طاولة فيينا تترنّح مجدّداً: التشنّج السياسي صار عسكرياً

مدة القراءة 6 د

لا تزال إيران على موقفها: “رفع العقوبات الأميركيّة بشكلٍ كامل مُقابل العودة إلى الاتفاق النّووي”. أمّا في أميركا فالموقف أيضاً على حاله: “عودة إيران إلى التزاماتها النّوويّة مقابل رفع العقوبات”.

بين التّعنّتيْن الأميركيّ والإيرانيّ، تترنّح أرجل طاولة المُفاوضات النّوويّة في العاصمة النّمساويّة فيينا التي صارَت شبه آيلة إلى السّقوط في حال لم يتدارك أحدُ الطّرفين الأمر بتنازل.

“الثّقة المعدومة” هو العنوان المُناسب الذي يليق بطاولة “فيينا”. فإيران تعتبر أنّ الأميركيين خدعوها بعد انسحاب الرّئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النّوويّ الذي أُبرِمَ في عهد سلفه باراك أوباما. وعلى المَقلب الآخر تُصرّ إدارة الرّئيس جو بايدن على كبح فرامل تخصيب اليورانيوم الإيرانيّ المُتصاعد يوماً بعد يوم نحو مُعدّلات الاستخدام العسكريّ.

لم ينتهِ موقف لافروف عند حدود قيادة الغرب في واشنطن، بل تعدّاها إلى طهران، لكن على هيئةِ غزلٍ سياسيّ: الموقف الإيرانيّ إزاء الملف النووي نزيه. يحاول الغرب فرض التزامات جديدة على الإيرانيين

على الرّغمِ من “الخديعة” التي تعرّضوا لها، يريد الإيرانيّون أن ترفَع الولايات المُتّحدة جميع العقوبات التي فرضَتها عليهم إدارة ترامب لالتقاط الأنفاس، خصوصاً مع وصول التّيّار الأصوليّ إلى الرّئاسة من خلال حسم أحد أبرز صقوره إبراهيم رئيسي الانتخابات الرّئاسيّة من الجولة الأولى. ومن هذا المُنطلق، يسعى تيّار رئيسي إلى الاستفادة الاجتماعيّة والشّعبيّة من “رفع العقوبات”، لكن يبقى مبدأ “تقديم التنازلات”، الذي يرفضه المُرشد عليّ خامنئيّ، هو العائق الأكبر أمامه.

بكلمات أُخرى، يريد الإيرانيّون “رفعَ كلّ العقوبات من دون تقديم أيّ مُقابل”. وهنا يكمن السّر وراء النّبرة الأميركيّة الحادّة تجاه إيران، والتي جاءَت على لسان رأس الدّبلوماسيّة الأميركيّة أنتوني بلينكن والمبعوث الخاصّ إلى إيران روبرت مالي، والرّدود الإيرانيّة من وزارة الخارجيّة ومجلسيْ الشّورى والأمن القوميّ.

لم تقف حدّة المواقف بشأن الاتفاق النّوويّ عند حدود واشنطن وطهران. إذ اختارت موسكو في الأيّام الماضية الخروج بموقف روسيّ لافت على لسان وزير الخارجيّة سيرغي لافروف الذي اتّهمَ الغرب بـ”محاولة استغلال الوضع من أجل تغيير الاتفاق النووي”. وقد لَفَتَ هذا الكلام المراقبين لأنّه جاء بعد أيّامٍ من تلويح الولايات المُتحدة بالانسحابِ من مُفاوضات فيينا.

لم ينتهِ موقف لافروف عند حدود “قيادة الغرب” في واشنطن، بل تعدّاها إلى طهران، لكن على هيئةِ “غزلٍ سياسيّ”: “الموقف الإيرانيّ إزاء الملف النووي نزيه. يحاول الغرب فرض التزامات جديدة على الإيرانيين”.

بعدَ وزير خارجيّة الكرملين، كان مندوبه الدّائم في الأمم المُتّحدة فاسيلي نيبينزيا يتّهم الولايات المتحدة بمواصلة سيّاسة الضّغط الأقصى التي اعتمدها ترامب ضدّ إيران، وبانتهاك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي نظّم وضع خطة العمل الشاملة المشتركة.

