رَحلَ المُقاتل المُتغطرِس الذي خاضَ حربين، وغزا مُغيّراً معالم الشّرق الأوسط. رحَلَ الرّجل الذي كان أصغر مَن تولّى وأكبر مَن تولّى منصبَ وزير الدّفاع في الولايات المُتحدة الأميركيّة. رحَلَ الرّجل الذي صافح الرّئيس العراقيّ الأسبق صدّام حسين سنة 1983، وبعد 20 عاماً دَخلَ العراق غازياً وجلَسَ على كُرسيّ “أبي عُديّ”… رَحلَ دونالد رامسفيلد.
رَحلَ رامسفيلد عن 89 سنة بهدوءٍ لا يُشبهُ ضجيج الحروب التي هندسها وشجّعها ضدّ أفغانستان والعراق. ولا يُشبه أنين مُعتَقلي “أبو غريب” و”غوانتانامو” اللذين ذاعَ صيتهما تحت إدارته.
رَحلَ صقرُ المحافظين الأميركيين عشيّة انسحاب جيش بلاده من “بلاد ما وراء النّهر” (أفغانستان) والإبقاء على 2000 منها فقط في “أرض ما بين النّهرين”.
سعى رامسفيلد إلى إقرار قانون “حريّة المعلومات”، ونجح في المهمّة، فأصبح محطّ أنظار أقطاب الحزب الجمهوريّ يومها. وكانت النتيجة أن اختاره الرّئيس ريتشارد نيكسون سنة 1969 ليرأسَ “مكتب الفرص الاقتصاديّة
الرّجلُ، الذي شقّ طريقه السّياسيّ بسرعة، أبصَر النّور سنة 1932 في ولايَة “إيلينوي” لأبوين إنجيليّيْن محافظيْن من أصولٍ ألمانيّة. كان والده طيّاراً في سلاح الجوّ الأميركي، وربّما هذا لعبَ دوراً في زرعِ حبّ الحروب في “دون” الذي قادَ غزو أفغانستان والعراق في عُمر الـ70.
لم يكن الطّيّار جورج رامسفيلد وزوجته جانيت يعلمان أنّ طفلهما “دون” سيكون محطّ إعجاب رؤساء أميركيين من ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، وصولاً إلى جورج بوش الابن. ولم يعلَما أيضاً أنّ ابنهما “الهادئ” سيُغيّر معالم الشّرق الأوسط إلى الأبد…
في سنّ الـ22، تخرّج رامسفيلد من جامعة برينستون حاملاً شهادةً في العُلوم السّياسيّة، واتّجه مباشرةً إلى البحريّة الأميركيّة، وخدَم في صفوفها 3 سنوات. لم يتأخّر “دون” عن اقتحام عالم السّياسة وصناعة القرار، فخاضَ انتخابات مجلس النّوّاب في عُمر الـ30، واُنتُخِبَ مُمثّلاً عن ولاية “إيلينوي”.
من النّيابة إلى البيت الأبيض…
أثناءَ نيابته، سعى رامسفيلد إلى إقرار قانون “حريّة المعلومات”، ونجح في المهمّة، فأصبح محطّ أنظار أقطاب الحزب الجمهوريّ يومها. وكانت النتيجة أن اختاره الرّئيس ريتشارد نيكسون سنة 1969 ليرأسَ “مكتب الفرص الاقتصاديّة”. وبعد مدّة، عيّنه الرّئيس نيكسون مستشاراً له قبل أن يتمّ اختياره سفيراً لبلاده لدى حلف الناتو في العاصمة البلجيكيّة بروكسل أيّامَ الحرب الباردة بين الولايات المُتّحدة والاتحاد السّوفياتي.
الرّجلُ، الذي شقّ طريقه السّياسيّ بسرعة، أبصَر النّور سنة 1932 في ولايَة “إيلينوي” لأبوين إنجيليّيْن محافظيْن من أصولٍ ألمانيّة
بعد فضيحة “ووتر غيت” واستقالة الرّئيس نيكسون سنة 1974، عادَ رامسفيلد إلى واشنطن، حيثُ تولّى مقاليدَ الحُكم نائب الرّئيس جيرالد فورد الذي عيّنَ السّفير العائد من بلجيكا كبيراً لموظّفي البيت الأبيض، قبل أن ينتقل سنة 1975 إلى مبنى “البنتاغون” كأصغر وزيرٍ للدّفاع في تاريخ الولايات المُتحدة في سنّ الـ43.
سنة 1976، خَسِرَ جيرالد فورد السّباق الرّئاسيّ بوجه الدّيموقراطي جيمي كارتر بسبب الأزمة الاقتصاديّة الحادّة التي عَصَفَت بأميركا في عهده. مع مُغادرة فورد البيت الأبيض، عاد “دون” رامسفيلد إلى العَمل في القطاع الخاصّ.
ومع دخول رونالد ريغن إلى البيت الأبيض، اختارَ رامسفيلد موفداً له إلى العراق للقاء صدّام حسين ووزير خارجيّته طارق عزيز سنة 1983 أثناء الحرب بين العراق ونظام الخميني في إيران. يومها، التقطَ “دون” صورته الشّهيرة وهو يصافح صدّام حسين الذي قدّم له هديّة “صادمة للغاية”.
كانت الهديّة عبارة عن شريط فيديو يُظهرُ مجنّدات سوريّات يقطعنَ رؤوس ثعابين بأسنانِهنّ وجنوداً يطعنون جراء كلاب صغيرة حتى الموت وسط تصفيق الرّئيس السّابق حافظ الأسد. وَصَف رامسفيلد هديّة صدّام في منشورٍ على موقع قال فيه: “الهدايا مُدهشة أحياناً، لكنّ تلك الهدية تحديداً صدمتني”. وأضاف: “أعطاني صدّام هذا الشريط الذي تبلغ مدّته 3 دقائق لكشف الفظائع المفترضة للسوريّين”.
اليد الضّاربة للمحافظين الجُدد…
سنة 2001 كانت السّنة المفصليّة في مسيرة رامسفيلد السّياسيّة. فيها، وصَل حاكِم ولاية تكساس الجمهوريّ جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الرّئاسيّة بوجه مُرشّح الحزب الدّيموقراطي آل غور.
إقرأ أيضاً: ديدي: سارق الأرشيف النّوويّ وقاتل فخري زاده رئيساً للموساد
مع دخول بوش الابن المكتب البيضاويّ، دخَل معه فريقٌ يضمّ صقور المُحافظين الجُدد في البلاد، وفي مُقدّمهم نائبه ديك تشيني، وبول وولفويتز، وإليوت أبرامز، وريتشارد بيرل، وبول بريمر وكونداليزا رايس. وبطبيعة الحال، وزير الدّفاع الأكبر سنّاً في تاريخ الولايات المُتحدة دونالد رامسفيلد.
يدعو “المحافظون الجدد” إلى تعزيز “الديموقراطية” و”التدخّل في الشؤون الدوليّة”. ويدعون أيضاً إلى “إحلال السّلام باستخدام القوّة العسكريّة”. ويُعرَفون بتبنّيهم مبدأ “ازدراء الشيوعيّة” و”الراديكالية السّياسيّة”.
في الجزء الثّاني: صعود نجم “دون” وسقوطه…