شكّلت تصريحات المتحدّث باسم صندوق النقد الدولي غاري رايس صفعةً لأصحاب الحلول الترقيعية في السلطتين السياسية والمالية في لبنان.
في حسابات المجتمع الدولي، “ما بتقطع” الحركات البهلوانية لحاكم مصرف لبنان، ومنها “تشحيذ” المودعين جزءاً من أموالهم بآلية غير مضمونة، و”الإنجاز” الوهمي لمجلس النواب بإقرار قانون الكابيتال كونترول، الذي لم يصل بعد إلى الهيئة العامة، من دون “مخطّط توجيهي إصلاحي متكامل” للدولة المُفلِسة والمنهارة والفاقدة الصدقيّة والاحترام لدى المجتمع الدولي.
في معلومات حصل عليها “أساس”، يزور الموفد الرئاسي باتريك دوريل لبنان قريباً، ليس بهدف إنعاش المبادرة الفرنسية، التي تجاوزتها الأحداث، بقدر إعطاء إشارة إلى عدم الانسحاب الفرنسي من الحلبة اللبنانية، بالتزامن مع رغبة باريس بتوفير مظلّة دولية تُبقي لبنان في دائرة الاهتمام
ومع تركيز صندوق النقد الدولي مجدداً على أن تكون “اقتراحات مراقبة رأس المال والسحب من الودائع في لبنان (الكابيتال كونترول) جزءاً من إصلاحات أوسع ومستدامة”، شكّل إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنشاء آليّة ماليّة، تَضمن استمرار الخدمات العامة الرئيسة في لبنان، معطىً مستجدّاً في التعاطي الفرنسي مع لبنان.
وفق رأي مطّلعين، هو تسليم فرنسي ودولي بالعجز السياسي في لبنان عن إحداث خرقٍ حكومي ومالي، وملاقاته بما فسّره البعض بنوع من الوصاية الدولية عبر إشارة ماكرون إلى “العمل مع عددٍ من الشركاء الدوليين، إذا استمر غياب الحكومة، للحفاظ على نظام تحت قيود دولية، بما يسمح حينها بتمويل الأنشطة الأساسية ودعم الشعب اللبناني”.
وفي معلومات حصل عليها “أساس”، يزور الموفد الرئاسي باتريك دوريل لبنان قريباً، ليس بهدف إنعاش المبادرة الفرنسية، التي تجاوزتها الأحداث، بقدر إعطاء إشارة إلى عدم الانسحاب الفرنسي من الحلبة اللبنانية، بالتزامن مع رغبة باريس بتوفير مظلّة دولية تُبقي لبنان في دائرة الاهتمام، بدءاً من الجيش، ووصولاً إلى قطاعات أخرى حيويّة.
ويقول مطّلعون في هذا السياق: “المبادرة الفرنسية، ببنودها المعروفة، سقطت، لكنّ “النَفَس” الفرنسي مستمرّ بأوجه مختلفة، وترجمته رهن اللحظة والتقاطعات السياسية. فالحكومة لم تعد بنداً أوّل على جدول الأعمال، لكن لا يزال هناك متابعة، بالتنسيق الكامل مع الشركاء الأوروبيّين وواشنطن، وعبر العلاقة مع إيران أيضاً، مع إبقاء خيار الإجراءات بحقّ معرقلي الحلّ السياسي قائماً، فيما العقوبات على المستوى الأوروبي لم تنضج”.
لكن ماذا يعني كلام ماكرون عن “آليّة الدعم الماليّة” بمنحاه التقنيّ والسياسيّ؟ وهل من آليات متاحة، في ظل مرحلة الانهيار والفوضى، تتيح مدّ لبنان بأوكسجين البقاء بمعزل عن خياريْ التفاوض مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟
يقدّم المؤتمر الدولي، المُزمع عقده في 17 الجاري، دعماً للجيش، برعاية فرنسية، نموذجاً عن الإحاطة الدولية المالية للبنان بقطاعاته الأساسية والحيوية المهدّدة بالانهيار التام.
