الفرزلي لـ”أساس”: أنا الثابت وكلّ الرؤساء متغيّرون (1/2)

مدة القراءة 10 د

من دون حزب أو تيّار أو جبهة، يقدر بنفسه أن يكون كلّ هؤلاء. صارع الموت في ثلاث محاولات اغتيال، وخرج منها معافىً بعد معاناة. وصارع رؤساء الجمهوريّة منذ أن وَطِئت قدماه مجلس النواب، وتمكّن منهم جميعاً من دون أن يتمكّنوا منه على الرغم من الكثير من المحاولات.

هو ابن البقاع، وهناك مربضه. يجتمع الناس من حوله ويرتابون. يجتمعون على محبّته وعلى الوفاء لخدماته، ويرتابون منه لكثرة تقلّب مواقفه السياسيّة، إلا أنّها لا تفقد ودّهُ على الرغم من كلّ الأحداث.

هو إيلي الفرزلي الذي اعتقد الكثيرون بعد 2005 أنّه غادر من دون إياب، وإذا به في عام 2018 يعود فارساً إلى ساحة البرلمان. قاتل دفاعاً عن الرئيس ميشال عون كما لم يقاتل قبله كلّ الحلفاء. وعند لحظة الفراق، قال للرئيس: استقِل، وقال للجيش: حان وقت الانقلاب لإنقاذ البلاد.

“أساس” استضافه في مكاتبه، وكان معه هذا اللقاء.

– دولة الرئيس، أنت متّهم بتبديل مواقفك، وتحديداً في العلاقة مع رؤساء الجمهوريّة. يقولون إنّك تبدأ بمكان في أوّل العهد وتنتهي في مكان آخر مع نهاية العهد. ما هو تعليقك على ذلك؟

– لأنّ العهد هو الأكبر دائماً، يتبيّن للناس أنّه نقطة الارتكاز، ويتمّ تحديد موقعك في ضوء موقفك منه. بالنسبة إليّ شخصيّاً، أنا حيث أنا، وأنا أرى أنّ هذا العهد أو ذاك، عندما أقترب منه أو أبتعد عنه، هو الذي يكون قد ابتعد عنّي أو اقترب منّي. مثلاً بالنسبة إلى الرئيس إلياس الهراوي، أنا كنت من أوّل المنظّرين عند السوريّين وغير السوريّين ليكون رئيساً للجمهوريّة. وقبل انتخاب رينيه معوّض، وكان عندي أسبابي الموجبة، وكانت علاقتي مع ابن شقيقه خليل في ذلك الحين، ولم تكن تربطني به علاقة شخصيّاً. ولكن كنت أرى أنّ هناك مصلحة بوصوله للرئاسة، وقلت وجهة نظري التي تقاطعت مع المصلحة الأميركيّة في ذلك الحين، إذ كانوا يريدون رينيه معوّض، وصار الاغتيال.

في كلّ حواراتي الإعلاميّة أدافع عن دور رئيس الوزراء في التأليف، وأنا أتحدّى الجميع أن يأتوا بمَن دافع عن ذلك منذ أن وُلد محمّد يتيماً حتى الآن. فمَن الذي يدافع غيري، عندما أقول إنّه لا يجوز التخلّي عن سعد الحريري لأنّه يمثّل المكوّن السنّي تمثيلاً شاملاً وواسعاً داخل طائفته

إذا رجعنا إلى كلّ خطابات إلياس الهراوي وكلّ التصريحات، تجد فيها إنشاء دولة المؤسّسات والقانون، ولكن لم يفعل ذلك. وبعد ذلك عندما جاء وقت التمديد، أنا وقفت ضد التمديد، وقاتلت التمديد قتالاً حقيقيّاً. وأنا الذي “حيّكت” كلّ مقوّمات القتال ضد التمديد. ولكن بالنهاية ليس عندي نيّة لمحاربة سوريا، فإذا اتّخذوا قراراً، أسير بالقرار.

بالنسبة إلى الرئيس إميل لحود، أنا الذي كنتُ أقاتل في عام 1998 من أجل أن يكون هو البديل وتمّ انتخابه، وهو الذي ابتعد عنّي، وأنا كنت آمل أن يكون هناك مشروع لبناء دولة مع إميل لحود. وكان مشروع بناء الدولة يقتضي أن يأتي بالمسيحيّين ويدخلهم إلى الدولة، وأن يعيد صياغة علاقتهم بسوريا. وأوّل ما قام به في الأسبوع الأوّل كان أن أتى بميشال المر وزيراً للداخلية، فوجدت أنّ كلّ أهدافي طارت، وبدأ الصراع من أوّل أسبوع.

