ما الجديد الذي أتى به الوسيط الأميركي السفير جون ديروشيه لكسر الجمود على خطّ استئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في الناقورة؟
وفق معلومات “أساس” لم يقدّم الوسيط الأميركي، خلال لقائه رئيس الجمهورية والوفد اللبناني المفاوض، اقتراح حلّ لاستئناف التفاوض، ولم يتمّ التطرّق إلى الجوانب التقنيّة للملفّ كالخطّ 29 وفكرة الاستعانة بخبراء دوليّين.
فالسفير ديروشيه، مكلّفاً من الإدارة الأميركية الجديدة، يحاول الوصول إلى نقاط مشتركة تعيد طرفيْ النزاع إلى طاولة الناقورة، بعدما تبنّى بالكامل، في جولة التفاوض الأخيرة، وجهة النظر الإسرائيلية القائمة على حصر النقاش بمساحة 860 كلم مربعاً فقط.
يؤكّد مطّلعون أنّ الإسرائيلي يسعى إلى استقرار في منطقته البحرية تتيح للشركات الأجنبية العمل بأمان، وأن لا يكون فشل الترسيم حجّة لعدم الاستقرار
تبدو الزيارة، وفق مطّلعين، مرتبطة بشكل وثيق بتسلّم الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت مهمّاتها، ونيلها الثقة يوم الأحد، بعد 12 عاماً من حكم بنيامين نتانياهو. والأهمّ أنّها ترتبط بـ”الدرس” الإسرائيلي من حرب غزّة بعدما طالت الصواريخ منصّة الغاز الطبيعي في حقل “تامار” في مياه البحر المتوسط، وهو ما دفع وزارة الطاقة الإسرائيلية إلى إغلاق الحقل لأيّام.
ومن المعلوم أنّ العدو الإسرائيلي يملك أكثر من ثمانية حقول للغاز الطبيعي في مياه المتوسط، إلى جانب آبار تخزين وقود في موانئ أشدود وعسقلان وحيفا، تعرّض بعضها للهجوم بالصواريخ.
ويؤكّد مطّلعون أنّ “الإسرائيلي يسعى إلى استقرار في منطقته البحرية تتيح للشركات الأجنبية العمل بأمان، وأن لا يكون فشل الترسيم حجّة لعدم الاستقرار”.
وتقول مصادر رئاسة الجمهورية لـ”أساس” إنّ “السفير ديروشيه أراد الاستماع إلى وجهة نظرنا حول مبدأ استئناف التفاوض واستعداداتنا لذلك. وقد سمع كلاماً صريحاً من الرئيس ميشال عون عن تمسّك لبنان باستئناف التفاوض، مع رفضه الشرط الإسرائيلي المسبق بحصر التفاوض بمساحة 860 كلم مربعاً، وضرورة الركون إلى القانون الدولي لحلّ النزاع القائم”.
ووفق المعلومات، أكّد السفير ديروشيه لعون والوفد اللبناني المفاوض، الذي التقاه في اليرزة، أنّه سيجتمع مع رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد ووزير الطاقة، ويتلمّس إذا كان لدى الإسرائيليين أيّ توجّه جديد قد يصل إلى حدّ تغيير الوفد المفاوض.
ويقول مطّلعون إنّ واشنطن باتت أكثر اقتناعاً بأنّ التصلّب في المواقف لدى الطرفين سيؤخّر الحلّ، وقد يعطّله بالكامل، وهي النقطة الأساسية التي ينطلق منها الوسيط الأميركي.
وفيما سوّق أكثر من مسؤول أميركي بأنّ لبنان صاحب مصلحة بالترسيم الفوري، لأنّ استكشاف النفط والغاز سيكون الحلّ السحريّ لأزمته الاقتصادية، فإنّ الجواب اللبناني ركّز على أن “لا غاز ولا نفط قبل سبع سنوات، على الأقلّ. والمشكلة الاقتصادية القائمة ليست مشكلة حدود، بل هي أزمة غياب استقرار، والحلّ لا يكون إلا بالسياسة وبالإصلاح”.