بين طموحات طهران الاقتصاديّة من رفع العقوبات، والفوائد التي سيجنيها الرّوس والفرنسيّون والصّينيّون من ذلك، يبقى الاقتصاد الإيرانيّ رهينةَ “توقيع” في واشنطن

الموقفُ الرّوسيّ تجاه الملف النّوويّ الإيرانيّ ليسَ جديداً، إلّا أنّ التّعمّق فيه يُبيّن أنّ موسكو اصطفّت إلى جانب طهران في موقفها من محادثات فيينا لسببين رئيسين:

الأوّل: توقيع روسيا سنة 2014 اتفاقاً لتشييد مفاعلين نوويّين في إيران مع إمكان بناء ستة مفاعلات أخرى مستقبلاً. وهذا الاتفاق تمّ تجميده بعدما فرض ترامب عقوبات على إيران.

الثّاني: رفض روسيا امتلاك إيران للسّلاح النّوويّ لأنّه يُمثّل خطراً استراتيجياً على المصالح الرّوسيّة التي تضمّ تحت اتحادها الفيدراليّ عدّة جمهوريّات إسلاميّة.

ما هي الترجمة الأمنية للمواقف السّياسيّة والدّبلوماسيّة:

الأهمّ هو ما كشفه موقع “Stars and Stripes” المتخصص بالشؤون العسكرية، من أنّ الجيش الأميركي أغلق 3 قواعد عسكرية في قطر ونقل الجنود والمعدّات والأسلحة ومستودعاتها الكبيرة، إلى الأردن، بينها 27 مستودعاً لتخزين الدبابات والمُدرعات في معسكر السيلية.

إغلاق القواعد ونقلها إلى الأردن يحميها من الخطر الإيراني في حال نشوب حرب عسكرية، لأنّ توسيع المسافة التي ستقطعها صواريخ إيران في طريقها إلى القواعد الأميركية، يزيد من قدر الأميركيين على كشف مسارها واعتراضها، لتفادي سيناريو قصف قاعدة عين الأسد غرب العراق بعد اغتيال قائد قوة القدس الأسبق قاسم سليماني مطلع 2020. وبهذا تخسر إيران إحدى أوراق الضغط العسكريّة التي تسعى لترجمتها سيّاسيًا على طاولة فيينا.

وقبل أسابيع قليلة، أعلنَت إيران عن توقّف العمل في مفاعل بوشهر النّوويّ لأسبابٍ طارئة لم تُحدّدها. وأخيراً، كشفت تقارير عن هجوم بطائرة مُسيّرة أقلعت من داخل إيران استهدفت مبنى تابعاً لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانيّة في كرج يُستخدم لتجميع أجهزة الطرد المركزيّ.

وكَشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة أنّ المبنى المُستهدَف هو مصنع أجهزة الطرد المركزي التي تُستخدَم لتخصيب اليورانيوم في منشأتيْ فوردو ونطنز.

مع الهجمات التخريبيّة على البرنامج النّوويّ، جاءَت الأنباء من شمال المحيط الهنديّ عن استهداف سفينة شحن إسرائيليّة بصاروخ “مجهول المصدر” أدّى إلى اشتعال النّيران فيها. وبعد استهداف السّفينة الإسرائيليّة بساعات، نقلَت وسائل إعلام إيرانيّة عن انقطاع مُتزامنٍ للتّيار الكهربائيّ عن العاصمة الإيرانيّة طهران ومحيطها.

إقرأ أيضاً: طاولة فيينّا تترنّح… من بغداد إلى بيروت

نعود إلى فيينا، حيث سيعود الأميركيّون والإيرانيّون والمجموعة الدّوليّة للجلوس للمرّة الأخيرة فيها هذا الأسبوع، إذا لم تتأجّل. بين طموحات طهران الاقتصاديّة من رفع العقوبات، والفوائد التي سيجنيها الرّوس والفرنسيّون والصّينيّون من ذلك، يبقى الاقتصاد الإيرانيّ رهينةَ “توقيع” في واشنطن. وإلى حين حلّ المسألة المُستعصية بـ”معجزة” سياسيّة، قد يكون الموساد الإسرائيلي أسرع من الحلول والتواقيع، في مخطّطه لعرقلة البرنامج النّوويّ الإيراني.

طاولة فيينا تترنّح، لكن هذه المرّة بدأ الترنّح يتّخذ أشكالاً عسكرية وليس تصريحاتٍ سياسية فقط، كما كان الحال قبل أسبوع.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…