السّعوديّة وإيران إلى المفاوضات المُباشرة من دون وسيط. هذا ما انتهَت إليه المفاوضات القائمة في بغداد بين المملكة العربيّة السّعوديّة والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. بعدما كانت بغداد هي الطاولة التي جلس إليها الوفدان طوال شهرين تقريباً، قرّر الطّرفان الانتقال إلى المفاوضات وجهاً لوجه (tête-à-tête).
فقد تقاطع مصدران عراقيّان مواكبان للمسار التّفاوضي بين الرّياض وطهران على إبلاغ “أساس” أنّ الوفدين السعودي والإيراني، قرّرا بعد 6 جلسات، الأخيرة عقدت قبل أيام قليلة، نقل المحادثات إلى دولة غير عربيّة، يُرجّح أنّها أوروبيّة.
وأفادت المعلومات الموثوقة أنّ الوفدين وصلا إلى مرحلةٍ مُتقدّمة، ويُفضّلان الحديث في غرفة مُغلقة من دون أن يستمع أحدٌ إليهما. وبهذا يكون دور العراق في رعاية المحادثات قد انتهى.
علمَ “أساس” أنّ الحديث تركّز على وضع محافظة مأرِب وسط اليمن، ومحافظة المُهرة شرقي اليمن، التي تُعتبر من المحافظات الواعدة من حيث استخراج النفط منها، وتأكُّد وجود النفط والغاز بوادي سعف ومحيفيف والغيضة والفيدمي ووادي شحن
وتابعت المصادر أنّ سبب الانتقال إلى خارج أسوار بغداد هو الوضع الأمني المُتوتّر والمُتصاعد في العاصمة العراقيّة أخيراً. وأضافت أنّ العاصمة الأوروبيّة، التي ستجمع الطرفين لاحقاً، من المُرجّح أن تشهد مرحلة صياغة التّفاهمات، التي من شبه المحسوم أنّها ستكون سرّيّة. أمّا عن طبيعة الوفدين فتشير المعلومات إلى أنّه في حال حُسِمَ الاتفاق على مغادرة بغداد نحو أوروبا، فإنّ الشّكل التمثيلي سيرتقي من المستوى الأمني إلى ذلك الدّبلوماسي.
سيكون موسم الحجّ مفتاح الصّفحة الجديدة التي يحاول المُفاوضون فتحها، مدعومين من أعلى الهرم في كلتا الدّولتين. إذ تُشير معلومات “أساس” إلى أنّ الأحاديث الأخيرة في بغداد تركّزت على تبادل فتح القنصليّات، لإيران في العاصمة السّعوديّة الرّياض والمنطقة الشّرقيّة، وللسّعوديّة في العاصمة الإيرانيّة طهران ومَشهد، وإعادة التواصل المُباشر تحت إطار التنسيق لموسم الحجّ المُقبل.
يطوي تبادل التّمثيل “القنصلي” بين البلدين صفحة الشَّعرة التي قَصَمَت ظهر البعير بين البلدين، بعد حرق مبنى السّفارة السّعوديّة والقنصليّة في مشهد من قبل الحرس الثّوري إثر إعدام رجل الدّين الشّيعي نمر نمر، الذي أُدين بالإرهاب في المملكة سنة 2016.
لكن ما آخر ما شهدته عاصمة العباسيّين بغداد، التي جمعت الوفدين برئاسة الفريق خالد الحميدان عن الجانب السّعودي، ونائب مساعد وزير الأمن رضا أميري ونائب رئيس مكتب الأمن القومي سعيد عرفاني عن الجانب الإيراني، وفي الوسط بينهما مدير مكتب الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي؟
تسير محادثات “تبريد السّاحات المُشتركة” بين الرّياض وطهران على نحو مُستقرّ. وقد كان الملفّ اليمنيّ هو الشّغل الشّاغل للطّرفين اللذين وصلا إلى مراحل مُتقدّمة بشأن الأزمة اليمنيّة.
وعلمَ “أساس” أنّ الحديث تركّز على وضع محافظة مأرِب وسط اليمن، ومحافظة المُهرة شرقي اليمن، التي تُعتبر من المحافظات الواعدة من حيث استخراج النفط منها، وتأكُّد وجود النفط والغاز بوادي سعف ومحيفيف والغيضة والفيدمي ووادي شحن.
