الحديث مع نائب دولة الرئيس إيلي الفرزلي لا يعرف فواصل ولا نقاطاً، وينتهي عندما يقرّر هو أن يتوقّف عن الكلام.
تجربة تحالفه مع الرئيس ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل تركت عنده الكثير من العِبَر والدروس جعلته يقوِّم هذه التجربة بالقول: “الحياة معهم صعبة”.
القسم الثاني والأخير من حوار “أساس” مع الفرزلي يبدأ بقصة الفراق مع العهد والصهر، فيروي قائلاً: “في جلسة “كتلة لبنان القوي” في 20 تشرين الأول 2019، كان البحث يدور حول تشكيل الحكومة ومَن سيُسمَّى لرئاستها. قلت لجبران باسيل في الاجتماع “شوف شو بتعمل، بتقعد برّا”. وأنا كنت مقتنعاً بأنّ هذا الشاب الماروني عنده طاقة شعبيّة مارونيّة، وعلينا المحافظة عليه وأن نعمل من أجل تسويقه. وكنت مقتنعاً بذلك. “بتقعد برّا لإخراج نفسك من دائرة الاستهداف، وتتمثّل في الحكومة من خلال الوزراء الذين يعيّنهم عمّك رئيس الجمهورية، وبتغرِّق الحريري بالتأييد، وتبقى على علاقة جيّدة بالطائفة السنّية، كما أنت مع الطائفة الشيعية، وهو ما سيسمح لك بالتقدّم إلى الأمام، إذ لا يمكنك أن تتقدّم من دونهما أو من دون واحد منهما. هؤلاء هم البلد ولا نريد أن نضحك على بعضنا. وتختبئ وراء الحريري في مواجهة التطوّرات”، فقال لي: “أنا مش إيلي الفرزلي”، فقلت له: “وأنا مش جبران باسيل بخاطرك”. هذه هي كلّ القصة. مع محبّتي واحترامي، وكل النواب الحاضرين كانوا يهزّون برؤوسهم ويريدون أن يمشوا معي.
النسبيّة كانت كفيلة بتفجير الطوائف من الداخل. مثلاً الطائفة الشيعية، وفقاً للقانون وعبر النسبيّة، كنت ستجد فيها خطّاً جديداً. وهو كان سيكون مقدّمة لخلق قوانين غير طائفية
– ماذا قصد جبران بأنّه ليس إيلي الفرزلي؟
– لم أفكّر في الموضوع. هو قبضاي يواجه، وأنا مساوم، وإنّ العقل المسيحي المناطقي غير عقل الكهوف.
– دولة الرئيس، أنت عاصرت كلّ رؤساء الجمهوريّة ورؤساء المجالس تقريباً، ما هو مصير جبران باسيل السياسيّ، وإلى أين يتّجه؟
– هناك مثل هنديّ يقول: “لا نعرف إذا مات السياسي أو راح إلا عندما نحضر حريق جثّته”. أمّا في لبنان فلا أحد يموت، وإن مات يقوم. من كان يصدّق أنّي سأعود للمجلس، وأنا أضعف الأفرقاء من حيث العلاقات، والمنطق الطائفي، لكن المسيح راح ورجع.
– إلى أين نتّجه في لبنان؟
– هذه السنة المتبقّية من عمر العهد ستكون صعبة كثيراً، وإنّ الحياة معهم صعبة صعبة.
– ما رأيك بالأسماء التي يسوّقها جبران لتحلّ محلّ الرئيس الحريري: كرامي، مخزومي، كبّي وعدرا؟
– أنا أشكّ في أنّه يسوّقهم. هو يهوّل بهم فقط.
– هل تجري الانتخابات في موعدها؟
– مبدئيّاً نعم. ومن الآن حتى عشرة أشهر، يخلق الله ما لا تعلمون، ولكن هناك نيّة لإجرائها. فحسب تقويمهم للأوضاع لن تحصل تبدّلات جديّة في شكل مجلس النواب.
– السُنّة غير راضين عن قانون الانتخاب الحالي، كيف تسيرون به؟
– طبعاً لن يرضوا لأنّهم يعتبرون أنّ القانون الحالي أخذ منهم 18 نائباً. عدم رضاهم ليس لأسباب مدنيّة ووطنيّة، بل لأنّهم يعتبرون أنّه أخذ منهم 18 نائباً.
