باسيل يتجرّع كأس ميقاتي “الفاسد”؟

مدة القراءة 7 د

كلّ الدعم الدولي والعربي المتوافر “في الشكل” لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي، والغطاء الممنوح من نادي رؤساء الحكومات، بعد تراجع الرئيس سعد الحريري عن قراره بعدم التسمية، وجميع التسهيلات الظاهرة، ومن بينها منح حزب الله أصوات كتلته للرئيس “المجرّب”، وفرملة جبران باسيل مناورته بتسمية السفير نواف سلام… كل ذلك يبدو رهينة التوافق بين ميقاتي من جهة، وميشال عون وجبران باسيل من جهة أخرى، على تقسيمة الوزراء وتوزيعة الحقائب في الحكومة وبرنامجها، من ضمن ما يقول قريبون من رئيس الجمهورية أنّها “شروط للسير بنجيب”. وأوّلها ما أشار إليه باسيل تلميحاً من ضرورة عدم “تكرار ميقاتي مقاربة الحريري في الممارسة (التأليف)… وصولاً إلى جدول أعمال الحكومة”.

وفي الساعات الماضية تكثّفت الضغوط على الثنائي عون – باسيل لدفعهما إلى القبول بخيار ميقاتي من ضمن “باكتج” تضمّنت شروطاً مطلوبة دوليّاً، وأخذت أشكالاً “محليّة” عبر الضوابط التي وضعها بيان بيت الوسط، وتصريح الحريري أمس. وهذا ما قد يجعل هامش المناورة وفرض الشروط في بعبدا ضيّقاً جدّاً.

على الرغم من “الحاضنة” الخارجية التي ارتاح ميقاتي إلى توافر مكوّناتها بما يكفي ليقبل التكليف وسط الإعصار الهائل، ومن عروض “التسهيلات” من بعبدا والبياضة، تبقى خطوط حمر لن يقبل فريق عون وباسيل التراجع عنها

ودَخَل أيضاً سعر صرف الدولار لاعباً ضاغطاً بانخفاضه “السياسي” الواضح، بعد ارتفاعه عقب اعتذار الحريري. وقد بدأ الانخفاض من لحظة التداول باسم ميقاتي جدّيّاً، وقيامه بجولة مشاورات شملت جميع القوى، بالتزامن مع بثّ مناخات خارجية داعمة لتكليف نائب طرابلس.

وأمام أيّ عرقلة من جانب الفريق الرئاسي، قد يجد الأخير أساطيل الدول ومتاريس الداخل جاهزة لتحميل عون وباسيل مسؤولية أخذ البلد برمّته نحو الانتحار… والعقوبات بالمرصاد.

وفي الوقت الذي كان فيه رئيس الجمهورية يُعلِن مباشرةً أنّه مستعدّ لوضع يده في يد ميقاتي “المُتعاون الذي يَعرف كيف يدوّر الزوايا”، كان طارق صادق أحد أقرب المقرّبين من باسيل يعزف على وترٍ مضادّ: “نحن لن نسمّي ميقاتي، وسنعطي فرصة قصيرة للتشكيل قبل الاستقالة من المجلس النيابي. ميقاتي مرشّح الأميركان والمنظومة الفاسدة، فيما نواف سلام كان سفير لبنان في الأمم المتحدة، ويملك تاريخاً عروبياً مناصراً لفلسطين. بفهم بري والحريري وجنبلاط يمشوا بميقاتي، بس الحزب ليه”.

أمّا نائب التيار الوطني الحر حكمت ديب فكان يسأل: “مع نجيب، إصلاح كيف بدنا نجيب؟”، في “ريتويت” ردّ فيه على تغريدة أحد الناشطين الذي يطالب ميقاتي “بإرجاع الـ500 دولار قيمة التأمين على الخطوط الهاتفية، وقروض الإسكان، والتبرّع بملياريْ دولار لشراء الدواء…”.

