بوحبيب لـ”أساس” (1/2): الأميركيون يغادرون الشرق الأوسط

مدة القراءة 7 د

قلّةً من اللبنانيين قادرة على فكّ شيفرة السّياسات الأميركيّة تجاه منطقة الشّرق الأوسط. هذا ما أثبتته التجارب السّياسيّة خلال الأعوام الأخيرة في لبنان. وبالطبع سفير لبنان السّابق لدى الولايات المُتحدة عبدالله بوحبيب هو واحدٌ من هذه “القلّة”.

دائماً ما يكون الحديثُ مع السّفير بوحبيب مُفعماً بالمعلومات القيّمة التي تشرح مبادئ سيّاسة الولايات المُتحدة الخارجيّة. ودائماً ما يذكّرنا بأنّ العنوان العريض لهذه السّياسة هو “القيم والمصالح”. وقد اختار هذا الاختصار ليكون عنوان كتابه الصّادر في 2019 بعنوان: “أميركا القيم والمصلحة، نصف قرن من السياسات الخارجية في الشرق الأوسط”.

يستخلص مَن ينهل مِن بوحبيب عصارة خبرته السّياسيّة والدّبلوماسيّة أنّ الولايات المُتحدة تتعامل في سياستها الخارجيّة من منطلق “المصلحة” فقط. وهذه المصلحة تتبدّل بحسب الظروف. والنّتيجة هي التالية: الطّريق الأسرع للتّفاهم مع الأميركيين هو خطاب المصالح، ولا شيء غيره.

بوحبيب: دوائر القرار في العاصمة الأميركيّة والدّول العربيّة غيّرَت من نظرتها إلى التّيّار الوطنيّ الحرّ بعد تصريحات من قادة ومسؤولي التّيّار دافعت عن سلاح حزب الله و”حقّه” في الدّفاع عن لبنان

الشّرق الأوسط: أميركا تريد الخروج

استناداً إلى الاستنتاج أعلاه، يختصر السّياسة الأميركية في الشّرق الأوسط بعبارة قصيرة: “إشكالات صعب حلّها”. ويضيف: “لهذا تتّجه أميركا إلى الانسحاب من المنطقة وليسَ لأيّ سببٍ آخر. فالأميركيون كوّنوا قناعةً أنّهم لا يستطيعون بمفردهم حلّ مشاكل الشّرق الأوسط المُتشعّبة طائفياً ومذهبياً وقوميّاً”.

ولتأكيد هذه النّقطة، يستعين السّفير بوحبيب بقول الرّئيس الأميركيّ الأسبق باراك أوباما إنّه في زيارته الدّوليّة لمُختلف قارّات ومناطق العالم، كآسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبيّة وغيرها، يسمع سؤالاً واحداً: “كيف يُمكن لأميركا مساعدتنا للنّهوض بشعوبنا اقتصادياً ومعيشياً؟”. أمّا في كلّ دولةٍ من الشّرق الأوسط فكان يسمع السؤال التالي: “كيفَ يُمكِن لأميركا مساعدتها للتّخلّص من الدّول الأخرى؟”.

برأيه أنّ “كثيراً من القادة السّياسيين في لبنان يعتمدون في محاولة فهم السّياسة الأميركيّة على مطالعة كُتب يساريّة الهوى، ومنها يبنون انطباعات خاطئة”.

ويستفيض في المسألة ضارباً مثلاً عن هلع بعض السّياسيين من صندوق النّقد الدّوليّ: “هذا الهلع سببه المفاهيم الخاطئة والمُبالغات التي تحويها بعض الكُتب، ومنها أنّ هدف الصّندوق الهيمنة على قرارات الدّول وإخضاعها وما سوى ذلك”.

هو الذي التحق منتصف السبعينيات بالبنك الدولي في واشنطن وعادَ إليه مستشاراً رئيسيّاً لنائب رئيس البنك في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد الانتهاء من مهمّته سفيراً للبنان لدى أميركا، يعتبر أنّ “صندوق النّقد والبنك الدّولي يعكسان آراء الدّول المُساهمة في رأسمالهما. ولهذا السّبب نرى تطابقاً في المواقف بين صندوق النّقد والأميركيين والأوروبيين من ضرورة تشكيل حكومة والقيام بإصلاحات ومحاربة الفساد”.

