تعيش طرابلس حالة استنفار سياسي وشعبي بعد تسرّب نتائج اجتماع عقدته حاملة الألقاب الوزارية الثقيلة، وزيرة الدفاع ونائبة رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الخارجية بالوكالة، السيد زينة عكر، مع وزراء الداخلية والمال والصناعة والزراعة وبعض النواب، ليخلصوا إلى التوصية بحصر التصدير إلى المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بمرفأ بيروت، ونقل جهاز السكانر من مرفأ طرابلس إلى مرفأ العاصمة، من دون إعطاء أي تبرير علمي أو منطقي لقرارٍ يعطِّل مرفأً يعمل بكفاءة عالية لمصلحة مرفأٍ تعرّض للتفجير وخرجت منه في الأشهر الماضية عشراتُ شحنات المخدِّرات التي توزّعت على دول العالم العربي والجوار.
أدّى النائب ميشال ضاهر دور المتذاكي و”المضحّي” المُخادِع، عندما زعم أنّه أصلح جهاز السكانر في مرفأ طرابلس (على حسابه)، ويدرس مع الجمارك اللبنانية آليّة نقله إلى مرفأ بيروت. كما لو أنّه ملكٌ شخصيّ له وليس جزءاً من أملاك الإدارة العامة.
كبارة لـ”أساس”: “منذ الاستقلال حتّى اليوم، تتعرّض طرابلس ومشاريعها ومرافقها للحرب والتعطيل. فالبعض يريد حصر كل شيء ببيروت
هذا وقد ذكرت مصادر في إدارة مرفأ طرابلس لـ”أساس” أنّ جهاز السكانر في المرفأ غيرُ معطّل، ويُستخدَم في الرقابة وفق الأصول القانونية والتقنية المعتمدة، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال عن مدى جدّية وصدقيّة الذين أصدروا هذه التوصية، المبنية على كذبة بائنة.
من جهته، قال النائب محمد كبارة: “منذ الاستقلال حتّى اليوم، تتعرّض طرابلس ومشاريعها ومرافقها للحرب والتعطيل. فالبعض يريد حصر كل شيء ببيروت، مستذكراً سنوات إشعال الفتن في المدينة، وتصويرها على أنّها إرهابية وترفض الآخر. وهي تعاني حملات مبرمجة متواصلة لاستهدافها. وما يحصل الآن هو من ضمن هذه الحملات”.
وأضاف كبارة في حديث لـ”أساس” أنّ “أهالي طرابلس لم يعودوا قادرين على احتمال الظلم المتمادي والتعطيل المستمر، الذي يشمل المعرض والمنطقة الاقتصادية الخاصة وسكة الحديد والمصفاة.. ليُضاف اليوم تعطيل المرفأ الذي يمثّل الرئة التي تتنفّس منها المدينة”.
وشدّد كبارة على أنّ “مرفأ طرابلس مضبوط بشكل تامّ، ولم يسبق أن خرجت موادّ مهرّبة منه، وخاصة المخدِّرات. بل إنّ الإجراءات، التي تتّخذها الجمارك والأجهزة الأمنية والاستخبارات، مشدّدة جداً. وتصلنا من التجّار شكاوى من أنّ ما يجري يفوق الإجراءات الطبيعية المعتمدة في أيّ مرفأ آخر. وبعض التجّار يعتمدون مرفأ بيروت لأنّ المعاملات فيه أسهل بكثير”، لافتاً إلى أنّ “مدخول مرفأ بيروت يسمح بشراء جهاز سكانر من دون الحاجة إلى التعدّي على طرابلس”.
وأكّد كبارة أنّ “طرابلس ستتصدّى لقرار منع التصدير من مرفأ طرابلس، ولقرار سحب جهاز السكانر منه، بكل الوسائل المتاحة، بما فيها النزول إلى الأرض والتصدّي لأيّ محاولة لتطبيق هذا القرار الجائر. ونحن نراقب الموقف والتحرّكات في المرفأ للتأكّد من عدم نقل الجهاز”.