عمليّاً، بعد نجاح “مهمّة التخلّص” من سعد الحريري، قد تبدو كل المهامّ الأخرى في أجندة فريق العهد أسهل، ولا تتطلّب أشهراً للاتفاق مع ميقاتي… أو إعادته إلى نادي رؤساء الحكومات مع “لقب” رئيس مكلّف سابق. وهو ثمن قد يدفعه العهد ولا يُقارَن بذاك الذي كلّف الإطاحة بالحريري، فيما عواصم العالم المعنيّة بدت كمَنْ يتفرّج على إزاحة رئيس تيار المستقبل مستعجلة تكليف ميقاتي مكانه.

مع كلّ ما حصل ويحصل يَصعب استبعاد فرضية “التلاعب” الخبيث والمقيت بمصير اللبنانيين. ما شهدته مشاورات ما قبل تكليف ميقاتي، وسابقاً تكليف مصطفى أديب ثمّ الحريري، وصولاً إلى يوم “التنصيب” أمس، أشبه بمسرحية اُستُخدمت فيها كل ألعاب الخفّة التي أوحت في فصلها الأخير بأنّ “كوكب سعد” لا علاقة له بـ “كوكب نجيب”، وبأنّ ما اعترض دخول الحريري إلى السراي سيتجاوزه ميقاتي بقفزة واحدة، وكأنّما الرجل آتٍ من خلفيّة لا علاقة لها بانتمائه الطائفي والسياسي المُكودر ضمن جوقة رؤساء الحكومات التي طالما تحدّثت بلغة واحدة.

محيط ميقاتي يعتبر أن لا موانع يجب أن تحول دون ولادة حكومة خلال أيام قليلة بعدما أُهدِر من عمرها الواقعي تسعة أشهر

وفي الطريق إلى التكليف ثمّ التأليف، إن حصل، أزال باسيل ألغاماً عدّة، من ضمنها التغييب الكامل لمعيار الميثاقية عن تكليف لم ينل غطاء الأحزاب المسيحية الكبرى، وعدم اللعب على وتر الشخصية السياسية المنتمية إلى المنظومة الحاكمة، التي تريد أن ترئس حكومة اختصاصيين، كما فعل مع الحريري، والإيعاز إلى قواعد التيار بعدم مهاجمة ميقاتي (مع استثناءات بدت مطلوبة)، فيما كان نائب طرابلس نفسه يتجاوز أحد أهمّ المتاريس، التي زنّر الحريري نفسه بها، عبر لقائه كلّ ممثّلي الكتل النيابية، بمن فيهم باسيل والطلب ممّن يعكسون مواقفه في الإعلام بالابتعاد عن استفزاز الفريق العوني، والعمل في الكواليس على النقطتين الأساسيّتين اللتين توقّفت المفاوضات عند عتبتهما، أي توزيعة الحقائب السيادية وتسمية الوزراء المسيحيين.

وعلى الرغم من “الحاضنة” الخارجية التي ارتاح ميقاتي إلى توافر مكوّناتها بما يكفي ليقبل التكليف وسط الإعصار الهائل، ومن عروض “التسهيلات” من بعبدا والبياضة، تبقى خطوط حمر لن يقبل فريق عون وباسيل التراجع عنها، وخلاصتها إيجاد موطئ قدم في “حكومة الاختصاصيين والمستقلّين” التي لن تنحصر مهمّتها بالإعداد للانتخابات النيابية، بل ستتعدّاها إلى تنفيذ مستلزمات المبادرة الفرنسية، والالتزام بشروط صندوق النقد الدولي، وتكريس مسار الإصلاحات كمدخل للخروج من عنق زجاجة الجحيم.

كل ذلك والتيار الوطني الحر أبلغ صراحةً ميقاتي عدم نيّته المشاركة في الحكومة وعدم منحها الثقة، إلا إذا كان بيانها الوزاري مرفقاً بتعهّدات علنيّة بالالتزام بتنفيذ بنود إصلاحية، مع تأكيد قريبين من باسيل “أنّنا سنكون في قلب المعارضة”.

