في الثالث والعشرين من آب 2018، أي قبل ما يقارب السنوات الثلاث، استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان. بعد السلام والترحيب والسؤال عن أحوال اللبنانيين، قال الملك سلمان مخاطباً المفتي دريان: “ماذا يطلب المسلمون في لبنان منّا في المملكة؟”، فأجابه المفتي: “جلالتك نطلب منكم دعم الرئيس سعد الحريري”، فردّ الملك سلمان: “يا سماحة المفتي، إجمع شمل المسلمين تحت قبّة دار الفتوى، والمملكة إلى جانبكم ومستعدّة لكلّ دعم تطلبونه”.
القصّة أعلاه نقلها وفد بيروتي من شخصيات حزبية واجتماعية زار المفتي دريان بعد عودته مباشرة من تلك الزيارة. ويواصل أحد أعضاء الوفد روايته، فيقول: “المفتي دريان بعد عودته إلى لبنان، زار الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط وأخبره بتفاصيل اللقاء الذي دار بينه وبين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ونقل له تفاصيل الحوار، فما كان من الرئيس الحريري إلا أن قال للمفتي: “لقاء كهذا يكون في بيت الوسط، وليس في أيّ مكان آخر…”.
ثلاث سنوات حملت الكثير من الجفاء ما بين المملكة العربية السعودية وسُنّة لبنان حتّى إنّه يَصحّ القول إنّ الطرقات ما بين أرض الحرمين وسُنّة لبنان نما وكبُرَ فيها العشب
ثلاث سنوات تقريباً مرّت على كلام العاهل السعودي للمفتي دريان، إلا أنّ هذا اللقاء الجامع لم ينعقد في دار الفتوى، حتى إنّه لم تجرِ محاولات جدّيّة لانعقاده.
ثلاث سنوات حملت الكثير من الجفاء ما بين المملكة العربية السعودية وسُنّة لبنان حتّى إنّه يَصحّ القول إنّ الطرقات ما بين أرض الحرمين وسُنّة لبنان نما وكبُرَ فيها العشب، أو كما يقول الشاعر الكبير طلال حيدر الذي يكنّ له السفير وليد البخاري محبةً وتقديراً كبيرين: “عَ كِتر ما طلع العشب بيناتنا، بيرعى الغزال”.
مع كلّ استحقاق انتخابي يُرفَع شعار “لَمّ الشمْل السُنّيّ..”، ودائماً الشرارة تنطلق من بيت الوسط أو من القنطاري سابقاً، حيث مقرّ الأمانة العامّة لتيار المستقبل. هذا ما حصل قبل الانتخابات البلدية الأخيرة، وقبل الانتخابات النيابية في عام 2018. هي دعوة يتمّ تداولها وفقاً للتوقيت الانتخابي، وتنتهي مع إعلان اللوائح الانتخابية في احتفالية “ينفخت فيها الدفّ ويتفرّق العشّاق”، كما يقول المثل الشعبي الشهير.
بدأ الحديث يتعاظم عن الانتخابات النيابية عام 2022، وبحكم الخلافات والمواجهات المؤجّلة غير المحسومة، انصرف الجميع إلى الاستعداد لهذه الانتخابات على خطّين، الأول ميدانيّ يتمثّل باللقاءات المنزلية والمناسبات الاجتماعية، والثاني سياسيّ يدور حول التحالفات الممكنة أو المتخيَّلة.
أعادت هذه الأجواء شعار “لَمّ شَمْل الساحة السُنّيّة” إلى التداول، وبات جزءاً من الأحاديث. ودائماً الشرارة الأولى من بيت الوسط، حيث نقلت إحدى الإعلاميّات عن الرئيس سعد الحريري قوله: “سأعمل على لَمّ شمل الساحة السنّية، وقد التقيت جهاد الصمد وعدنان الطرابلسي وعبد الرحيم مراد وخلدون الشريف، والأمور تسير كما هو مرسوم لها”. ثلاث من هذه الشخصيات أُعلن لقاؤها بالرئيس الحريري في الإعلام، فيما رابعهم رفض التقاط الصورة أو إعلان اللقاء.
إقرأ أيضاً: أهل السُنّة والمسار الوطنيّ: الإجماع على الإعتذار؟
الاعلامية الناقلة لكلام الرئيس الحريري أُصيبت بالدهشة، فعلّقت مستغربة لأحد الإعلاميين في بيت الوسط، وهي تعبر الحديقة متّجهة إلى مرأب السيارات، “هل هذه هي الساحة السنّيّة؟! أين الأسماء الكبيرة؟ أين المرجعيّات البارزة؟
بالتزامن مع كلام الرئيس سعد الحريري الذي نقلته إحدى الإعلاميّات، كان لافتاً ما قاله الأمين العام لتيّار المستقبل أحمد الحريري، خلال جولته الأخيرة في البقاع، عندما اجتمع مع أعضاء المنسقيّة هناك، وأكّد لهم أنّ التيار في الانتخابات لن يتحالف مع أيّ حزب أو تيّار، بل سيخوض الانتخابات بالتحالف مع شخصيّات مستقلّة تمثّل نفسها ولا تمثّل أحداً.
غداً في الحلقة الثانية: ما دور جماعة الإخوان في لَمّ شَمْل سُنّة لبنان.. بالأسماء والتفاصيل.