ماذا يعني فوز “قاضي الموت” في إيران؟

مدة القراءة 5 د

برت ستيفنز – Bret Stephens (The New York Times)

في صيف عام 1988، أمر المرشد الأعلى روح الله الخميني بإعدام آلاف السجناء السياسيين سرّاً. لاحقاً نفت إيران التقارير التي تحدّثت عن وقوع مذبحة، واصفة إيّاها بأنّها “لا شيء سوى الدعاية” القائمة على “التزوير”. وقمعت بلا رحمة الجهود التي بذلتها أُسر المختفين لمعرفة ما حدث لأقاربهم، بما فيه مواقع الدفن.

وبعد مرور أكثر من 30 عاماً، لا يزال العالم يجهل عدد السجناء الذين قُتِلوا، على الرغم من أنّ تقريراً تاريخيّاً، صدر عن منظمة العفو الدولية عام 2017، وضع الحدّ الأدنى عند “حوالى 5 آلاف سجين”. وتشير تقارير أخرى إلى أنّ الرقم يرتفع إلى 30 ألفاً.

لكنّ نقطة واحدة ليست موضع شكّ جدّي: إنّ إبراهيم رئيسي هو من بين عدد قليل من القادة الإيرانيين الأكثر مشاركة في “لجان الموت”. وفي الأسبوع الماضي، انتُخب رئيساً لإيران في عملية متحكَّم فيها، استُبعد فيها مرشّحو الوسط قبل إجراء التصويت.

أولئك الذين اعتقدوا أنّ السياسة الإيرانية ستتحرّك في نهاية المطاف في اتجاه أكثر اعتدالاً، كانوا مخطئين. فالنظام يضاعف رهانه على الدين، والقمع، وعلى الثورة


ماذا يعني هذا بالنسبة إلى العالم خارج إيران؟

السؤال المحرج هو كيف ينبغي على القادة الغربيين التعامل مع زعيم أجنبي يخضع حالياً لعقوبات وزارة الخزانة الأميركية بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان؟ ويدعو التقدّميون في بعض الأحيان إلى اعتقال القادة الإسرائيليين المسافرين إلى الخارج بتهمة ارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين.

والسؤال الثاني هو ما الذي يعنيه انتخابه بشأن التوصّل إلى اتفاق نووي إيراني جديد، تحرص إدارة بايدن على استئناف العمل به بعد انسحاب إدارة ترامب منه في عام 2018؟ وتُفيد الأنباء بأنّ المفاوضين فى فيينا استكملوا بالفعل الاتفاق المعدّل.

ووفقاً لأحد التحليلات، فمن المرجّح أن تتحرّك إيران بسرعة لإتمام الاتفاق في الوقت الذي تهمّ فيه حكومة حسن روحاني بمغادرة موقعها، وهي المعتدلة ظاهرياً. فمن الأفضل أن تتلقّى اللوم عن أوجه القصور في الاتفاق (كما يراها المتشدّدون الإيرانيون) في حين تجني حكومة رئيسي فوائد تخفيف العقوبات.

وقد يكون ذلك ما دام “مسرح كابوكي” (Kabuki) للسياسة الإيرانية يهتمّ كثيراً بالمسائل التي يمليها المرشد الأعلى علي خامنئي (مسرح كابوكي الغنائي الراقص هو تقليد ياباني كلاسيكي، يلبس فيه الممثّلون أزياء معيّنة، ويهتمّ أكثر بالمظهر). ويمتدّ “كابوكي” الآن إلى الاتفاق نفسه، الذي ستتظاهر إيران باحترامه، وبالمقابل سيتظاهر الغرب بالتحقّق منه وإنفاذه.

والأمر الوحيد، الذي سيتحقّق، هو إنجاز نصر دبلوماسي عابر لإدارة بايدن، لأنّ حكومة رئيسي لن تتنازل أبداً ولن تخضع للقيود الإضافية المطلوبة على البرامج النووية والعسكرية الإيرانية. وفي غضون ذلك، ستتدفّق مليارات الدولارات من الأموال الجديدة إلى وكلاء إيران العدائيين في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان وغزّة واليمن.

ولكنّ السؤال المهمّ، الذي أثاره وصول رئيسي إلى سدّة الحكم، لا يتعلّق بالاتفاق النووي. بل يتعلّق بنوع النظام الذي نتعامل معه.

قبل عدّة سنوات، سأل وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، هل إيران “أمّة أم قضية”؟ فإذا كانت طموحات إيران محدّدة باعتبارات طبيعية للأمن القومي والازدهار واحترام الذات، فيمكن عندئذ للولايات المتحدة التفاوض معها على أساس المصلحة الذاتية الموضوعية لكلا الطرفين.

وهذا هو السبب في أنّ صعود رئيسي مهمّ. فعلى الرغم من كونه يوصَف غالباً بأنّه “محافظ جدّاً”، إلا أنّ الأكثر دقّة القول إنّه “ثوريّ جدّاً”، بمعنى أنّه لا يزال الخمينيّ المخلص، وغير النادم على ما أصبح عليه وهو شابّ. وهذا يجعل من الممكن، بل من المرجّح، أن يخلف خامنئي عندما يموت المرشد الأعلى، الذي يبلغ من العمر 82 عاماً، ويُشاع أنّه يعاني سرطان البروستات.

إنّ أولئك الذين اعتقدوا أنّ السياسة الإيرانية ستتحرّك في نهاية المطاف في اتجاه أكثر اعتدالاً، كانوا مخطئين. فالنظام يضاعف رهانه على الدين، والقمع، وعلى الثورة.

إقرأ أيضاً: المفاوضات النّوويّة: عصا رئيسي الوهميّة…

سيسوّق فريق بايدن حجّة مفادها أنّه مهما كانت عيوب الاتفاق النووي، فإنّ الاتفاق المطروح في فيينا لا يزال الخيار الأفضل للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، على اعتبار أنّ العمل العسكري أمرٌ لا يمكن التفكير فيه، وأنّ سياسة إدارة ترامب بفرض أقصى قدر من العقوبات لم توقف حملة إيران لتخصيب اليورانيوم.

ولكن إذا كانت الخبرة الطويلة في الشرق الأوسط قد علّمتنا أيّ شيء، فهو أنّ المنطقة لا تترك بسهولة بقيّة العالم وشأنهم. إنّ قيوداً أقلّ على إيران تعني المزيد من الفوضى الإقليمية. وهذا يعني أنّ الأكثر احتمالاً هو حصول الدول العربية على قدرات نووية خاصّة بها. وهذا يعني إسرائيل متشنّجة، وأكثر استعداداً لاستغلال الفرص المتاحة أمامها. ومهما يحدث في فيينا، فإنّ رئاسة رئيسي تعني أنّ الأزمة مع إيران التي دامت 42 عاماً على وشك أن تزداد سوءاً.

 

لقراءة النص الأصلي: اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

قائد سابق للناتو: حان وقت ضرب الحوثيين

يرى قائد أعلى سابق لقوات حلف شمال الأطلسي، جيمس ستافريدس، في مقال له في موقع “بلومبرغ”، أنّه حان الوقت للغرب، لضرب ما أسماه “العدو الإيراني…

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…