أمّا محيط ميقاتي فيعتبر أن “لا موانع يجب أن تحول دون ولادة حكومة خلال أيام قليلة بعدما أُهدِر من عمرها الواقعي تسعة أشهر”. وقد كان لافتاً أمس تقاطع كلٍّ من ميقاتي وباسيل على تأكيد عدم التطرّق إلى النقاش في الحقائب، وتحديداً الداخلية، خلال اللقاء والاتصالات بين الرجلين. وتشير المعطيات في هذا السياق إلى أنّ رئيس الجمهورية سيفاوض، ومن خلف الكواليس باسيل طبعاً، لنيل ثمانية وزراء “خاص ناص” محسوبين على عون وباسيل، مع موافقة رئاسية إلزامية على كلّ وزراء الحكومة.

ولعلّ السؤال الأهمّ: ما الذي ينجح ميقاتي في تحقيقه وفشل فيه الحريري بعدما تبنّى الأوّل كامل خطاب رئيس تيار المستقبل بسقفه العالي و”إدارته” في التأليف؟

 تبدأ الأجوبة من الرقم الذي سجّله ميقاتي في الاستشارات بحصده 72 صوتاً، فيما كُلّف الحريري تحت عنوان “المرشّح الطبيعي” لرئاسة الحكومة في كانون الثاني الماضي بـ 65 صوتاً مع امتناع 53 نائباً عن التسمية، مقابل 42 لم يسمّوا ميقاتي.

إضافةً إلى ذلك، فإنّ مروحة كبيرة من الأحزاب والشخصيّات غطّت تكليف الحريري بعدما حجبت موافقتها على اسم الحريري، ولكنّها منحت نائب طرابلس مظلّة أوسع وحرّية أكبر في التحرّك، وعلى رأسها حزب الله.

 لكن لم يُعرَف إذا كانت كافية لولادة الحكومة وتقليص مسافات التباعد بين الرئيس المكلّف وبعبدا، وتسهيل التقاط الصورة التذكارية للطاقم الوزاري قبل تاريخ 4 آب بوجهه “المالي”، حيث ينعقد المؤتمر الدولي الثالث لدعم لبنان برعاية فرنسية ودعم الأمم المتّحدة والأوروبيين والأميركيين.

إقرأ أيضاً: باسيل يزنّر ميقاتي بحزام سياسي ناسف

أصلاً ثمّة مَن يشكّ في “طفرة” الإيجابيّات دفعة واحدة، التي توحي بأن الحلّ السحري للأزمة يقف خلف الباب ما إن تؤلَّف حكومة برئاسة ميقاتي. وهو واقع دفع النائب نهاد المشنوق إلى الاعتذار عن المشاركة في الاستشارات، مسلّماً بأن “لا أفق لهذا المسار”، ومشيراً إلى أنّ “المفتاح الفرنسي، بمواصفاته الحالية، غير قادر على فتح الأبواب العربية المعنيّة فعلاً وأصلاً بمساعدة لبنان”.

مواضيع ذات صلة

هوكستين عائد بعد الانتخابات: التسوية تنتظر الرئيس الجديد

واشنطن   ليست سهلة الانتخابات التي تخوضها الإدارة الديمقراطية. فهي تنافس الحزب الجمهوري على “المنخار” بحسب التعبير اللبناني. كثيرة هي التناقضات التي أصابت جمهور الحزب…

“إنزال” في البرلمان: التّمديد لقائد الجيش

يترافق سقوط مفاوضات وقف إطلاق النار مع انكشاف أمنيّ وعسكري وسياسي كامل، عبّر عنه بالسياسة النائب السابق وليد جنبلاط بقوله إنّ “آموس هوكستين تآمر علينا…

وقف إطلاق النّار… بين الضّغط الأميركيّ وضغوط الميدان

أُقفِل باب المفاوضات الدبلوماسية لتُترك الكلمة للميدان. بالأساس، لم يكن كبيراً الرهان على تحقيق خرق جدّي قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع في السباق…

نعيم قاسم: هادئ وصلب ومتعدّد المشارب الفكرية

يختلف الشيخ نعيم قاسم عن سلفه السيّد حسن نصر الله، من حيث خصائص الشخصية ومشارب التنشئة، مع أنّ كليهما كانا عضوين قياديين في حركة أمل،…