ديدي: سارق الأرشيف النّوويّ وقاتل فخري زاده رئيساً للموساد

مدة القراءة 6 د

ليس رجلاً عادياً. في سلسلة الأحداث الأخيرة على مسرح الشرق الأوسط الملتهب، كانت له كلمات حاسمة في الصراع بين إيران وإسرائيل. حتّى أمكن القول إنّه أكثر مَن آلم إيران نووياً في السنوات الأخيرة. وربّما يكون هو السبب في إفشال مشروع طهران النووي.

هو رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي الجديد ديفيد برنياع “ديدي” الذي تسلّمَ مهمّاته في الأوّل من الشّهر الجاري خلفاً لرفيقه في المسيرة الجاسوسيّة يوسي كوهين. وفوراً وعد بأن “يستمرّ البرنامج النووي الإيراني في مواجهة القوة الكاملة لذراع الموساد. ونحن على دراية تامّة بمختلف مكوّناته، وعلى دراية شخصية جداً بالمسؤولين المعنيّين به”.

نال “الثّنائي الاستخباري” جائزة “أمن إسرائيل” على عملية خاصّة نفّذاها “خارج الحدود”. وتولّى سليل اليهود الألمان قيادة العمليات الاستخباريّة في الدّاخل المُحتلّ وخارج الحدود، بما فيها عمليّات تجنيد الجواسيس في القارّة العجوز، أوروبا

تهديداتٌ علنيّة لإيران، وتأكيدات على استمرار الاغتيالات بحقّ المسؤولين الإيرانيين عن البرنامج النّووي.

لم يلتفت كثيرون لتعيين ديفيد برنياع في قيادة الموساد، ولم تعمَل محرّكات البحث كما ينبغي، وذلك لاهتمام المتابعين بالمواجهة الأخيرة بين الجيش الإسرائيلي وفصائل قطاع غزّة. فجاء التعيين بهدوءٍ على الرّغم من أنّ الرّجل الذي تربّع على عرش الموساد هو “الجاسوس” رقم 1 في إسرائيل.

فمن هو ديفيد برنياع الذي استولى على الأرشيف النّووي الإيراني سنة 2018، وجاء متوعّداً سنة 2021؟

في ثلاثينيات القرن الماضي، وصلَت باخرة إلى شواطئ فلسطين تحمِلُ مجموعة من اليهود الهاربين من الحُكم النّازي في ألمانيا، كان من ضمنهم جوزيف برنياع والد رئيس الموساد الجديد. نزَل جوزيف من الباخرة وهو ابن 3 سنين، لينضمّ في عمر الـ16 إلى عصابات “البالماخ” الصّهيونيّة، النّواة الرّئيسة للجيش الإسرائيلي، وشارَك في المجازر وعمليات الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، قبل أن تصدُر وثيقة “إعلان قيام دولة إسرائيل” سنة 1948.

في آذار سنة 1965، وُلِدَ لجوزيف وزوجته ناعمي ابنهما ديفيد، الذي صارَ من أهمّ الشّخصيّات في تاريخ الجاسوسيّة الإسرائيلية. أولى خطوات “ديدي” في عالم الجاسوسيّة كانت سنة 1983 بعد ضمّه إلى وحدة “استطلاع هيئة الأركان العامة” أو الوحدة 269 المعروفة باسم “سايرت متكال”. وهي نخبة الفرق الخاصّة في الجيش الإسرائيلي، ونفّذت أشهر عمليّات الاغتيال والمهمّات الخاصّة الإسرائيليّة، مثل اغتيال القيادي الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس، واختطاف الشّيخ عبد الكريم عبيد ومصطفى الدّيراني في لبنان.

مع تسريح جميع زملاء برنياع من الجيش، أُجِّل تسريحه لمدة سنة “لاستكمال نشاط عملياتي حسّاس ذي أهمية استراتيجية كان يشارك فيه”، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”.

من تل أبيب طار ديفيد إلى مدينة نيويورك الأميركيّة بعدما أنهى خدمته العسكريّة سنة 1989. في بلاد العمّ سام حَصَل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بيس. عاد سنة 1992 إلى تل أبيب، حيث عمل في مصرفٍ استثماري، ثمّ أصبح محللّاً اقتصادياً ومديرَ أعمال في شركة ماليّة.