أنا لم أبتعد عن أحد، لكن في الصورة أمام المشاهد يبدو رئيس الجمهورية ثابتاً، وأنا المتحرّك، لكنّي أرى أنّني أنا الثابت، وهم المتحرّكون.

– من خلال صراعك مع الرؤساء، هل سعوا إلى إبعادك دولة الرئيس؟

– لا يستطيع أحد إبعادي، أنا أقوى منهم جميعاً. مثلاً إلياس الهراوي رحمه الله حاول بتعيين النواب إبعادي، لكن لم يستطع ذلك. اجتمع هو وحكمت الشهابي وغازي كنعان وعبد الحليم خدّام ساعةً وربع ساعة، لكي يأتي بشربل فاخوري. وأنا كتبت هذا في مذكّراتي، ولم يستطع إبعادي بالانتخابات لأنّي أقوى منه. أمّا إميل لحّود، فلم يحاول إساءة التصرّف معي في النيابة، ولا للحظة من اللحظات.

– لحّود لم يكن مهتمّاً بالبقاع؟

– صحيح، وأنا أيضاً قاتلته بالتمديد. لم يقاتله غيري بالتمديد. طبعاً الرئيس بري كان ضدّ التمديد، وكان سليمان فرنجية ضدّه، وكان رفيق الحريري ومجموعة كبيرة ضدّ التمديد.

– دولة الرئيس، في هذا العهد مع ميشال عون، ما الذي حصل؟

– أنا كنت مقتنعاً بميشال عون كطاقة، وكان لديّ مآخذ على استيلاد النواب المسيحيّين من قبل زعماء الطوائف الأخرى، وبدأتُ بمحاربة ذلك لوحدي حتى وجدت ميشال عون مستعدّاً لدخول هذه المعركة بعد التناقض بينه وبين الأطراف الأخرى. تجاوزت ذلك من أجل أن ننتج قانون انتخاب يمكّن المسيحيّين من إعادة إنتاج أنفسهم حيث الأكثريّات الأخرى، على قاعدة أنّ المادة 24 من الدستور تتحدّث عن المناصفة. والمقصود بها مناصفة فعليّة، لأنّ المناصفة الشكليّة لا تبني وطناً.

– ألم ترتدّ عليك نظريّة المكوّنات أو الأكثريّات الأخرى؟

– أنا لستُ طائفيّاً على المستوى الشخصيّ. ابن أختي هو ابن محمد يكن، يعني صهري محمد يكن ابنه اسمه زهدي يكن، وجدّ زهدي يكن كان رئيس محكمة التمييز، وهو مسلم سنّي واسمه عمر بكري. أنا لست طائفيّاً، ولكن صودف أنّ عندنا في المنطقة عدداً من المسيحيّين بحجم ضيعة سنّيّة واحدة.

– أكثريّة ناخبيك من السُنّة، هل تعتقد أنّ السنّة حالياً يعانون القهر السياسيّ الذي عاناه المسيحيّون، وأنت مَنْ رفع شعار رفع الغبن عن المسيحيّين؟

(ينتفض متكلّماً) مَنْ المدافع اليوم عن رئيس الوزراء بالدولة غيري أنا؟ في كلّ حواراتي الإعلاميّة أدافع عن دور رئيس الوزراء في التأليف، وأنا أتحدّى الجميع أن يأتوا بمَن دافع عن ذلك منذ أن وُلد محمّد يتيماً حتى الآن. فمَن الذي يدافع غيري، عندما أقول إنّه لا يجوز التخلّي عن سعد الحريري لأنّه يمثّل المكوّن السنّي تمثيلاً شاملاً وواسعاً داخل طائفته. وكما أتيتم بفلان عليكم أن تأتوا بفلان، فما معنى هذا الكلام. أنا لا أدافع لا حبّاً ولا طمعاً ولا لمصالح انتخابية. أقسم بذات الله، رجعت للنيابة فقط لكي أعيد الاعتبار، وأنا ميّال إلى اعتزال العمل السياسي.

سنة 2019، أدركوا أنّ رئاسة الجمهوريّة في عام 2022 لن تكون لجبران باسيل. هنا بدأوا بالتفكير في ما يجب أن يفعلوا، فكان أمامهم نموذج ما حدث عام 1988


 

“الأنا” القاتلة عند باسيل وعون

– دولة الرئيس، في فترة كنت قريباً من الرئيس ميشال عون وجبران باسيل والتيّار الوطنيّ الحرّ. لماذا الرئيس ميشال عون وفريقه يكرهون هذا المكوّن السنّي؟

– حتى لو كنت بعيداً عنهم الآن، فإنّ بيني وبينهم معركة قاسية، وهم يستعملون شتّى أنواع النعوت والشتائم، وتعرف هذا الذباب الإلكتروني. لا يحقّ لي أن أقول كلاماً أنا لم أسمعه منهم، فأنا لم أرَ تصرّفاً يحمل في طيّاته، أو كلاماً يحمل في طيّاته، كرهاً للطائفة السنّية أو كرهاً للطائفة الشيعيّة.