– تقصد أنّه أخذ منهم 18 نائباً سنّيّاً؟
– كلا، بل 18 نائباً مسيحياً، وهم النواب المسيحيون الذين كانوا يُستولدون في كنف الطائفة السنّية، وأكثريتهم أرثوذوكس. وقد أخطأ المسلمون.
– والشيعة كمان؟
– 18 أكثرهم من الأرثوذوكس لأنّه صودف أنّ التعايش الإسلامي – المسيحي في المناطق هو أرثوذوكسي – سنّي، ولا يوجد مناطق مارونية – سنّية أو سنّية – درزية، بل سنّيّة – أرثوذوكسية فقط.
من الآن حتى عشرة أشهر، يخلق الله ما لا تعلمون، ولكن هناك نيّة لإجراء الانتخابات. فحسب تقويمهم للأوضاع لن تحصل تبدّلات جديّة في شكل مجلس النواب
السُنّة أخطأوا برفض القانون الأرثوذوكسيّ
– ومن أجل ذلك أطلقتم على القانون الذي قدّمته سابقاً اسم “القانون الأرثوذوكسي”؟
– لست أنا من سمّاه القانون الأرثوذوكسي. أطلقوا عليه هذا الاسم لإحداث تناقض مع الموارنة. وقد قال لي ميشال عون في حينه “شو هيدا تمرّد على الموارنة”. لو كنت مكان المسلمين، لَما رفضت القانون الأرثوذوكسي، لماذا؟
أوّلاً: كان أخرج الأرثوذوكس والكاثوليك من كنف السلطة المارونية.
ثانياً: النسبيّة كانت كفيلة بتفجير الطوائف من الداخل. مثلاً الطائفة الشيعية، وفقاً للقانون وعبر النسبيّة، كنت ستجد فيها خطّاً جديداً. وهو كان سيكون مقدّمة لخلق قوانين غير طائفية.
– لكن الثنائي الشيعيّ براغماتيّ لدرجة أنّه على استعداد لجذب أبناء العشائر ووضعهم معه في اللوائح؟
– مهما فعلوا فإنّ الخطّ الثالث كان سيتأسّس في الطائفة الشيعية، وكانت حركة أمل ستشعر باستقلاليّتها أكثر وأكثر. العقل السنّي الذي كان يخطّط بالإستراتيجيا لم يلتقط الفكرة. أوّل مَن عرضت عليه الموضوع كان الرئيس نبيه بري، وأخذت معه ثلاث دقائق، أقسم، قال لي: “لبنان دائرة واحدة فليكن، النسبيّة فلتكن، الثالثة شيء تيرسو على الآخر، بس رح إمشي فيها”. ثمّ ذهبت وعقدت 12 جلسة مع حزب الله، ممثّلاً بمحمد رعد، ودامت كلّ جلسة ساعتين وثلاث ساعات، وكنت أشرح وأشرح وأشرح، وفي النهاية أمسكني بيدي وسألني “هل تحدّثت مع إبراهيم أمين السيد؟”، فأجبته بالنفي، فقال لي: “هو يدافع عن قانونك كثيراً”.
البطريرك الراعي كنت قد اتفقت معه على القانون قبل أن يكون بطريركاً. زرته عندما كان مطراناً، تلبية لدعوة غداء في لحفد، بحضور كريم بقرادوني وجورج غانم. جلست معه ساعتين وثلاث ساعات أشرح له القصة، فقال لي: “يلا اتّكل على الله”. وعندما طرحها على المجتمع الماروني، بوجود كل الزعامات المارونية، وكل المطارنة، وكل النواب الموارنة، كان سمير جعجع أول من وافق، أمّا ميشال عون وسليمان فرنجية فقد تردّدا ولم يوافقا.
