وسّعت الولايات المتحدة من دائرة المعنيين بالمسألة السورية. أضافت كندا واليابان وإيطاليا وتركيا ودولة قطر والمبعوث الأممي غير بيدرسون، إلى “المجموعة المصغّرة”، المؤلّفة من الولايات المُتّحدة والمملكة المُتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة العربيّة السّعوديّة والمملكة الأردنيّة الهاشميّة وجمهوريّة مصر العربيّة، في الاجتماع الذي تستضيفه روما برئاسة وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن غداً، على هامش مؤتمر التحالف الدّوليّ لمكافحة “داعش” في العاصمة الإيطاليّة.
كانت تلك مفاجأة، لكن من يبحث عن أسبابها لن يتعجّب أبداً. فالتوسعة هذه أعادت إلى الأذهان صيغة “المجموعة الدولية لدعم سوريا”، التي انبثقَت بعد “مُحادثات فيينا للسّلام 2015″، باستثناء روسيا وإيران. كأنّ الرئيس جو بايدن يعيد “رؤية أوباما” إلى الملفّ السوري، بعد سنوات دونالد ترامب “الجمهورية”، لكن بالتنسيق بين الحلفاء.
الاجتماع في روما هو أولى الرّسائل التي ستشير إلى ما ستؤول إليه الأمور بين واشنطن وموسكو بشأن الملف السّوريّ. فبايدن أعادَ نسجَ تحالفاته وتمتينها، خصوصاً مع الاتحاد الأوروبيّ، لضمان “وحدة المسار” تجاه سوريا
هو اجتماع هدفه “دوزنة” إيقاع حلفاء واشنطن تجاه المَلفّ السّوري، ورسالة قوّة ناعمة بوجه موسكو وطهران بعد قمّة بايدن – بوتين.
أمّا المُفاجأة الثّانية فكانت دعوة وزير خارجيّة تركيا مولود جاويش أوغلو، الذي تُعدّ بلاده أحد أعمدة مسار “آستانة” الثلاثة، إلى جانب روسيا وإيران. وهذا يعني أنّ واشنطن تتجاهل هذا المسار وتتجاوزه، خصوصاً أنّ تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسيّ (النّاتو)، الذي ترأسه أميركا ولا يضمّ روسيا وإيران.
اجتماع روما سيُعيد الملفّ السّوري إلى الواجهة الدّوليّة من أوسع الأبواب. وسيكون الفرصة الأولى لإدارة الرّئيس جو بايدن لمراجعة السّياسة الأميركيّة تجاه سوريا وتحديد الأهداف.
وقد كشفَ مصدرٌ في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” أنّ قسماً وازناً من فريق الرّئيس بايدن يُشجّع على بحث الملفّ السّوريّ بجديّة بعد الاتفاق النّوويّ مع إيران، على اعتبار أنّه من المُلحقات بمسار فيينا النّوويّ، وعليه فإنّ أيّ بحثٍ جدّيّ بشأن سوريا لم يحِن وقته بعد. وأضافَ المصدر أنّ الحشد الدّوليّ في روما سيكون رسالة استعراض قوّة أميركيّ بوجه روسيا وإيران، وإيذاناً بعودة واشنطن إلى السّاحة الدّوليّة “بقوّة”.
كلّ ما يهُمّ واشنطن اليوم هو تأمين مسار المُساعدات الإنسانيّة عبر تمديد العمَل بالقرار الدّوليّ المُتعلّق بإرسال المساعدات عبر الحدود، والذي تنتهي مفاعيله في 11 تمّوز المُقبل. لهذا تحاول إدارة بايدن بجديّة تمديد العمل بالقرار الدّولي مع استبعاد أيّ استخدامٍ روسيّ لحقّ النّقض “الفيتو” في مجلس الأمن.
وكانت إدارة بايدن قد أرسلت عدّة “إشارات” إيجابيّة إلى موسكو، كما قال المصدر الأميركيّ لـ”أساس”، كاشفاً أنّ من هذه “الإشارات” الامتناع في الآونة الأخيرة عن إدراج شخصيّات وكيانات سوريّة على لوائح عقوبات “قيصر”، ووقف عمل شركة “Delta Crescent Energy” الأميركية التي كانت تستخرج النفط في حقول شمال شرق سوريا وشرق الفرات. وهما حافزان مهمّان على الطاولة أمام روسيا.
أمّا على الصّعيد العربيّ، فقد علمَ “أساس” أنّ دبلوماسيين أميركيين تواصلوا أخيراً مع عدّة حلفاء عرب، ناصحين بعدم التّطبيع مع نظام الأسد في الوقت الرّاهن
ومن الإشارات الإيجابية أيضاً، أن يتجنّب مسؤولون أميركيون رفيعو المُستوى توجيه انتقاداتهم إلى “مسرحية الانتخابات الرّئاسيّة السّوريّة”.
لكن كيفَ سيكون ردّ واشنطن في حال استخدمت روسيا “الفيتو” لنقض تمديد العمل بالقرار الدّولي؟
الاجتماع في روما هو أولى الرّسائل التي ستشير إلى ما ستؤول إليه الأمور بين واشنطن وموسكو بشأن الملف السّوريّ. فبايدن أعادَ نسجَ تحالفاته وتمتينها، خصوصاً مع الاتحاد الأوروبيّ، لضمان “وحدة المسار” تجاه سوريا. فتمّ الاتفاق على تفادي التطبيع المُنفرِد بين دول الاتحاد الأوروبي والنّظام السّوريّ.
أمّا الردّ الأكبر على “الفيتو” الروسي، في حال استعماله، فسيكون إعادة تشغيل مُحرّكات “قانون قيصر”، وتوسعة مروحة لوائحه داخل سوريا وخارجها، بما يؤدّي بدوره إلى الضّغط أكثر فأكثر على موسكو ودمشق، وبطبيعة الحال على طهران.
أمّا على الصّعيد العربيّ، فقد علمَ “أساس” أنّ دبلوماسيين أميركيين تواصلوا أخيراً مع عدّة حلفاء عرب، ناصحين بعدم التّطبيع مع نظام الأسد في الوقت الرّاهن. إذ إنّ واشنطن تنتظرُ من نظام الأسد وروسيا المُضيّ قُدُماً في عمل اللجنة الدّستوريّة، وضمان إطلاق سراح المُعتقلين السّياسيين، وكشف مصير المفقودين وتأمين ظروف العودة الطّوعية للّاجئين السّوريين، قبل دعم أيّ انفتاحٍ عربيّ يرقى إلى مستوى “التّطبيع” مع نظام الأسد.
إقرأ أيضاً: “أساس” ينشر محضر لقاء بايدن – بوتين: الاستقرار الاستراتيجي
وفي هذه النّقطة تحديداً، فإنّ إدارة بايدن لا تُحبّذ مشاركة النّظام السّوريّ في القمّة العربيّة المُقبلة في الجزائر قبل التّقدّم في حلّ الأزمة السّوريّة إنسانيّاً وسياسيّاً.
هكذا يعود بايدن ببلاده إلى السّاحة السّوريّة من الباب الإنسانيّ. هدفه الأوّل “جسّ نبض” الجدّيّة لدى موسكو وطهران وبشّار الأسد. وهذه الجدّيّة لن تكون ملموسةً قبل تمديد العمل بالقرار الدّوليّ المُتعلّق بإرسال المساعدات الإنسانيّة عبر الحدود بسلام. وعليه سيكون ردّ الفعل الأميركيّ إمّا المُضيّ قدماً وإمّا المُضيّ بالكباش مجدّداً.