من جهته قال الناشط المحامي لؤي غندور: “لا يستطيع رئيس الجمهورية ولا الوزراء، منفردين أو في اجتماعات جانبيّة، اتّخاذ قرارات بهذا الحجم، إلاّ من خلال اجتماع للحكومة”، معتبراً أنّ “مثل هذه الاجتماعات لا تمتلك الشرعية ولا الصفة القانونية التي تخوّلها اتخاذ قرارات تمسّ أوضاع قطاعات بأكملها، من دون غطاء حكومي”، مؤكّداً أنّ “قرار تعطيل مرفأ طرابلس، من خلال رفع جهاز السكانر منه، يحتاج إلى قانون، لأنّه يتناول منع التصدير من مرفأ دون آخر”، لافتاً إلى أنّ ما يجري هو “جزء من هرطقات العهد التي لا تعرف حدوداً ولا تقيم للدستور ولا للقانون أيّ وزن أو اعتبار”.
الجميع يعلم أنّه لو كانت هناك إرادة حقيقية لمنع التهريب، فإنّ مرفأ طرابلس هو المرفأ المحرّر نسبيّاً ممّا يسمّى “خطّ المقاومة”، وهو الأكثر جهوزية وكفاءة، والأنظف سمعة لجهة الضبط ومنع التهريب
فهل يعتقد وزير الداخلية محمد فهمي أنّ سلطته تتمتّع بالصدقية الكافية حتّى تصدّق المملكة العربية السعودية إجراءاتٍ شكلية وسطحية بالشكل الذي يتحدث عنه، من دون ضمانات رقابية من أجهزة دولية مختصّة في مكافحة تهريب الممنوعات، مثل مكتب المخدرات التابع للأمم المتحدة وغيره من الأجهزة الأميركية والأوروبية والعربية المختصّة؟
هل يعتقد الوزراء، الذين اجتمعوا واتخذوا قرار عزل مدينة طرابلس بهذا الشكل الوقح والجائر، أنّهم يسترضون المملكة العربية السعودية بهذا القرار؟
فالجميع يعلم أنّه لو كانت هناك إرادة حقيقية لمنع التهريب، فإنّ مرفأ طرابلس هو المرفأ المحرّر نسبيّاً ممّا يسمّى “خطّ المقاومة”، وهو الأكثر جهوزية وكفاءة، والأنظف سمعة لجهة الضبط ومنع التهريب.. فهل سبق أن سمع أحد عن شحنة مخدِّرات خرجت من مرفأ عاصمة الشمال؟
ربّما يحتاج وزراء حكومة حسان دياب إلى من يذكِّرهم بأنّ دول العالم لا تأتمنهم على توزيع مساعدات طارئة للناس. وهي بالتأكيد لن تكون لديها الثقة بإجراءات لطالما غطّت سابقاً عمليات التهريب التي تجري بقرار سياسي يستهدف عمق العالم العربي، وليست مجرّد تجارة بهدف جني المال والأرباح.
المعادلة التي يُفترض أن تحكم مساعي استعادة الثقة بصادرات لبنان، هي اعتماد مرفأ طرابلس مرفقاً نموذجيّاً آمناً للتصدير، وتعزيزه بالشراكة مع القطاع الخاص، ودعوة المؤسسات الدولية والعربية للمساهمة في زيادة منسوب السلامة ومكافحة التهريب.
يذكِّر مزارعو عكّار وبشرّي والضنّية وعموم الشمال بأنّ مرفأ طرابلس بقربه منهم يوفّر عليهم الكثير من أكلاف النقل في التصدير، فلماذا هذا الإجحاف بحقّ شريحة تغرق في الخسائر بسبب الانهيار المتمادي؟!
صدرت عن النواب بيانات ومواقف رافضة لِما جرى. وبدا نبض الشارع في طرابلس والشمال متصدّياً لهذا الاتجاه، ومُجْمِعاً على أنّ الكيل قد طفح من هذه السلطة التي تنسى طرابلس وتتجاهلها، ولا تتذكّرها إلاّ بأفعال السوء والتعطيل.
إقرأ أيضاً: مرفأ طرابلس: هل تطيح المزايدات الطائفيّة بفرص نهضته الإقليمية؟
فكيف يتصدّى أبناء طرابلس لهذا الاعتداء المتجدِّد على مدينتهم، وكيف يمنعون تطبيق قرار غير دستوري وغير قانوني، في حال أصرّت السلطة على موقفها؟
هذا هو الجوّ المحتقن الذي يفرض نفسه الآن على المدينة، وعلى من يُفترض أنّهم مسؤولون عنها. الأرجح أن البيانات لن تكون كافية.
فهل يسقط مرفأ طرابلس بضربة العهد أم تصمد الفيحاء في وجه اعتداء جديد عليها؟