– وماذا عن سلوكهم في ما يتعلّق بتشكيل الحكومة؟

– سبب ذلك أمرٌ وحيدٌ، وهو “الأنا”، وإعادة تعويم جبران باسيل. لا علاقة للمارونيّة ولا للمسيحيّة. قصّة “الأنا القاتلة”. عندهم ستجد أعلى درجات الأنا التي رأيتها في حياتي.

– عند ميشال عون أو جبران باسيل؟

– عند الاثنين معاً.

– في مسار تأليف الحكومة توجد مؤشّرات كثيرة إلى سعي العهد لإسقاط الطائف. ما هو تعليقك؟

– سأشرح لكم القصّة بالتفصيل. سنة 2019، أدركوا أنّ رئاسة الجمهوريّة في عام 2022 لن تكون لجبران باسيل. هنا بدأوا بالتفكير في ما يجب أن يفعلوا، فكان أمامهم نموذج ما حدث عام 1988. ما الذي حصل في ذلك الوقت؟ في تلك السنة تسلّم قائد الجيش ميشال عون رئاسة الوزراء، وكانت الحكومة حكومة مهمّة، هدفها توفير الأجواء لانتقال السلطة إلى رئيس جمهورية جديد. فطرح عون شعار التحرير في ظلّ ظروف غير مؤاتية، لا إقليميّاً ولا دوليّاً، وطرح شعار الإلغاء في ظروف غير مؤاتية عسكريّاً، فأدّى ذلك إلى تدمير البيئة المسيحيّة وتهجير المسيحيّين وتدمير البنى التحتيّة المسيحيّة في المنطقة الشرقيّة، وكانت أحسن من تلك الموجودة في المنطقة الغربيّة. ونتذكّر كيف تمّ تدمير سنترال عين الرمّانة تدميراً كاملاً، وسقطت الجمهوريّة الأولى. ماذا يعني سقوط الجمهوريّة الأولى؟ يعني سقوط الدور المارونيّ الأوّل المكفول بالدستور وبالتسليم العربي والإقليمي والدولي به. سقطت الجمهوريّة، وصعدت شعبيّة عون. الآن يقولون خلّينا ندفع الأمور إلى الانهيار الكبير تحت عنوان قتال سعد الحريري باسم العصبيّة، وأنّ سنّياً يريد أن يأكل حقوق المسيحيّين، فاصطنعوا الحرب ذات الطابع المذهبيّ تحت عنوان التحقيق الجنائيّ، هذا الاختراع العجيب، وهم لا يهمّهم التحقيق الجنائي، بل يهمّهم سمعة التحقيق الجنائي. إنّ التحقيق بحد ذاته لا يهمّهم، إنّما تهمّهم سمعته، وقصة غادة عون أبرز دليل.

– يعني الانهيار صناعة عونيّة؟

– يدفعون به بقوّة هائلة، وبوعي وعن سابق إصرار وتصميم.

– ولكن ما هو الهدف؟

– الهدف هو الدعوة إلى مؤتمر حوار وطنيّ كالذي دعا إليه بالأمس رئيس الجمهوريّة.

– ماذا يريدون من المؤتمرات؟

– في المؤتمر، سيجلس جبران ورئيس الجمهوريّة، ويجلس كلّ زعماء المسلمين، ويتمّ الاعتراف به زعيماً مسيحيّاً أوّل.

– ويطرح تغيير الدستور؟

– مش فارق معهم إذا صار في تغيير دستوري، كلّ ما يهمّهم هو الأنا، هذا الشرّ المطلق.

– لكن هذا يتمّ وكأنّ حزب الله لاعب متفرّج؟

– “شو متفرّج يا خيّي”. عليك أن تعرف أنّ العقل العونيّ هو عقل مستقلّ تماماً، ولا يؤثّر فيه أحد، وأكبر دليل ما حدث سنة 1988 حيث لم يستطع أحد أن يؤثّر فيه دوليّاً ولا داخليّاً. بالنتيجة حزب الله أمامه طاقة، وبرأيي هي ليست حليفةً على المستوى الاستراتيجي. هو يستفيد من هذه الطاقة، ويقول ما عندي بديل عنها في الساحة المسيحيّة، فلماذا أختلف معها؟

الآن يقولون خلّينا ندفع الأمور إلى الانهيار الكبير تحت عنوان قتال سعد الحريري باسم العصبيّة، وأنّ سنّياً يريد أن يأكل حقوق المسيحيّين، فاصطنعوا الحرب ذات الطابع المذهبيّ تحت عنوان التحقيق الجنائيّ، هذا الاختراع العجيب

– بماذا تصف جبران باسيل، بالشرّير أم بماذا؟ 

– أصفه بـ”الأنا”، ولا يوصف بأيّ شيء آخر. يعاني الافتتان بالأنا، وقلت ذلك له، وقد زعل مني.

