رؤية رضوان السيّد لأهل السُنّة والجماعة في لبنان ومستقبلهم*

مدة القراءة 7 د

يُعتبر المفكّر الدكتور رضوان السيّد من أهمّ أعلام الفكر المعاصر في نظريّاته المعرفية وإنتاجه الغزير. وهذه الورقة تركّز على موضوع من موضوعاته التي اشتغل عليها في كتاباته البحثية (مؤلفات وترجمات) ومقالاته الصحافية المتعدّدة، ومقارباته وترجماته للكثير من الأطروحات الفكرية العالمية.

أوّلاً: صعوبة البحث في رؤية رضوان السيّد

عندما يحاول الباحث الاطّلاع على إنتاجه الفكري الغزير، فإنّنا أمام كمّ هائل من الكتب والأبحاث والترجمات، وهو ما يجعل الباحث في جزئيّة محدّدة من فكره يقع في ورطة. فله أكثر من ثلاثين كتاباً وترجمة، وأكثر من تسعين بحثاً علمياً منشوراً في دوريّات متنوّعة، إضافة إلى إشرافه على أعمال كثيرة ومقالات مستمرّة لم تتوقّف منذ عقود.

قراءة رضوان السيّد للواقع اللبناني كانت دائماً قراءة من فوق، بمعنى النظر من أعلى للساحة من كلّ جهاتها الداخلية والخارجية. وهي نظرة تتعالى عن المصالح الحزبية والآنيّة. فهو ينظر لمصلحة لبنان، ويجعلها فوق كلّ التجاذبات التي تشتعل دائماً في الساحة اللبنانية

يُضاف إلى ذلك سببان:

الأوّل: طبيعة البيئة اللبنانية المتقلّبة، وسرعة تغيّر الظروف داخل لبنان.

الثاني: للدكتور رضوان محبّوه الكثر، وكذلك له ناقدوه الكثيرون.

يبقى أن أؤكّد أنّ قراءة رضوان السيّد للواقع اللبناني كانت دائماً قراءة من فوق، بمعنى النظر من أعلى للساحة من كلّ جهاتها الداخلية والخارجية. وهي نظرة تتعالى عن المصالح الحزبية والآنيّة. فهو ينظر لمصلحة لبنان، ويجعلها فوق كلّ التجاذبات التي تشتعل دائماً في الساحة اللبنانية.

 

ثانياً: رؤيته لمستقبل الإسلام السُنّي

لتناول هذا الموضوع لا بدّ من مقدّمات:

– التركيز على أحداث القرن العشرين وما بعده ومآلاتها المستقبلية.

– التركيز على مضامين أهل السُنّة والجماعة تاريخيّاً، والمقارنة مع الواقع الحاضر.

ولأجل توضيح العنصر الأول، فإنّ الدكتور رضوان السيّد رصد في مقاله المثير: “الحملة على الإسلام.. والحملة على العرب”، تحدّث عن خطرين واقعيّين وآنيّين وممتدّين في المستقبل، وهما خطر الإسلام المتشدّد والتكفيري، والثاني خطر الفكر التنويري. ولعلّ الثاني هو ما أثار جدلاً واسعاً وهجوماً عنيفاً على الدكتور رضوان. والسؤال: هل كان يرى الدكتور خطراً من التنوير العربي على مستقبل أهل السُنّة؟

– يرى الدكتور رضوان أنّ معظم الحاملين على التشدّد والغلوّ من التنويريين، لا يتعاطون مع تصرّفات هؤلاء وأولئك إلا في خاتمة مقالاتهم أو بحوثهم العلمية العميقة جدّاً. أمّا جوهر هذه الأطروحات الضخمة، فهو الحملة على إسلام العصر الوسيط…أو بصراحة الإسلام السُنّي.

يرى الدكتور رضوان أنّ سائر المثقّفين العصريين قد انصرفوا، متديّنين وغير متديّنين، عن الأشعرية باعتبار عدم تلاؤمها مع الظروف الحاضرة. وهو يعتبر، طبعاً بخلاف الكثير من السلفيين، أنّ الأشاعرة من أهل السُنّة

– يرى أيضاً أنّ شخصيات تنويرية، كمحمد أركون وعبد المجيد الشرفي، لديها نقمة على التقليد السُنّي، ولكنّه في الحقيقة تصفية حسابات مع الإسلام السُنّي القديم (من القرآن وإلى محمد عبده) بحجّتين: التقليد المتجمّد، والأصوليّات القائمة اليوم على ذلك التقليد.

