الخلاف الدرزيّ حول “المشيخة”… غيمة صيف عابرة؟

مدة القراءة 5 د

تكرّس الانقسام من جديد بين أبناء طائفة الموحّدين الدروز حول مشيخة العقل بعد تفويت فرصة اختيار شيخ توافقيّ يضع حدّاً للازدواجية الواقعة منذ عشرات السنين، وعاد الخلاف بين وليد جنبلاط وطلال أرسلان إلى المربّع الأوّل: اُنتُخب الشيخ سامي أبو المنى رئيساً لمشيخة العقل، فيما يتمسّك الأرسلانيّون بالشيخ نصر الدين الغريب شيخ عقل الطائفة، ولو أنّهم كانوا بصدد البحث عن خلفٍ له.

حاول كلّ من جنبلاط وأرسلان، ومعهما وئام وهّاب، الذي حرص رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي على مشاركته في لقاء خلدة وإشراكه في جدول أعمال التفاهم، “تصفير” خلافاتهم، في وقت كانت فيه البلاد تطأ رسميّاً نار جهنّم بكلّ ما تحمل من تبعات خطيرة على السلم الأهليّ، وكان مسلسل الإشكالات المناطقية المتنقّل يشي بأنّنا مقبلون على مرحلة شديدة الخطورة.

كان الاتّفاق يومئذٍ يقضي بمعالجة ثلاثة بنود: المصالحات المناطقية، وتحديداً في كلّ من الجاهلية والشويفات وقبرشمون، التعاون على نحو ثلاثيّ لمساعدة الناس في مواجهة الضائقة الاجتماعية والصحيّة لأنّ توحيد الجهود يساهم في تسريع وتيرة العمل وتعزيز فاعليّتها، وأخيراً التعاون لمعالجة القضايا العالقة، ومنها مشيخة العقل، على قاعدة السعي إلى التفاهم وتوحيد الموقف، حيث أبدى جنبلاط انفتاحه على أيّ مشروع توافقيّ.

فاز أبو المنى بالتزكية، وراح الأرسلانيون يتحدّثون عن انقلاب جنبلاطي على اتّفاق خلدة. لكنّ جنبلاط التزم الصمت، ولا سيّما أنّ هذا الأمر تزامن مع الزيارة التي قام بها أرسلان ووهّاب إلى سوريا

وبالفعل، كانت قضية الجاهلية-دميت أوّل إنجازات لقاء خلدة، حيث التزم وهّاب بما جرى التفاهم عليه وتمّت المصالحة، فيما كان يُفترض أن تكون مصالحة قبرشمون البند الثاني، وقد عمل أرسلان على تحديد موعد للقاء مشترك عند أهالي الضحايا (أبو فرّاج وسلمان) كان سيجمع جنبلاط وأرسلان لتقديم التعازي، إلّا أنّ بياناً سلبيَّ اللهجة صدر عن الأهالي يعبِّر عن رفضهم للزيارة مع أنّ أرسلان هو الذي طلب الموعد، ولكن يبدو أنّ إشكالات داخلية هي التي حالت دون إتمام الزيارة مع أنّه جرى توسيط بعض المشايخ للمساعدة على الحلحلة، ولكن لم يؤدِّ المسعى إلى أيّ نتيجة.

في موازاة ذلك، كان استحقاق مشيخة العقل يفرض نفسه على طاولة الثلاثة. وحين فُتِح باب الترشيح زار وهّاب جنبلاط وفاتحه بالموضوع، فأبلغه الأوّل عدم ممانعته التشاور مع المشايخ لوضع سلّة أسماء يمكن الاتّفاق على أحدها. وبالفعل التقى وهّاب الأمير أرسلان، وقاما بالاتّصال بعدد من المرجعيّات الروحية، فيما أُبلِغ جنبلاط من أحد المشايخ بلائحة من ستّة أسماء عُرِضت على أرسلان ووهّاب وبعض المرجعيّات، فرفضوها جميعاً، واعترف وهّاب في إطلالة تلفزيونية أنّ تلك الرزمة لم تكن مُقنعة أبداً. مرّ الوقت فيما موعد إقفال باب الترشيحات يقترب، ولم يردّ الأرسلانيون خبراً. ولمّا سأل جنبلاط وهّاب عن اسم الشيخ سامي أبو المنى، كان الجواب إيجابيّاً، وهو موقف لا ينكره وهّاب. وقبل ساعتين من الإقفال، وصل اسمان من عند أرسلان، وبدا الأمر وكأنّه رفع عتب لا أكثر. 

فاز أبو المنى بالتزكية، وراح الأرسلانيون يتحدّثون عن انقلاب جنبلاطي على اتّفاق خلدة. لكنّ جنبلاط التزم الصمت، ولا سيّما أنّ هذا الأمر تزامن مع الزيارة التي قام بها أرسلان ووهّاب إلى سوريا، لذا حرص الاشتراكيون على عدم الانخراط في سجال مع الأرسلانيّين، تفادياً لأيّ موّال في ذهن هؤلاء يريدون إنشاده في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً أنّ اسم أبو المنى ليس استفزازيّاً أو خلافيّاً لكونه مقبولاً من العديد من المشايخ، بدليل تمايز وهّاب في موقفه عن موقف أرسلان، الذي يرى في الأمر انقلاباً، فيما يعتبر وهّاب أنّ ما حصل هو نتيجة “تدخّل خاطىء بالموضوع من خارج السياق” استفزّ الرجلين وحال دون توافقهما.

فهل تعود الحالة الانقسامية بين الجنبلاطيين والأرسلانيين عشيّة الانخراط في الوحول الانتخابية؟ حتى الآن يحرص وهّاب على إبقاء مساحة التقاء بين الفريقين، ولا يحمّل أيّاً منهما مسؤوليّة ما حدث في المشيخة، في محاولة منه للعب دور توفيقيّ بينهما، خصوصاً أنّ تاريخ الطائفة يشهد منذ أكثر من سبعين عاماً تعدّديّة في مشيخة العقل (في بعض المرّات ثلاثة شيوخ)، ولم تتوحّد إلا ما ندر (مع الشيخ محمد أبو شقرا من عام 1972 حتى عام 2006). 

وتنعكس هذه التعدّدية أيضاً على موقف الهيئة الروحية، التي يبدو أنّها انفرزت بدورها إلى فريقين: فريق معترض على انتخاب أبو المنى، وفريق مؤيّد له (الشيخ أبو صالح محمد العنداري، الشيخ مروان فياض، شيوخ البياضة…). فهذه الهيئة ليست جسماً تنظيمياً موحّداً، وهي عبارة عن مرجعيّات روحية متعدّدة لكلٍّ منها موقفه ورأيه. 

إقرأ أيضاً: … إنّها حكومة الانتخابات لا الإصلاحات

حتى الآن يبدو أنّ أرسلان لم يهضم ما حدث في مشيخة العقل، فيما يرى بعض معارضيه أنّ الإرباك، الذي وقع فيه جرّاء عدم تمكّنه من إتمام مصالحة قبرشمون، دفعه إلى اعتماد لغة التصعيد في ما يخصّ مشيخة العقل، ولو أنّ الخلاف عليها ليس مستجدّاً، وعمره عقود من الزمن. ولهذا تحصّن الجنبلاطيون بالصمت لقناعتهم أنّها ستكون محطة خلافية مؤقّتة، وقد تستعيد العلاقة مع الأرسلانيين مطرحها فور هدوء العاصفة. ولهذا أيضاً قرّر وهّاب، المطّلِع على كلّ تفاصيل المفاوضات وحقيقتها، البقاء على مسافة من الفريقين…

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…