سنة 1996، بدأت حكايته مع الموساد الإسرائيلي، الذي شرّعَ أبوابه أمام “ديدي”، حين انضمّ إلى صفوفه وتلقّى دورةً تدريبيّة ليصبح ضابط استطلاع مهمّته جمع المعلومات الاستخبارية. ثمّ خدم في شعبة “تسوميت”، المسؤولة عن تجنيد الجواسيس لمصلحة الدّولة العبريّة، تحت قيادة رفيق دربه يوسي كوهين، فجنّدا مئات الجواسيس، وتنقّلا في عدّة دول باستخدام جوازات سفر مزوّرة.

استطاع رئيس الموساد الجديد أن يقود إحدى أضخم وأدقّ وأخطر عمليّات الموساد، وهي الاستيلاء على “أرشيف البرنامج النّوويّ الإيراني” الذي أدّى إلى كشف هويّة العالم النّووي الأبرز محسن فخري زاده، ثمّ إلى اغتياله في تشرين الثّاني 2020 في عمليّة معقّدة لم تُكشَف حكايتها الكاملة حتّى اليوم

نال “الثّنائي الاستخباري” جائزة “أمن إسرائيل” على عملية خاصّة نفّذاها “خارج الحدود”. وتولّى سليل اليهود الألمان قيادة العمليات الاستخباريّة في الدّاخل المُحتلّ وخارج الحدود، بما فيها عمليّات تجنيد الجواسيس في القارّة العجوز، أوروبا.

من “تسوميت” انتَقل برنياع سنة 2007 إلى شعبة “كيشيت”، وهي تتولّى تنفيذ عمليّات وجمع معلومات بوسائل تكنولوجية تتضمّن القرصنة في “الدّول المُهمّة”. بعد 6 سنوات، عادَ إلى شعبة “تسوميت”، لكن هذه المرّة رئيساً لها خلفاً لرفيق دربه “عارض الأزياء” يوسي كوهين. استفادت الشّعبة من الثّنائي المُتناغِم مهنياً وشخصياً، وحصلت في عهد “ديدي” على 4 من جوائز أمن إسرائيل التي تُمنَح للعمليّات المُؤثّرة والمهمّة.

مع تربّع صديقه كوهين على عرش الجهاز الاستخباريّ الإسرائيلي الأبرز، اختار برنياع نائباً و”وليّ عهدٍ” له يخلفه بعد تقاعده من المنصب. عمل الثّنائي في واحدة من أكثر الفترات الأمنيّة والسّياسيّة حساسية في تاريخ الكيان. إذ حاصرت إيران وطموحاتها النّوويّة أفكارهما، وطموحاتها التّوسّعية في سوريا والعراق أنظارهما، أمّا في الدّاخل فكانت تكفي الأزمة السّياسيّة الحادّة التي أدّت إلى 4 دورات انتخابيّة في الكيان العبري خلال أكثر من عامين.

على الرّغم من الأزمات والتّحدّيات، استطاع رئيس الموساد الجديد أن يقود إحدى أضخم وأدقّ وأخطر عمليّات الموساد، وهي الاستيلاء على “أرشيف البرنامج النّوويّ الإيراني” الذي أدّى إلى كشف هويّة العالم النّووي الأبرز محسن فخري زاده، ثمّ إلى اغتياله في تشرين الثّاني 2020 في عمليّة معقّدة لم تُكشَف حكايتها الكاملة حتّى اليوم.

يتسلّم “ديدي” قيادة الموساد في توقيتٍ أكثر حساسيّة مع إيران. إذ تتخوّف سلطات بلاده من عودة الرّئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى اتفاق باراك أوباما لعام 2015. وصول برنياع إلى قيادة الموساد ترافق مع أحداث شهدتها إيران في قطاعها النّفطي مع نشوب حريق ضخم في أكبر مصافيها النّفطية قرب طهران وفي الأحواز، بالإضافة إلى غرق أكبر بواخر النّقل الإيرانيّة بعد نشوب حريقٍ فيها.

إقرأ أيضاً: الاتّفاق النّوويّ لا يزال بعيداً: إقصاء الإصلاحيّين أوّلاً

السّؤال: هل كان برنياع يُرسِل أولى هداياه رئيساً للموساد، بحراً، وطاقةً، إلى إيران، بعدما استولى على أرشيفها وقتل محسن فخري زاده حين كان نائباً للرّئيس؟

الأيّام المُقبلة قد تُثبت أنّ برنياع في قيادة الموساد سيكون أكثر تشدّداً من رفيق دربه يوسي كوهين.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…