أمّا العنصر الثاني في أطروحات الدكتور رضوان حول أهل السُنّة ومستقبلهم، فقد جاء من خلال نقده العميق للمضامين العَقَدية والفكرية لكثير ممّا جاء في التراث السُنّي. ولعلّي أُجمل أهمّ مضامين نقده للفكر السنّي من خلال مفهومين:

الأوّل: الخلل في مفهوم السُنّة، ويحدّده في جهتين: الأشاعرة والسلفيّين.

يرى الدكتور رضوان أنّ سائر المثقّفين العصريين قد انصرفوا، متديّنين وغير متديّنين، عن الأشعرية باعتبار عدم تلاؤمها مع الظروف الحاضرة. وهو يعتبر، طبعاً بخلاف الكثير من السلفيين، أنّ الأشاعرة من أهل السُنّة. ويبدو أنّ دعوته إلى اعتبار دورهم محورياً في مجتمعاتنا اليوم، لكونهم هم مَن حافظوا على المدارس التقليدية في مقابل الإحيائية الصلبة، التي شملت حاكمية عقائدية على الدولة والشريعة والدين والدنيا من دون فرق في التشريع والتسليم.

ويمكن اعتبار الحاجة إلى الأشاعرة في أمرين آخرين:

– إنّ الأشاعرة يوسّعون دائرة الانتماء إلى الأمّة برفض التكفير في الفروع وبالتأويل والعمل. فهم يعتبرون أهل القبلة مسلمين على اختلاف مذهب العقدية في الجزئيّات.

– صياغة الأشاعرة منهجاً متكاملاً يجمع الأمة في عقيدة مشتركة بعيدة عن محاولة الحداثة التقويضية والسلفية التكفيرية.

 الثاني: الخلل في مفهوم الجماعة، ويحدّده في فئتين رئيستين: الحركيّين (الإسلام السياسي) والثوريّين الجهاديّين.

أعتقد أنّ ما كتبه الدكتور رضوان حول الجماعة والدولة والمجتمع في التراث الإسلامي، في أكثر من كتاب، هو من أهمّ المحاولات الفكرية وأعمقها في عصرنا، لتفكيك بنية الثورة والافتراق والتقليد والاستبداد، من خلال دراسة عدد من النماذج التاريخية، وفهم السياق الديني والسياسي في وقوع تلك الإشكاليات المزمنة.

 

ثالثاً: رؤيته لمستقبل أهل السُنّة والجماعة في لبنان

مستقبل لبنان، وفق التقسيمات الطائفية، من أعقد المسائل وأكثرها إشكالية. وحصل لأجل ذلك توتّرات لا يمكن أن تنتهي إلا في صيغة ديموقراطية ونظام علماني. ويكفي هذا الطرح استفزازاً لعدد من التيارات الدينية الإحيائية داخل لبنان.

وفي الآونة الأخيرة، ومع تغوّل حزب الله في الداخل اللبناني، أصبح أهل السنّة في مآزق ومحن ذات طابع سياسي ووجودي. ويُعتبر الدكتور رضوان الضليع الخبير في الشأن اللبناني. فعمله في المكتب السياسي لتيار المستقبل الممثّل لأهل السنّة بلبنان في فترة سابقة، أعطاه قدرة على المتابعة والنظر والتحليل الذي يتجاوز ظواهر الأمور. ويبدو من تصريح صحافي سابق له (في جريدة المستقبل عام 2014) أنّ أهل السنّة في لبنان لم يحسنوا التفاهم والتواصل بين أهمّ أجهزة الدولة، وهو ما جعلهم في ركن الاتّهام الدائم بالفتن داخل لبنان، في مقابل الاستحواذ الكبير لحزب الله وتقلّص الدور السنّي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

يؤخذ على الدكتور رضوان قلّة المواقف الناقدة للتأثير الغربي سياسياً وثقافياً واقتصادياً في مشكلات العالم الإسلامي، وأنّه في جلّ أعماله ظهر ناقداً للداخل السنّي أكثر من تأثير القوى العالمية الخارجية

