نقاش مع إبراهيم الأمين: عن الثوّار… الكفّار

مدة القراءة 8 د

لطالما حاول الصحافيون والناشطون والكتّاب في محيط حزب الله، الترويج لفكرة أنّ معارضي حزب الله في لبنان، هم إمّا عملاء للغرب الأميركي، واستطراداً عملاء لإسرائيل، إذا كان الكاتب “منفعلاً” خلال الكتابة، وإمّا مغرّرٌ بهم بمئات ملايين الدولارات التي دفعها جيفري فيلتمان لغسل عقول اللبنانيين ضدّ حزب الله، على ما تقول الرواية الحزب اللهية.

ولطالما حاول ممانعون، كتّاباً ومثقّفين، التقليل من شأن أفكار المعترضين على حزب الله، وتصويرهم على أنّهم يستحقّون المحاكمة أو حتّى القتل والسحل. بعضهم يردح من على سطوح مواقع التواصل، وبعضهم جدير بالاحترام.

بل ودعاهم ذات مرّة الزميل إبراهيم الأمين إلى أن “يتحسّسوا رقابهم” و”هم يخرجون من بيوتهم النّجسة”. على الرغم من أنّ كلّ هؤلاء لم يخرج من بينهم عميل واحد لدولة أجنبية. والأمن في لبنان في يد الحزب ومحيطه. بل إنّ من ثبتت عمالتهم، لأجهزة غربية أو لإسرائيل، خرجوا من بيئة الحزب، في أغلبيّتهم الساحقة.

يريد الأمين القول إنّ هؤلاء فارغون. لا شيء في عقولهم غير السفر واللهو والمقهى. إذاً هؤلاء حثالة ما يمكن تصوّره من عمل اجتماعي وسياسي. هم بلا أفكار، بلا عقول، بلا أهداف، وبلا ضمير

بلا إطالة، يطلق الأمين اليوم فكرة جديدة، عنوانها “جمعيّات التكفير والهجرة”. ويتحدّث في مقالته المنشورة أمس عن العاملين في منظمات المجتمع المدني، فيشرح أنّهم “شباب وصبايا يرغبون في العيش وفق النموذج الغربي، في ما خصّ آليّة السكن والمأكل والملبس وأماكن السهر وشكل الترفيه ونوع التعليم وأماكن التجمّع وطبيعة الاستهلاك”.

يقول هذا كما لو أنّه تهمة. فيما هو بالتأكيد، يجلس في مكتبه، الغربيّ التصميم، آتياً إلى المكتب بسيارته الغربية الصناعة، وحاملاً هاتفه الغربيّ الاختراع، والأرجح أنّه يتناول من الأطعمة، أسبوعياً، ما هو غربيّ المطبخ، ويكتب مقالته على الكمبيوتر الغربي، وينشرها على الإنترنت الغربي، ليعود فريقه ويوزّعه على الفيسبوك الغربيّ، وعلى تويتر الغربي… ولن ننتهي. الشرق المُتخيّل في قلم الزميل لا يعدو كونه كلمةً عابرةً في موقف عابر. أو إذا أحسنّا الظنّ، هو حلمٌ، ربما يكون جديراً بالنضال من أجله.

ويضيف الزميل أنّ هؤلاء الناشطين، الذين يقول إنّهم “غربيّون”، في تلطيف “ثقافيّ” لتهمة “الخيانة” و”الأمركة” و”الأسرلة”، “يرغبون في ما يعتقدون أنّه حقّ لهم بسبب ما أنفقه أهلهم على تعليمهم وعلى تطويرهم، وهم يعودون من رحلات الخارج وفي بالهم إمكان تطبيق ما عايشوه هناك في لبنان، الأمر الذي أدّى الى صدام عنيف بدأ مع قواعدهم الاجتماعية”.