 

سيبكي المسيحيون اتفاق الطائف

– باعتقادك هل سقط اتّفاق الطائف؟

– جوابي هو أنّ على المسيحيّين أن يبكوا إن سقط اتفاق الطائف. وأنا من أجل ذلك متمسّك بالطائف.

– إذا عدنا إلى الأزمة الحكوميّة حالياً، هناك من يقول إنّ الرئيس برّي بدأ مسار تيسير اعتذار سعد الحريري، وليس تيسير تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري؟

– دعني أقُل وأسارع إلى القول، وأؤكّد ولا أقبل الجدل في ما سأقوله، أنّ نبيه بري، بكلّ ما أعطاه الله من قوّة، يريد سعد الحريري رئيساً للحكومة. القصّة غير قابلة للجدل.

– وإن لم يستطع؟

– إن لم يستطع سوف تُدرس الأمور وسيرى ماذا يفعل، لأنّه في النهاية لا يمكن أن يطلب من سعد الحريري الشيء الذي هو غير مقتنع به. لنضع الرئيس برّي جانباً. أنا الذي كنت أوّل من رشّح سعد بعدما استقال، وبعد ساعة من استقالته عام 2019. إذا وجدت بعد أسبوع أو اثنين أو ثلاثة مصلحة بأن يعتذر، لا يمكنني إلا أن أطلب منه الاعتذار.

– بدأت تلمح هذه المصلحة؟

– دعنا لا نستعجل.

– دولة الرئيس، هل الخطوة التالية هي التفتيش عن مرشّح آخر، أو الطرح الذي طرحته بأنّ الجيش هو الحلّ؟

نعم أنا لا أزال عند رأيي أنّ الجيش ليس حلّاً. هذه نظرية فؤاد عون بأنّ الجيش هو الحلّ. إنّما هو وسيلة انتقالية من حال إلى حال، بمعنى يجب إعادة تكوين السلطة. ظروف وأجواء انتقال السلطة غير متوافرة اليوم.

إقرأ أيضاً: الفرزلي ينقلب… ومعه 120 ألف صوت تفضيلي 

– حكومة الانتخابات ألم ترتفع أسهمها؟

– ماذا يعني حكومة الانتخابات؟

– حكومة من غير المرشّحين؟

– ماذا تفعل؟

– تنظّم انتخابات؟

– دخلك إذا جبتلك شي مرشح شيعي وعيّنته وزيراً للداخلية، ماذا يؤثّر هذا عند الشيعة في الجنوب؟

– عند الشيعة لا يؤثّر، ولكن في بيروت والشمال يؤثّر؟

– ماذا يؤثّر عند الدروز، وعند السنّة ماذا يؤثّر.

 

في الحلقة الثانية، يروي الرئيس إيلي الفرزلي تفاصيل الاجتماع الأخير مع جبران باسيل، وقصّة القانون الأرثوذكسيّ، وماذا سيحصل لقانون الانتخاب؟

مواضيع ذات صلة

شينكر لـ”أساس”: تطبيق 1701… أو تحوُّل لبنان إلى “سوريا 2”

ماذا يقول المساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر عن سير الأحداث في المنطقة؟ هل باتت الحرب في لبنان قريبة من الانتهاء؟…

سفير مصر لـ”أساس”: الخماسيّة عائدة… التّسوية قريبة

يوم الأحد الماضي كان مفصليّاً. فقد طوى تصعيداً كاد يؤدّي إلى حرب كبرى. وأقفل معه مواجهة اعترف طرفاها الحزب وإسرائيل بانتهائها. وعليه، بدأت في المنطقة…

شينكر لـ”أساس”: لا حرب موسّعة.. حادث مجدل شمس غير مقصود

يستبعد ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق نشوب حرب واسعة بين إسرائيل والحزب على خلفيّة حادثة مجدل شمس لسببين: الأوّل أنّها…

فارس سعَيْد: فرنجية رئيساً قبل دخول ترامب البيت الأبيض؟

وقوع لبنان على لحظة سياسية مشابهة لتلك التي أوصلت الرئيس ميشال عون إلى بعبدا تزداد حظوظه السياسية، وسببه المناظرة الرئاسية الأميركية بين دونالد ترامب وجو…