تقول مصادر شاركت في اللقاء مع السفير ديروشيه والوفد المرافق: لقد سمع الوسيط الأميركي كلاماً واضحاً بأنّنا أصحاب مصلحة بترسيم الحدود، لكن الشرط المسبق بالتفاوض حول مساحة 860 كلم مربعاً مرفوض بالكامل، وهناك انفتاح ومرونة إلى أبعد حدود للوصول إلى حلٍّ يرضي الطرفين
وسينقل الوسيط الأميركي، خلال لقائه المسؤولين الإسرائيليين، موقفاً واضحاً سمعه في قصر بعبدا، وخلال لقائه الوفد اللبناني المفاوض، ومفاده: “لبنان يريد حلّاً عادلاً في موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وشرطه الأوّل أن يكون مقبولاً لدى الشعب اللبناني. وهذا الأمر لا يتمّ إلا بترسيمٍ يتوافق مع مندرجات القانون الدولي. ونحن نقبل بأيّ خطّ يحترم القانون الدولي”. ويبدو أنّ الجانب اللبناني يحاول أن يقنع الوسيط الأميركي بأنّ هذه المعادلة هي لمصلحة الطرفين اللبناني والإسرائيلي.
وتقول مصادر شاركت في اللقاء مع السفير ديروشيه والوفد المرافق: “لقد سمع الوسيط الأميركي كلاماً واضحاً بأنّنا أصحاب مصلحة بترسيم الحدود، لكن الشرط المسبق بالتفاوض حول مساحة 860 كلم مربعاً مرفوض بالكامل، وهناك انفتاح ومرونة إلى أبعد حدود للوصول إلى حلٍّ يرضي الطرفين وفق ما يقوله القانون الدولي”، مشيرة إلى “عدم تمسّكنا بالخطّ 29 بقدر التمسّك بالخطّ الذي يمنح لبنان حقوقه في مياهه وفق مندرجات القانون الدولي”.
وفي هذا السياق، تؤكّد المعلومات أنّ تعديل المرسوم 6433 لا يزال خياراً قائماً، لكن لبنان لن يستخدم هذه الورقة طالما أنّ لدى الوسيط الأميركي اقتراحات حلول.
وتقول مصادر معنيّة بالتفاوض إنّ “تعديل المرسوم ليس هدفنا، بل الوصول إلى حلّ. وإذا بقي الجانب الإسرائيلي على موقفه فلن يكون من خيار أمامنا سوى تعديل المرسوم وإيداعه الأمم المتحدة”.
يُذكر أنّه في 5 أيار الماضي ألغى ديروشيه موعد الجلسة السادسة، التي كانت مقرّرة لاجتماع الوفدين اللبناني والإسرائيلي إثر استئناف التفاوض بعد أشهر من توقّفه. وقد أسفر هذا التفاوض عن جلسة يتيمة في 4 أيار كرسّت التباعد في الطروحات: فمن جهة رفض لبنان الشروط المسبقة، وتمسّك الوفد المفاوض بالنقاش بكلّ الخطوط، استناداً إلى قانون البحار والقانون الدولي، ومن ضمنها الخط 29 الذي يمنح لبنان، وفق دراسة أعدّها الجيش، مساحة إضافية في مياهه تصل إلى 2290 كلم مربعاً. ومن الجهة المقابلة تعنّت إسرائيلي – أميركي بالتفاوض على مساحة 860 كلم مربعاً تحصر النقاش بين الخطّ 1 (الإسرائيلي) والخطّ 23 (اللبناني) المودع لدى الأمم المتحدة”.
إقرأ أيضاً: حكاية ترسيم الحدود البحريّة.. وسرّ الهاشتاغ
وقد طُرحت أسئلة جدّيّة عن “المعطى” الذي دفع الوفد اللبناني آنذاك إلى الجلوس مجدّداً إلى طاولة التفاوض في أيار الماضي، والرابط مع زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هايل لبيروت منتصف نيسان، واجتماعه مع رئيس الجمهورية، ثم مغادرته مطمئنّاً إلى عدم توقيع لبنان للمرسوم 6433، الذي من شأن تعديله أن يكرّس حق لبنان بمساحة 1430 كلم مربعاً، مضافةً إلى الـ860 كلم مربعاً، بحيث يصبح المجموع 2290 كلم مربعاً.