يقول الوزير السابق المحامي زياد بارود لـ”أساس”: “التحرّك الفرنسي حيال لبنان محكوم بمعطييْن: الأوّل هو وجود اهتمام فرنسي خاص بلبنان يتخطّى واقع علاقة دولة بدولة، ويتجاوز العراقيل التي فرملت المبادرة الفرنسية، والثاني هو إدراك باريس أنّ دخول لبنان نفق الفوضى ستكون له تداعيات أمنيّة على وضع جميع دول البحر المتوسط بوجود عدّة ألغام قابلة للانفجار في الداخل اللبناني. ولا أزال أذكر كلام دبلوماسي غربي قال لي سابقاً “حدودنا صارت عندكم“!.
تشبّه مصادر مطّلعة الآليّة الماليّة المقترحة لمساعدة اللبنانيّين بمعادلة “النفط مقابل الغذاء” التي طُبّقت في العراق منذ نهاية 1996، لكن حتى الآن لم يعرف ما الذي يمكن للبنان أن يقدّمه مقابل المساعدات الإنسانيّة أو الغذائيّة أو الاستشفائيّة التي قد تُقدَّم له
“لكنّ آلية الدعم المالية الفرنسية أو الأوروبية لن تكون”، وفق تأكيد بارود، “من خارج المؤسسات، فنحن لا نتحدّث عن تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. لذا ليس هناك وصاية دولية تُفرض فرضاً. وسيحصل الدعم بالتنسيق أوّلاً بين الأوروبيين، ثمّ بالتنسيق مع الحكومة والمؤسّسات القائمة، تماماً كما في المؤتمر الدولي لدعم الجيش، وسيتوسّع البيكار لاحقاً ليطول قطاعات أخرى كالاستشفاء والدواء”.
وذكّر بارود أنّ “الرئيس الفرنسي حين أتى إلى لبنان جَلس مع رموز الطبقة السياسية الموجودة، ولكن هذا لا يعني إطلاقاً أنّ أيّ آليّة دعم دوليّة تقترحها السلطة اللبنانيّة ستُمنَح المشروعيّة أو الصدقيّة”.
وفي ظلّ وجود “عَرضٍ” من حزب الله لاستقدام بواخر النفط من إيران، ورغبة أوروبية بتوفير آليّة ماليّة تضمن استمراريّة القطاعات الأساسيّة، يُرجِّح كثيرون بروز خلاف سياسيّ حول “هويّة” الداعمين.
ويرى بارود أنّ “الظروف الكارثية توجب قبول أيّ دعم إذا كان غير مشروط، ولبنان لا يملك خيار الدلع والمفاضلة”.
لكنّ جهات متابعة تؤكّد لـ”أساس” أنّ المجتمع الدولي لن يفتح باب التنسيق مع سلطة فاسدة وفاشلة لا تتردّد في الإقرار بعجزها وفشلها.
وتقول هذه الجهات: “أمام الفرنسيّين والدول الأوروبيّة نموذجان: المساعدات التي قُدّمت للمدارس عبر القطاع الخاص، ومؤتمر دعم الجيش الذي ستُحوَّل أمواله إلى مصرف لبنان لتكون بتصرّف المؤسسة العسكرية من أجل تلبية حاجاتها الأساسية”، مشيرة إلى “عدم حسم آلية الدعم لباقي القطاعات حتى الآن، خصوصاً أنّ عوائق قانونيّة وتقنيّة ودستوريّة قد تعترض هذا المسار الذي لن يمرّ حُكماً عبر الحكومة القائمة، وسيكون بإشراف دوليّ”.
إقرأ أيضاً: حكومة انتخابات: المجتمع الدولي… لعزل الحريري وسلامة؟
فقطاع الكهرباء، مثلاً، الذي يشكّل اليوم فاجعة وطنيّة نتيجة حصده لأعلى رقم في هدر المال العامّ، واستنزافه للاحتياط الإلزامي ولمليارات الدولارات طوال العقود الماضية، فإنّ أيّ دعم ماليّ له يصعب أن يتجاهل وجود الحكومة والوزارة المعنيّة لكونه من المؤسّسات العامّة التابعة للدولة. وهي معضلة، وفق الجهات عينها، تفرض نفسها على الدول الداعمة.
وتشبّه مصادر مطّلعة “الآليّة الماليّة المقترحة لمساعدة اللبنانيّين بمعادلة “النفط مقابل الغذاء” التي طُبّقت في العراق منذ نهاية 1996، لكن حتى الآن لم يعرف ما الذي يمكن للبنان أن يقدّمه مقابل المساعدات الإنسانيّة أو الغذائيّة أو الاستشفائيّة التي قد تُقدَّم له”.