بوحبيب: الإدارة الأميركيّة لا ترى خطراً وجودياً على إسرائيل على الرّغم من إمكان تعرّض الكيان لإطلاق صواريخ أو طعن إسرائيليين وغير ذلك، إلّا أنّ هذه الأحداث لا تتطلّب وجوداً أو بقاءً أميركيّاً في المنطقة

أكثر السّياسيّين لا يفهمون الأميركيّين

البداية كانت مع قراءة سريعة لخطاب رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ النّائب جبران باسيل أخيراً. في رأيه أنّ باسيل يقول لحزب الله إنّ تفاهم مار مخايل في 2006 ارتكز على أساس بناء الدولة وإصلاحها، بالإضافة إلى الوصول إلى السّلطة مُقابل تغطية السّلاح، وأنّه في حال لم تعد هذه القاعدة قائمة… فللحديث تتمّة.

كسر التحالف سيضعف الطّرفين. وكان عقده قد أغضب الرئيس الأميركي حينذاك جورج بوش الابن فنشبت بعد 6 أشهر في 12 تموز 2006 الحرب الإسرائيليّة للقضاء على الحزب. كانت توقّعات إسرائيل أن تنتهي الحرب خلال أسبوع. لكنّ المواجهة امتدّت 33 يوماً، وتحوّلت إلى مشكلة للإسرائيليين.

وقد عملَ بوش الابن على إطالة زمن الحرب إفساحاً في المجال أمام الإسرائيليين لتحقيق أهدافهم. وكان نائبه ديك تشيني يرفض أيّ محاولة لوقف إطلاق النار بقوله: “دعوا إسرائيل تُنهي عملها”. لكن لم تستطع إسرائيل إنهاء عملها، ولا تزال صورايخ الحزب تُمثّل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي.

يعتبر بوحبيب أنّ “دوائر القرار في العاصمة الأميركيّة والدّول العربيّة غيّرَت من نظرتها إلى التّيّار الوطنيّ الحرّ بعد تصريحات لقادة ومسؤولي التّيّار دافعت عن سلاح حزب الله و”حقّه” في الدّفاع عن لبنان”. و”العقوبات الأميركية على باسيل هدفها فصل عون عن الحزب”.

أمن إسرائيل الثّابتة التي لا تتغيّر

هناك ثّابتة لا تتغيّر لدى كل الإدارات الأميركيّة، الجمهوريّة منها والدّيموقراطيّة، المُتعاقبة على مدى نصف قرن: الكيان الإسرائيلي هو الحليف الثّابت. حتّى إنّ أيّ كلام أو موقفٍ لا يتطابقان مع مصالح الدّولة العبريّة يُعتَبران في خانة “مُعاداة السّاميّة”.

هذه العلاقة الثّابتة ترتبط بالتزام الولايات المُتحدة بضمان التّفوّق العسكريّ لإسرائيل في الشّرق الأوسط لضمان عدم تعرّضها لـ”خطر وجوديّ”. ويظهر هذا جليّاً في قرارات الإدارات الأميركيّة التي أصدَر بعضها قوانين تحظر بيع أسلحة معيّنة في الشّرق الأوسط لغير الكيان العبريّ.

بوحبيب: يريد الرّئيس الأميركيّ جو بايدن أن تلعَب بلاده دوراً في مُستقبل سوريا، وأن يكون لها كلمة انطلاقاً من مبدأ إذا جلسَ الرّوس إلى الطّاولة فينبغي على الأميركيين أن يجلسوا إليها

بحسب بوحبيب، فإنّ “الإدارة الأميركيّة لا ترى خطراً وجودياً على إسرائيل على الرّغم من إمكان تعرّض الكيان لإطلاق صواريخ أو طعن إسرائيليين وغير ذلك، إلّا أنّ هذه الأحداث لا تتطلّب وجوداً أو بقاءً أميركيّاً في المنطقة”.

وعن التّباين أخيراً في بعض المواقف بين واشنطن وتلّ أبيب خلال حرب الـ11 يوماً في قطاع غزّة قبل أشهر، يرى بوحبيب أنّ “الخلاف طبيعي، لكن لن يتطوّر أكثر من ذلك”. ويستشهدَ بما حدث في 2003 أثناء غزو العراق، حين رفضت السّلطات التركيّة عبور الطّائرات الأميركيّة في أجوائها أو استخدام أراضيها في الغزو، وسأل: “هل عاقبت أميركا تركيا يومها؟ كان هذا خلافاً طبيعياً بين أصدقاء لأنّ تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسيّ، فكيف الحال بالحليف الثّابت إسرائيل؟ الدّيموقراطيّون يهتمّون بسياسة الولايات المُتّحدة الخارجية، وإرساء القِيَم الديموقراطية والإنسانيّة وتقبّل الآخر”.

