عبرة
.. لما حجّ هشام بن عبد الملك في أيّام أبيه، طاف بالكعبة وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود، فلم يقدر بسبب كثرة الزحام. بينما هو كذلك أقبل زين العابدين علي بن الحسين فطاف بالبيت. فلمّا انتهى إلى الحجر الأسود، أفسح له الناس الطريق حتى وصله، فقال رجلٌ من بطانة هشام: “مَن هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟”، فقال هشام: “لا أعرفه…”. كان الفرزدق حاضراً فردّ غاضباً: “أنا أعرفه”، وأنشد قصيدة بذلك، وهذه بعض أبياتها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحِلُّ والحرمُ
وليس قولك: من هذا؟ بضائره العُربُ تعرف مَن أنكرت والعجم
إذ رأته قريش قال قائلها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
بداية لا بدّ أن نطمئن الدكتور مصطفى علّوش نائب رئيس تيار المستقبل إلى ثلاثة أمور يمكن اختصارها اليوم بفيصل كرامي على قاعدة 3 بـ1:
أخطأ الدكتور مصطفى علوش بكلامه، وهو المعروف بقلّة أخطائه وندرتها في الطبّ وفي السياسة وفي التعامل مع الآخرين
1- فيصل كرامي لن يكون رئيساً للحكومة، ولا يريد ذلك إلا بموافقة بيئته وأهله وناسه ومحبّيه.
2- فيصل كرامي لم يدّعِ أنّه ألّف أيّ كتاب، ولا قال إنّه حقّق إنجازات عامّة، وإنّه صنع تاريخ لبنان أو تاريخ مدينته الفيحاء.
3- فيصل كرامي لم يدّعِ يوماً أنّه الأوّل في طرابلس في ترتيب السياسيين. هو لم يدّعِ يوماً ما ليس هو عليه، فدائماً بابتسامته المعهودة يقول: “أنا ابن بيت كرامي، ابن طرابلس، واحد من هالناس الطيبين”.
أخطأ الدكتور مصطفى علوش بكلامه، وهو المعروف بقلّة أخطائه وندرتها في الطبّ وفي السياسة وفي التعامل مع الآخرين. لكنّه على غير عادته بالأمس، عبر صحيفة النهار، قال: “إنّ ترشيح فيصل كرامي الباسيليّ الهوى”. وختم سائلاً: “من هو فيصل كرامي؟ إنّه لا شيء، بل هو صنيعة حزب الله لا أكثر ولا أقلّ” . وكأنّه يهزّ برأسه ويختم “لن أقول أكثر من ذلك”.
عندما قرأت هذا التصريح، اعتقدت للوهلة الأولى أنّه غير صحيح. فعلّوش الذي جرُؤ مرّة على القول: “إنّ للسُنّة مشكلة قيادة”، على الرغم من وجوده حول طاولة رئيسه سعد الدين، كيف به ينزلق هذه الانزلاقة، ويُسقط معه القيم الأساسية لأيّ حديث؟
أمّا في السياسة فلا بدّ أن نطرح بعض النقاط على الدكتور علوش، وعلى كلّ من يتحدّث الحديث نفسه:
إن كانت زعامة سعد الدين الحريري قامت منذ 15 سنة على أساس أنّه ابن أبيه الشهيد الكبير، فهل غاب عن الدكتور مصطفى علوش أنّ فيصل كرامي جدّه عبد الحميد، وهو ابن أخ الشهيد رشيد كرامي المقاتل الشرس بوجه المارونية السياسية عندما كنّا نعاني ندرة في المقاتلين
1- ماذا يختلف فيصل كرامي عن جهاد الصمد في السياسة؟ وعن عدنان طرابلسي حليف حزب الله في النيابة؟ وعن الوزير عبد الرحيم مراد؟ مع احترامي لهم جميعاً. ألم يستقبلهم زعيمكم سعد الدين؟ إلا إذا كان مُباحاً للزعيم ما هو مُباح للشاعر، حيث يحقّ له ما لا يحقّ للآخرين. طرابلسي والصمد ومراد، كما فيصل كرامي تماماً، في موقفهم السياسي، وفي تحالفاتهم، وفي خطاباتهم، وفي تموضعاتهم، لا اختلاف بينهم في أيّ تفصيل.
2- إن كانت زعامة سعد الدين الحريري قامت منذ 15 سنة على أساس أنّه ابن أبيه الشهيد الكبير، فهل غاب عن الدكتور مصطفى علوش أنّ فيصل كرامي جدّه عبد الحميد، وهو ابن أخ الشهيد رشيد كرامي المقاتل الشرس بوجه المارونية السياسية عندما كنّا نعاني ندرة في المقاتلين، وهو ابن عمر كرامي الذي استقال من رئاسة الحكومة تلبيةً لصرخة السيدة بهيّة شقيقة الشهيد، التي صرخت في مجلس النواب ألماً وفجيعةً من صميم قلبها على شقيقها، فقال والد فيصل، الرئيس عمر: “أنا ابن بيت عريق، فكيف لا أستقيل؟”.
إقرأ أيضاً: علّوش: المناطق السنية انفجرت بسبب غياب القيادة
3- كلّ السادة المذكورة أسماؤهم انتخبوا بأصوات سنيّة في دوائرهم. فإذا صار الناخبون محسوبين على الحزب، تكون المشكلة قد امتدّت من القيادة إلى القاعدة، وهذا والحمد لله لم يحصل ولن يحصل إن شاء الله.
صديقنا الدكتور مصطفى علوش، أيّها الحبيب، نتمنّى أن يكون ما كُتِب قد نُسِب إليك زوراً، وأنت منه براء، لأنّ أخطاء الناس يمكن تمريرها، فيما سيكون من المصيبة أن نمرّر خطأ طبيب.