لا أملك بين يديّ إحصاءً دقيقاً، لكن أجزم من خلال معرفتي بعشرات من هؤلاء العاملين في منظّمات المجتمع المدني، ومن الثوّار، الذين يقصدهم، أنّ معظمهم تلقّوا تعليمهم في لبنان، وبعضهم تلقّى التعليم العالي في الخارج، وهم قلّة، فيما الأكثريّة ما سافروا يوماً، بسبب مجيئهم من بيئات فقيرة أو متوسّطة. لكن هذا ليس نقاشنا. فالزميل إبراهيم، ذو القلم الرشيق، والقدرة الكتابيّة العالية، يبني روايته مقطعاً تلو آخر، ليدفع القارىء إلى احتقار كلّ من يعمل أو يتطوّع في منظمة أو جمعية “مدنية”. بل هو تشويه ظالم لفكرة “العمل المدني”.

ثم يضيف الأمين أنّ هؤلاء الشابّات والشبّان، الذين كانوا جزءاً من نواة ثورة 17 تشرين الموءودة بالهراوات “الشرقية” والعضلات “المُقاوِمة”، من الرينغ إلى رياض الصلح والنبطية وغيرها… يضيف أنّهم “لا يقدرون على التعايش مع مستوى الرواتب والدخل الذي توفّره الدولة أو القطاع الخاص كما يعرفه لبنان. ولم يكن أمامهم سوى التطوّع للعمل في خدمة المنظومة العالمية الجديدة التي تُسمّى: المنظمات غير الحكومية ومجموعات المجتمع المدني”.

يطلق الأمين اليوم فكرة جديدة، عنوانها “جمعيّات التكفير والهجرة”. ويتحدّث في مقالته المنشورة أمس عن العاملين في منظمات المجتمع المدني، فيشرح أنّهم “شباب وصبايا يرغبون في العيش وفق النموذج الغربي

هنا نصل إلى ذروة “الرواية Story”: هؤلاء يلهثون خلف المال. خلف الرواتب. في “خدمة” المنظومة العالمية الجديدة. نحن إذاً أمام منظومة عالمية تكره “المقاومة”، وجنودها هم من الراكعين للغرب، والخانعين المستسلمين أمام  “بروتوكولات إضافية للعيش. من شكل المنزل الى محتوياته، إلى نوع المقهى والمطعم، إلى وجهة الترفيه، إلى نوعيّة المدارس ووجهات السفر…”.

يريد القول إنّ هؤلاء فارغون. لا شيء في عقولهم غير السفر واللهو والمقهى. إذاً هؤلاء حثالة ما يمكن تصوّره من عمل اجتماعي وسياسي. هم بلا أفكار، بلا عقول، بلا أهداف، وبلا ضمير.

ويخلص الزميل العزيز إلى أنّ هؤلاء “تحوّلوا سريعاً إلى أدوات معطِّلة لكلّ تطوير جدّي وطبيعي لبنية الدولة ومؤسّساتها”.

حقّاً يا زميلنا العزيز؟ حقّاً؟

هؤلاء هم من عطّلوا “كلّ تطوير جدّي وطبيعي لبنية الدولة ومؤسّساتها”؟ هم من سرقوا المليارات؟ هم من نهبوا الوزارات؟ هم من أفلسوا المصارف؟ هم من أفسدوا وهتكوا وظلموا؟

تابعوا معنا.

يصل إلى هذه الجملة: “وخياراتهم في طريقة الوصول إلى إدارة الدولة تقوم على فكرة أنّهم يمثّلون فئة اجتماعية أكثر رقيّاً من غيرهم، من نواحٍ عديدة. وهم لا يحتاجون إلى تفويض شعبي كما تقرّر الانتخابات في أيّ دولة، بل يكفيهم ما عندهم من «ترقّي» ومن «حصانة وحضانة خارجية» لكي يشكّلوا البديل. وهم لا يريدون أكثر من أن يقوم أحد ما بالانقلاب على السلطة وإطاحتها، وتسليمهم البلاد لإدارتها. وفكرتهم عن كلّ مَن يناقشهم أنّه متخلّف ورجعيّ وخاضع”.

إذاً، إضافةً إلى كلّ الصفات البشعة التي ألصقها بشابّات وشبّان، فَقَد بعضهم عيونه، وآخرون جُرحوا أو قُتلوا أو عُطبوا، وهم يواجهون هراوات رجال الأمن، والعصيّ التي حملها عليهم رجال الميليشيات في وسط بيروت… يتوّج حكايته عنهم بأنّهم “لا يريدون أكثر من أن يقوم أحد ما بالانقلاب على السلطة وإطاحتها، وتسليمهم البلاد لإدارتها”.

