإماراتيّين يريدون رؤية الولايات المتحدة تتّخذ موقفاً أقوى بوجه أنشطة إيران الإقليمية.
وقد يُكمل الموفد الأميركيّ جولته الشرق أوسطيّة، فيتوقّف في إسرائيل بعد عودة رئيس الوزراء نفتالي بينيت من الجمعية العامّة للأمم المتحدة أواخر الأسبوع المقبل.