في شأن المُهرة، تسعى المملكة إلى ضمان عدم وضع ميليشيات الحوثيّ يدها على الثّروة النّفطيّة الكامنة في برّ المُحافظة وبحرها، والتّأكُّد من استفادة الشّعب اليمني من هذه الثّروة.
نقل مصدر دبلوماسي عربي، أنّ الوفد الإيراني اقترح على الوفد السعودي في بغداد بحث الوضع الحكومي اللبناني. إلا أنّ الوفد السعودي رفض الاقتراح وأكّد على حصر المناقشات بالعلاقات الثنائية والملف اليمني
الجديد على الجانب اليمني الداخلي أنّ مسقَط، عاصمة سلطنة عُمان، ستشهد الأسابيع القليلة المُقبلة ترجمة تفاهمات بغداد بين الطّرفين حول اليمن عبر خفض التّصعيد من قبل ميليشيات الحوثيّ، وبلورة إطار الحلّ السّياسي بين أطراف النّزاع في البلاد.
وكما اليمن، كذلك قطاع غزّة كان حاضراً في الجلستين الأخيرتين اللتين أُجرِيَتا قبل أيّامٍ غير بعيدة، وفي النّصف الأخير من شهر أيّار المُنصرم.
فغياب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وعنف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تجاه غزّة، ساهما في تقريب وجهات النّظر السّعوديّة والإيرانيّة بشأن القضيّة الفلسطينيّة. وكان ذلك واضحاً في موقف السّعوديّة، الذي أدان بشدّة الحملة الإسرائيليّة على القطاع، وفي تمسّكهما بحقّ الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلّة عاصمتها القدس الشّرقيّة وفق القرارات الدّوليّة ومبادرة السّلام العربيّة. وكان التّفاهمُ ملموساً أيضاً في تجاوب حركة حماس الموالية لإيران مع الجهود العربيّة التي قادتها جمهوريّة مصر العربيّة لوقف العنف والتصعيد في القطاع.
وبقي لبنان هو الغائب الأكبر.
من الواضح أنّ الأزمة اللبنانية لن تكون حاضرة في القريب العاجل كي لا تعكّر صفوَ المحادثات القائمة. إذ يُشكّل البلد الصّغير على ساحل المُتوسّط نقطة خلافٍ لا يرغب الطّرفان في الحديث عنها. وإلى حين بدء الحديث عن لبنان، يبقى مصيره مُعلّقاً من فيينا، حيث المحادثات الأميركية الإيرانية، إلى بغداد، مروراً بعاصمة الأمويين دمشق، التي شهدَت محادثات سعوديّة – سوريّة الشّهر الماضي في مسارٍ عربيّ غير بعيدٍ عن طاولة بغداد، وتبعتها زيارة وزير السّياحة السّوري إلى الرّياض، ثمّ كانت زيارة نائب الرّئيس السّوري للشّؤون الأمنيّة اللواء علي المملوك إلى المملكة، قبل نحو أسبوعين، بعيداً من عدسات الإعلام وأقلامه.
وفي بيروت نقل مصدر دبلوماسي عربي، أنّ الوفد الإيراني اقترح على الوفد السعودي في بغداد بحث الوضع الحكومي اللبناني. إلا أنّ الوفد السعودي رفض الاقتراح وأكّد على حصر المناقشات بالعلاقات الثنائية والملف اليمني.
إقرأ أيضاً: بين فيينا وبغداد: المفاوضات تنهار… والتفجير يتقدّم
إذاً ينتظر لبنان وصول المحادثات إلى مرحلة مُتقدّمة جدّاً بين الرّياض وطهران. ويُنتظر أن تُوقّع إيران والولايات المُتّحدة الاتفاق النّووي، الذي صارَ من شبه المُسلّم به أنّه لن يُوقَّع قبل أن يتسلّم إبراهيم رئيسي مقاليد الرّئاسة في بلاد فارس في شهر آب المُقبل.
وللبحث صلة من بغداد التي جمعت الرّياض وطهران، إلى فيينا التي جمَعت واشنطن وطهران، ومروراً بدمشق التي جمعت نفسها بالرّياض وأبو ظبي ومَسقط والمنامة والكويت…