ربّما لأنّ بعضهم يفكّر بالترشّح في الانتخابات النيابية. الله على ما أقول شهيد: إذا نجح منهم بالقانون الحالي أكثر من عدد أصابع يد واحدة، أو يدين، فسأعتذر علناً من الزميل إبراهيم، وأقول له إنّه كان مصيباً في أنّهم يريدون “الانقلاب على السلطة وإطاحتها، وتسليمهم البلاد لإدارتها”.

يخطىء الأمين كثيراً وأخيراً، حين يظنّ أنّ الثوّار نزلوا إلى الشوارع ضدّ سلاح حزب الله. والدليل أنّه حتّى نهايات الحراك في الشارع، لم يُرفَع أيّ شعار ضدّ الحزب، إلى أن بدأت مجموعات “شيعة شيعة شيعة” تضرب الثوّار

الانقلاب؟ “حتّة واحدة”؟ كما يقول المصريّون؟

الانقلاب وتسلّم السلطة؟ بهذا القانون المذهبي؟ وبوجود أجهزة السلطة، من أمن وقضاء وسياسة وإدارة، وأحزاب مسلّحة إلى جانبها، كلّها ضدّهم؟ وصولاً إلى الإعلام التشويهيّ الذي يحاصر مَن يعملون في منظمات المجتمع المدني، ومَن يفكّرون في التظاهر ضدّ هذا النظام السياسي الظالم.

يُنهي رئيس تحرير جريدة “الأخبار” مقالته بالقول: “مشكلة مجموعات التكفير والهجرة عندنا أنّها لا تمانع الحرب، لكنّها لا تريد أن تكون ضمنها. هي أفضل مَن يحترف الوقوف على التلّ، ورفع الصوت حيث يمكن، من خلال منصّات تملكها وتسيطر عليها قوى التحالف الغربي – الخليجي نفسها. وحتّى اليوم، ليس من مشترَك حقيقي بين كل هذه المجموعات سوى عنوان واحد: رفض خيار المقاومة!”.

يتّهمهم بالتحريض على الحرب. هم الذين لا يملكون أيّ سلاح ولا ميليشيا ولا يحرّضون مذهبياً ولا يمثّلون حزباً أو طائفة، وهم الذين فشلوا في الاتفاق على شعار واحد أو على مرشّح واحد في الانتخابات الفائتة، هؤلاء، يتّهمهم بأنّهم يريدون الحرب.

أيُّ ظلمٍ هذا يا رفيق؟

ويخطىء الأمين كثيراً وأخيراً، حين يظنّ أنّ الثوّار نزلوا إلى الشوارع ضدّ سلاح حزب الله. والدليل أنّه حتّى نهايات الحراك في الشارع، في الربع الأول من العام الماضي، لم يُرفَع أيّ شعار ضدّ الحزب، إلى أن بدأت مجموعات “شيعة شيعة شيعة” تضرب الثوّار.

إقرأ أيضاً: شكرًا إبراهيم الأمين

يعرف الزميل ابراهيم أنّ مئات آلاف اللبنانيين ثاروا ضدّ النظام السياسي كلّه، من أقصى الشمال إلى أقصى البقاع والجنوب، وفي كلّ المدن. ويعرف أنّ اللبنانيين جاعوا وانهزموا أمام المرض وفواتير الكهرباء وعتمة المولّدات، وكسرهم العَوَز، وأنّهم لا يريدون أميركا ولا إسرائيل، بل ولا يمانعون البنزين الإيراني، وأنّهم يريدون أن يأكلوا، وأن يملأوا سياراتهم بالبنزين، وأن يتطبّبوا، وأن يعلّموا أولادهم، كما كانوا يفعلون قبل الانهيار.

وأعرف أنّ الحزب، الذي يمسك هذا النظام، تحسّس من الثورة، باعتبارها تقوم ضدّ نظام “يملكه” أو يديره وفق مصالحه. لكنّ هذه السياسة لا يجوز أن تصل إلى حدّ اتهام مئاتٍ وآلاف المؤمنين بالعمل المدني، خارج الأحزاب الفاسدة والطائفية، بأنّهم عملاء للغرب، لاهثون خلف المال والمطاعم فقط.

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….