“كلّ إدارة أميركيّة خلال العقود الثّلاثة الأخيرة حاولت دفع ملفّ السلام الفلسطيني الإسرائيلي قُدُماً. لكن باتَ واضحاً أنّ إسرائيل لا تريد في الوقت الرّاهن سلاماً مع الفلسطينيين. وفي الوقت عينه، الولايات المُتّحدة لن تضغط على تلّ أبيب على قاعدة “all politics is local”، أي “كلّ السّياسات محلّيّة”. وهذه عبارة شهيرة لرئيس مجلس النّواب الأميركيّ السّابق تيب أونيل”، يقول بو حبيب، الذي يؤكّد أنّ “غالبيّة الجالية اليهوديّة في الولايات المُتحدة تؤيّد حلّ الدّولتين وتعارض السّياسات التي انتهجها رئيس الوزراء الإسرائيليّ السابق بنيامين نتانياهو، لكن بالتّأكيد هم ليسوا ضدّ إسرائيل، ولن يكونوا كذلك”.

إقرأ أيضاً: أميركا تستمع… وفرنسا تتحدّث

سوريا: بايدن يريد دوراً في مستقبلها

بحسب رؤية بوحبيب، “يريد الرّئيس الأميركيّ جو بايدن أن تلعَب بلاده دوراً في مُستقبل سوريا، وأن يكون لها كلمة انطلاقاً من مبدأ “إذا جلسَ الرّوس إلى الطّاولة فينبغي على الأميركيين أن يجلسوا إليها”. على عكس إدارة سلفه دونالد ترامب التي اتّسمت بالعشوائيّة والافتقار إلى التخطيط في ما يتعلّق بالسّياسة تجاه الشّرق الأوسط”.

أمّا مستقبل الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد فيرى بوحبيب أنّ “الولايات المُتحدة قد تربط مسألة بقائه أو عدمه بالموقف العربيّ”. ثمّ يعود إلى عهد ترامب، الذي كان يُريد الانسحاب الكامل من الأراضي السّوريّة، فيلفت إلى أنّ “عدداً من المسؤولين الأميركيين عارضوا هذه الخطوة لأنّ البقاء الأميركيّ ضروري في مواجهة الوجود الرّوسيّ على الأراضي السّوريّة”.

في الختام، “ما يهمّ أميركا هو خروج إيران من سوريا قبل روسيا. لأنّ روسيا لا تستطيع البقاء في سوريا طويلاً بعكس إيران التي يُشكّل وجودها مع الميليشيات الموالية لها مصدر قلقٍ لإسرائيل في الدّرجة الأولى”.

 

في الحلقة الثانية غداً:

الاتفاق النّوويّ والعراق والخليج وروسيا والصّين. وسحب بطاريّات الباتريوت في المنطقة

مواضيع ذات صلة

شينكر لـ”أساس”: تطبيق 1701… أو تحوُّل لبنان إلى “سوريا 2”

ماذا يقول المساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر عن سير الأحداث في المنطقة؟ هل باتت الحرب في لبنان قريبة من الانتهاء؟…

سفير مصر لـ”أساس”: الخماسيّة عائدة… التّسوية قريبة

يوم الأحد الماضي كان مفصليّاً. فقد طوى تصعيداً كاد يؤدّي إلى حرب كبرى. وأقفل معه مواجهة اعترف طرفاها الحزب وإسرائيل بانتهائها. وعليه، بدأت في المنطقة…

شينكر لـ”أساس”: لا حرب موسّعة.. حادث مجدل شمس غير مقصود

يستبعد ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق نشوب حرب واسعة بين إسرائيل والحزب على خلفيّة حادثة مجدل شمس لسببين: الأوّل أنّها…

فارس سعَيْد: فرنجية رئيساً قبل دخول ترامب البيت الأبيض؟

وقوع لبنان على لحظة سياسية مشابهة لتلك التي أوصلت الرئيس ميشال عون إلى بعبدا تزداد حظوظه السياسية، وسببه المناظرة الرئاسية الأميركية بين دونالد ترامب وجو…