 

ملاحظات عامة:

أ- يناقش الدكتور رضوان السيّد مشكلات العالم الإسلامي بمنظور أكبر من تأطير فكره على أهل السنّة فحسب. وانشغل في أهمّ كتبه بالتحليل الموضوعي للنصّ السياسي الإسلامي، ونقد التجارب الفلسفية المعاصرة ذات النزعة الصراعية التاريخية (عبد الله العروي)، والنزعة البنيوية السيميائية (محمد أركون)، ثمّ انهماكه الشديد في نقد التجارب الإحيائية الحركية ذات الطابع السياسي.

ب- يظهر في أكثر كتابات الدكتور رضوان الهمّ الإصلاحي، والبحث عن المخرج من أزمات الأمّة، مع تحليل عميق لخطاب أغلب التيارات الإصلاحية.

ت- بسبب تلمّسه نواحي الخطأ والخلل، أصبح، كما يصفه بعض المتابعين له، صاحب منظار قاتم لكلّ التجارب الإصلاحية السنّيّة، فيما لم تجد التجارب السياسية الاستبدادية هذا الاهتمام العميق في كتاباته.

ث- هل الدكتور رضوان السيّد في دفاعه عن أهل السنّة يوصف بالطائفي؟ لا أظنّ ذلك، بل كان دائم التحذير من البعد الطائفي. ونجد توازياً في الطرح والنقد يشمل أيّ توظيف سياسي للطائفة، وأصاب هذا النقد السنّة والشيعة.

إقرأ أيضاً: رضوان السيّد: رجل الهويّات المتصالحة

ج- يؤخذ على الدكتور رضوان قلّة المواقف الناقدة للتأثير الغربي سياسياً وثقافياً واقتصادياً في مشكلات العالم الإسلامي، وأنّه في جلّ أعماله ظهر ناقداً للداخل السنّي أكثر من تأثير القوى العالمية الخارجية. لكنّه بصفته النقدية وطبيعته كمفكّر، حاول البحث عن الجذور المؤدّية إلى هذا الإشكال بيننا وبين الغرب، ولم يرمِ كلّ المصائب على الطرف الآخر.

وأخيراً.. أحببت التأكيد أنّ الورقة هي مجرّد إشارات عامّة إلى قضية حسّاسة برز فيها الدكتور رضوان السيّد شخصيّةً علميّةً فكّكت البنية المتطرّفة لدى أهل السنّة في العالم العربي.

 

* هذا ملخصّ لنصّ الدكتور القحطاني.

لقراءة النص كاملاً: رؤية رضوان السيد لأهل السُنّة والجماعة في لبنان ومستقبلهم

 

*مُحاضِر في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن – الظهران

 

مواضيع ذات صلة

رضوان السيّد لـ”الأهرام”: مستقبل الإسلام في لاهوت الرحمة

أكّد المفكّر العربي الدكتور رضوان السيد أنّ تطوّر الدولة الوطنية هو الأساس لتحقيق النهضة سياسياً وفكرياً، وأنّ تطوّر مصر ضرورة حتميّة، معلناً ثقته المطلقة بتمكّن…

كلمة في الدكتور رضوان السيّد

أفضل جائزة تقدير يمكن أن تُقدَّم لعالِم ومفكّر كبير في مستوى الدكتور رضوان السيّد هي إنجازاته العلميّة: كتبه ودراساته وأبحاثه ومناقشاته ومقالاته التي تشكّل مكتبة…

رضوان السيّد.. الأزهريّ المُستنير

تربطني بالصديق والمفكّر الإسلامي العربي البارز الدكتور رضوان السيّد، علاقة وطيدة منذ سنوات طويلة، التقينا خلالها مرّات عديدة، بين مسقط وبيروت، وما بينهما أكثر عبر…

رضوان والبحث عن جذور الدولة وسكينة الدين

لم أتعرّف في المرّة الأولى على الدكتور رضوان من خلال لقاء شخصي معه. عرفته أوّل ما عرفته كاتباً وباحثاً. وأوّل ما قرأت له كان أوّل…