لا أساس للكلام حول أنني أقوم بتأليف اللائحة الانتخابية لتيار المستقبل في البقاع الغربي، هذه أخبار وردت في موقع تابع لجهة معينة متضررة من التوافقات الكبرى في المنطقة والتي ليس لها طابع انتخابي، بل طابع وطني
استهدفوني بالمال فرددت بصناعة الأفكار
– لماذا وافق سعد الحريري على القانون؟
– للأمانة كان الحريري خارج البلاد، والرئيس بري رأس اللجان المشتركة، وصدّق القانون ورماه على الهيئة العامة. الرئيس الحريري قال إنّه يمشي مع القانون إن صُدِّق، وسيشارك في الانتخابات النيابية على أساسه، لأنّه وجد نفسه الأقوى سنّياً، ورأى نفسه زعامة سنّية كبيرة، وقال: “أترشّح وأشكّل لائحة، وسأحصل على الأكثرية السنّية”.
– دولة الرئيس، هل يستمرّ القانون الحالي إلى الانتخابات المقبلة؟
– في تمّوز سأدعو إلى اجتماع للّجان المشتركة. طبعاً بموافقة دولة الرئيس، وبسماح منه، لأنّه هو رئيس المجلس وليس أنا، لمناقشة الموضوع.
كنّا قبل 17 تشرين قد دعونا لقانون انتخابي جديد، وعقدنا ثلاث جلسات قبل هذا التاريخ. لم يلتقطها المجتمع المدني. وأنا لا أعرف كيف يفكّرون بالسياسة.
– يبدو أنّهم لا يلتقطونكم إلا بالمطاعم؟
– حتى بالمطاعم لو أردنا منعهم لمنعناهم. القصة لا تحتاج إلا إلى مشكل، وتنتهي المسألة. ولكن لا أحد يريد هذه الطريقة الهمجية، الفكرة مرفوضة من أساسها.
– ألم تسقط فكرة الأقوياء في طوائفهم؟
– كلا أنا من اخترع نظرية الأقوياء في طوائفهم، من أجل ميشال عون.
– تعبير القوي في مكوّنه؟
– أجل، مصطلح مكوّن أنا اخترعته. كنت أريد أن أثأر منهم لأنّهم أسقطوني بالانتخابات في 2005. قضيت عمري في السياسة، ولن أسمح لأحد بإسقاطي بسهولة. استهدفوني بالمال، فاستهدفتهم بصناعة الأفكار.
إيلي الفرزلي مرشّحاً سُنّيّاً
– يقال إنّك ستكون المرشّح السنّي عن المقعد الأرثوذوكسيّ في البقاع؟
– (ضاحكاً) نعم من الممكن أن يحصل ذلك. المشكلة ليست في أن أكون مرشّحاً سنّياً أو غير ذلك. المشكلة في أن لا أكون نائباً كي أستطيع أن أخدم الناس.
– ولكن هناك من يقول أنك أنت من سيُشكّل لائحة المستقبل في البقاع الغربي؟
لا أساس لهذا الكلام حول أنني أقوم بتأليف اللائحة الانتخابية لتيار المستقبل في البقاع الغربي، هذه أخبار وردت في موقع تابع لجهة معينة متضررة من التوافقات الكبرى في المنطقة والتي ليس لها طابع انتخابي، بل طابع وطني. وهم دائماً كانوا مستفيدين وصولاً إلى نتائج الانتخابات النيابية عام 2018، حيث استفادوا من التناقض السنّي الشيعي، والدرزي الاسلامي، والمسيحي الاسلامي. هؤلاء طفيليين لا يريدون الاستقرار بالمنطقة ويريدون أن يتسلّقوا بعدد من النواب انطلاقاً من هذه التناقضات الطائفية تماماً كما يحدث الآن بالبلد على مستوى تشكيل الحكومة.
إقرأ أيضاً: الفرزلي لـ”أساس”: أنا الثابت وكلّ الرؤساء متغيّرون (1/2)
– كتبت مذكّراتك، وما زلت تخوض المعارك. لكن عادةً مَنْ يكتب مذكراته يتوقّف؟
– إلى هذه الدرجة مستعجل عليّ؟ لقد كتبت عنوان كتابي “أجمل التاريخ كان غداً”. وهو من قصيدة للشاعر سعيد عقل. أمّا الفصل الأخير، إن أردت أن أزيد على الكتاب، فسأضع عنوانه “أجمل التاريخ كان منذ 40 عاماً”.